تقدر الإحصاءات عدد من يمتلكون مركبة واحدة فقط من السعوديين بنحو 1.213 مليون شخص، فيما يبلغ عدد من يمتلكون أكثر من مركبة 1.058 مليون شخص، وعدد من يمتلك أكثر من مركبة من غير السعوديين بنحو 124 ألف شخص، فيما يبلغ إجمالي عدد المركبات في المملكة أكثر من عشرة ملايين سيارة، في حين أظهرت دراسة حديثة ارتفاع أعداد مبيعات السيارات في المملكة منذ بداية عام 2008 بنسبة 20 في المائة. هذا الكم الهائل من السيارات يحتاج بالضرورة إلى مواقف، إلا أن الملاحظ هو أن بعض الدوائر لا تتوافر فيها مواقف لموظفيها، ناهيك عن المراجعين مما يتسبب في إيجاد أزمة مواقف السيارات في كثير من الدوائر الحكومية. الكاتب والباحث الاقتصادي محمد الشريف يلخص الوضع القائم في أبرز المظاهر التالية: الجهات التي لديها مواقف تقوم بتخصيصها للموظفين، ولا يسمح للمراجعين بالدخول إليها، وعلى المراجعين البحث عن مواقف في الشوارع المجاورة. بعض الجهات مقراتها مستأجرة، وتقع على شوارع رئيسية، أو ملاصقة للأحياء، ولا تتوافر فيها أصلا مواقف، وكثيرا ما يتأذى المجاورون من وقوف سيارات المراجعين أمام منازلهم وإغلاق مداخلها ومخارجها أمامهم، كما تتضرر المحال التجارية المجاورة من إشغال المواقف أمامها بسيارات المراجعين.
في حالة توفير مواقف، وهي حالات نادرة جدا، فإنها تكون مكشوفة للشمس والعوامل الجوية، في حين تكون مواقف الموظفين مظللة.
ـ عدم توفير مواقف للمراجعين خلق وضعا صعبا أمام مقرات الجهات الحكومية نتيجة تكدس السيارات والوقوف العشوائي، وإغلاق الطرق، والتسبب في الحوادث، ومعاناة المراجعين الذين يجدون سياراتهم وقد سدت أمامها الطرق، واضطرارهم الانتظار أوقاتا طويلة تحت عوامل الطقس القاسية.
ـ معظم الجهات الحكومية (مثل المحكمة العامة، إدارة المرور، مكتب العمل، المستشفيات) لا تدرك أبدا الحقيقة القائلة إنها وجدت أصلا لخدمة الجمهور .
هذه هي الصورة العامة للوضع، وما يزيد الأمر سوءا هو تعمد بعض الجهات الحكومية، ذات الصلة القوية بالناس، التي لا تتوافر فيها مواقف لموظفي الجهة ناهيك عن المراجعين، اتخاذ مقراتها على الشوارع العامة كطريق الملك فهد في الرياض، مما يتسبب في وقوع الكثير من الحوادث.
ومعلوم أن الدوائر الحكومية تنشأ لخدمة الناس وتسهيل قضاء حاجاتهم، والمفترض أن يكون من أولويات ذلك توفير مواقف لسياراتهم، بيد أن هذا الواجب كان ولا يزال مغيبا، وليس هناك من المراجعين من يجرؤ على المطالبة به، لأنه أحيانا لا يجد مقعدا يجلس عليه، فكيف يطالب بموقف لسيارته؟!
ـ توفير المواقف يعد حقا من حقوق الإنسان، بل هو من واجبات الجهة الحكومية، وكثير منا ذهب إلى الخارج وشاهد مدى توافر المواقف عندما يحتاج الشخص إلى مراجعة أية جهة كالسفارات وإلادارات المختلفة.
المراجعون أولى بتوفير المواقف الملاصقة للجهة من الموظفين، إذ إن الموظف يوقف سيارته في أول الدوام ويخرجها في آخره، وليس من الضروري أن يكون ذلك في أقرب مكان، لأن موقف السيارة الواحدة يمكن أن يستوعب خمس سيارات للمراجعين، والمراجع إذا أوقف سيارته قريبا من الجهة التي يقصدها، فإن ذلك يساعد على إنهاء حاجته بسرعة، ومن ثم إخلاء الموقف لمراجع آخر.
وعموما؛ فأن الوضع أمام مقرات الدوائر الحكومية في غاية السوء، والمراجع يعاني ويتعب ويضيع وقته بسبب ذلك، ولا بد من صدور قرار تنظيمي يلزم كل جهة، أمثال البنوك، والمستشفيات الأهلية، والهيئات، والشركات، بتوفير مواقف كافية للمراجعين والحالات التالية تؤكد عمق المشكلة ومدى معاناة المراجعين لمختلف الدوائر الحكومية ذات الصلة المباشرة بخدمتهم.
تكدس المواقف
يقول بندر المالكي (معقب في جدة) طبيعة عملي تتطلب مني الذهاب يوميا إلى مبنى الجوازات ومكتب العمل، والمشكلة التي أواجهها يوميا هي عدم وجود موقف لسيارتي، فيما تتكدس سيارات المراجعين بشكل عشوائي مما يضطرني في بعض الأحيان لركن سيارتي في الأحياء المجاورة لمبنى الإدارة الحكومية، التي أقوم بالتعقيب فيها، فأضطر أحيانا لتأجيل بعض المعاملات لقرب انتهاء وقت الدوام بسبب أزمة المواقف وكثرة السيارات وفي بعض الأحيان اضطر لاستئجار سيارة أجرة لكي تقلني لأية إدارة.
أنسى موقفي
ويرى بدر المالكي «معقب» أن توفير مواقف إضافية أصبح أمرا في غاية الأهمية، لأن كثرة اللف والدوران والبحث عن موقف للسيارة يضيع الكثير من الوقت، حتى أنني في بعض الأحيان أنسى أين ركنت سيارتي، فأستغرق ساعة أو تزيد في البحث عنها.
500 متر مشياً
ويقول سعد الحارثي منذ ثلاثة أشهر بمراجعاتي مكتب العمل في محافظة جدة لاستخراج تأشيرات، في كل يوم أعاني من أزمة المواقف حتى أنني في بعض المرات اضطر لركن سيارتي على بعد 500 متر، ثم أقطع بقية المسافة لإنجاز معاملتي المعلقة، ومرات أركنها على مسافة تزيد على 600 متر، وأستغرب حقيقة من موقع بعض الإدارات حين تكون بلا مواقف تتسع لعدد كبير من سيارات المراجعين، وعدم توفير مداخل ومخارج لكبار السن والنساء وذوي الاحتياجات الخاصة، فإذا كنت غير قادر على المشي في الأجواء الحارة فكيف بكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.
سيارتي تضررت
معقب آخر يعلق على الموضوع خوفي على سيارتي الجديدة التي بدأت في تسديد أقساطها، أجبرني على ركنها في المواقف المجاورة لمبنى الجوازات في جدة، حيث قام أحد رجال الاعمال باستثمارها بواقع ريالين في الساعة، مما يرهقني ذلك ماديا، حيث إن عملي كمعقب يتطلب مني التواجد يوميا في إدارة الجوازات ومكتب العمل، وبالتالي أقضي ساعات طويلة في البحث عن موقف خال.
النقل العام
يعلق الدكتور طارق فدعق، رئيس المجلس البلدي في جدة أن ازمة المواقف مشكلة يجب الوقوف عندها، مشيرا إلى ورود شكاوى إلى المجلس البلدي من هذا النوع يتقدم بها مجموعة من المواطنين، ونحن نعدهم بتشكيل لجنة لدراستها ورفعها إلى الجهة المعنية ومتابعتها، مرجعا أسبابها الرئيسية إلى عدم وجود معايير صحيحة لكثير من الموقع، وبالتالي فإنه يمكن حل هذه الأزمة، بإيجاد وسائل نقل عام يستخدمها الجميع للتقليل من استخدام السيارات الخاصة التي تزايدت في الآونة الأخيرة.
تصاميم هندسية
المهندس حسن بن محمد الزهراني، نائب رئيس المجلس البلدي في جدة، يرى أن من حق الطرفين؛ الموظفين والمراجعين، الاستفادة من مواقف الإدارات الحكومية وغير الحكومية المختلفة، وأضاف أن الحل الجذري لأزمة المواقف في مدينة جدة، يكمن في إلزام أصحاب المشاريع الكبرى بتوفير عدد كاف من المواقف في جميع القطاعات الحكومية والتجارية، كجزء مستقطع من المشروع، ذلك سيخفف من المشكلة في أماكن عدة، وفي المقابل تلزم أمانة محافظة جدة أصحاب المشاريع بتوفير مواقف كافية في التصاميم الهندسية، مع وضع (ماكينات) خاصة يحصل من خلالها رسوم وغرامات على الذين لا يحترمون الأنظمة مما يخفف من المشكلة كما هو معمول به في بلدان أخرى.
هاجس حقيقي
سامر فلمبان «مهندس واستشاري معماري» يرى أن أزمة المواقف أصبحت هاجسا حقيقيا لسكان المدن، وإان استمر تجاهل المشكلة سوف تتفاقم، وحينها تبقى الحلول صعبة ومكلفة، ودور المخطط العمراني يبدأ في رؤية المستقبل والتخطيط له، ووضع الأجوبة الجذرية للمشاكل قبل وقوعها وأكثر من ذلك، فهو مطالب بتحديد ماذا نعمل؟ وكيف نعمل؟ ومتى نعمل؟ ومن يعمل؟ ومن هذا المنطلق أرى ضرورة إيجاد أنظمة عمرانية ملزمة بموقف سيارة لكل وحدة عمرانية مثال (عمارة من 100 شقة لا بد من وجود 100 موقف خاص لها بخلاف المواقف الخاصة بالمحلات) وهكذا، أما قضية من يعمل فهي مسؤولية الأمانات والبلديات، فهي مطالبة بإنشاء مدن بمواقف لسكانها.
تشوية لمنظر العام
وأضاف بخصوص الدوائر الحكومية في المملكة، خاصة في المناطق الرئيسية مثل العاصمة الرياض وجدة والمنطقة الشرقية، هناك أزمة واضحة للعيان من عدم توفر مواقف كافية لسيارات المراجعين، مما أفضى لتكدس السيارات أمامها وتشويه المنظر العام ومخالفة النظام، مرجعا أسباب المشكلة إلى التطور والتوسع العمراني الذي شهدته المملكة في الآونة الأخيرة، علما أن مباني الدوائر الحكومية قديمة جدا في وقت لم تكن فيه كثافة سكانية ولا توسع، أما الآن فقد توسعت المدن، وأصبحت معظم الدوائر تتوسط العمائر السكانية، التي أوجدت بدورها زحمة في المواقف إلا أن تلك مشكلة أخرى!.
تخطيط سليم
ولإيجاد حل للمشكلة يرى المهندس عبدالله الغامدي (استشاري في أحد المكاتب الهندسية في جدة) أن تخصص الأمانة مناطق معينة في الأحياء الجديدة، لتكون شققا سكنية بعد أن تهيئ لها مواقف للسيارات، ويكون لصاحب البناية الحرية في وضع البدروم من عدمه، وبذلك نضمن توافر أعداد كبيرة من المواقف التي لا تؤثر على السكان في حال وجود مناسبة عند أحدهم، لذلك يقترح أن يكون التخطيط سليما منذ البداية ونقل الدوائر الحكومية التي لها علاقة مباشرة بالجمهور مثل الأحوال المدنية، والجوازات، ومكتب العمل، ومكاتب الاستقدام، والضمان، وغيرها إلى أماكن اكثر اتساعا، مع مراعاة توفير مساحات إضافية أخرى لاستيعاب أكبر عدد من السيارات وتخصيص أماكن وقوف للمراجعين لتسهيل مهامهم والتصدي لعشوائية الوقوف على جانب الطريق.
مباني بعض القطاعات مستأجرة والأخرى لم تضع أولويات لحل الأزمة
المواقف مشكلة الدوائر الحكومية المزمنة
12 فبراير 2009 - 21:38
|
آخر تحديث 12 فبراير 2009 - 21:38
المواقف مشكلة الدوائر الحكومية المزمنة
تابع قناة عكاظ على الواتساب
هاني باحسن، إبراهيم القربي - جدة