ورد ذكر العيص في الكثير من كتب السير كالطبقات الكبرى لابن سعد، منها قصة أسر أبي العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في العيص وقصة إسلامه. وقد مرت العيص بحضارات عدة، قبل الإسلام وفي صدر الإسلام، آثارها باقية إلى هذا اليوم لتكون شاهدا على تلك الحقب التي مرت بهذه المدينة التاريخية، والتي يعود تاريخ البعض منها لبني هلال ومملكة لحيان، ومع مرور الزمن واكبت مدينة العيص التطورات في شتى المجالات في العهد السعودي الزاهر.
سبب التسمية
يقول عثمان الجهني من الأهالي إن لكلمة العيص معاني عدة، حيث وردت في العديد من المعاجم اللغوية، وقال ياقوت الحموي العيصان بمعنى تثنية العيص، وهو منبت خيار الشجر ولكن سبب تسمية العيص بهذا الاسم ربما يكون نسبة للعيص ابن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السلام، لأن مدينة العيص كانت ممرا للقوافل القادمة من الشام لمكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث كان سيدنا إبراهيم وأبناؤه ينتقلون بين مكة والشام ربما مر العيص بن إسحاق بها وسكنها كما سميت الشام نسبة لسام بن نوح.
موقع العيص
عيص إحدى المدن التاريخية الواقعة في الجزء الشمالي الغربي للمملكة، على بعد 250 كم غرب المدينة المنورة و 150 كم شمال محافظة ينبع و 240 كم جنوب محافظة العلا و 90 كم شرق محافظة أملج، وترتبط بجميع هذه المدن بطرق معبدة إذ يبلغ عدد سكانها 45000 نسمة تقريبا يتوزعون على عدد من القرى والهجر التابعة للعيص، في مساحة إجماليه 27000 كم2.
اشتهرت العيص بالزراعة منذ القدم، وخاصة زراعة النخيل حيث تنتج مدينة العيص أنواعا مختلفة من التمور كالبرني، الذي يعتبر من أجود التمور في المملكة إلى جانب «الكعيمر والروثا» ومن الفواكة الحمضيات كالبرتقال واليوسفي والليمون بأنواعه والمانجو وغيرها.
من آثارها الباقية إلى هذا اليوم لتكون شاهدا على تلك الحقب قصر «البنت» في قرية الفرع الذي تدور حوله العديد من الاساطير والروايات من تلك الروايات، قصة لحاكم كان يسكن هذه القلعة مع زوجته وأختها التي لايراها الناس ولا تراهم إنما وضعت في غرفة أعلى القلعة، كانت بهذه الغرفة فتحة يطل منها القمر عندما يكون بدرا في منتصف الشهر فتناجي هذه الفتاة القمر لانه الزائر الذي تأنس برؤيته ومناجاته، ولا زالت آثار هذه القلعة باقية تحكي عبق الماضي لهذه القلعة التاريخية التي يعود تاريخها إلى 400 قبل الميلاد.
قصر القصبة
من الآثار التي تشتهر بها العيص وتدل على تاريخ هذه المدينة قصر القصبة الأثري الذي بني على جبل ربما كان يستخدم لكبار القوم في تلك الحقبة، إلى جانب آثار أخرى تتمثل ببرك منتشرة أشهرها بركة شعيب النورة، التي يعود تاريخها للعهد العباسي وقد بنيت لسقيا الحجاج وقوافل التجار القادمة من الشام باتجاه المدينة المنورة ومكة المكرمة، فعندما تشاهد البركة تتعجب من طريقة بنائها فهي ليست كبرك اليوم على سطح الأرض إنما بنيت بعمق الأرض بفن معماري فريد، ففي إحدى الزوايا يوجد درج (سلم) للنزول والصعود من البركة، وفي وسط البركة عمود بني من الحجارة والجص لقياس كميات المياه بداخلها، كما أن بجنبات البركة من الخارج سواقي تصب فيها وهي اليوم شبه مندثرة، وهناك حصون وقلاع متناثرة على خط واحد منها «حميمة العين» وهي عبارة عن حصن على تل مرتفع، و «حميمة الحصين» وهي عبارة عن حصون للمراقبة ومكان للجند، و «حميمة رن» على بعد 5 كم من حميمة الحصين وعيون وآبار كثيرة.
العيص والصحابي
يقول معمر السعيفاني (مدير مدرسة) أتى أبو بصير الزهري للعيص عندما رده رسول الله وذلك بعد صلح الحديبية بين المسلمين وكفار قريش، الذي ينص على أن من يأتي للرسول مسلما يرده الرسول لهم ومن يأتيهم لايردونه، فما كان من رسول الله إلا أن رد أبي بصير الزهري، فقال له أبو بصير الزهري: أتردني لكفار قريش وأنا جئتك مسلما، فأشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يذهب إلى العيص فذهب أبو بصير الزهري رضي الله عنه لمدينة العيص واستقر بها وكان يقطع على كفار قريش القوافل القادمة من الشام إلى مكة المكرمة ولحق بأبي بصير الزهري سبعون من الصحابه رضي الله عنهم وكونوا سرية بمدينة العيص.
جبل السلام
ويقول عواد مسلم العنيني مسئول آثار سابقا، صلح الحديبية الذي أقر بعدم اعتراض قوافل قريش على جبل يعرف اليوم بجبل السلام، وهذا الاسم اكتسبه بعد عقد الصلح بجواره كما يعتقد بأن قبر الصحابي الجليل أبي بصير الزهري أيضا بالقرب من هذا الجبل.
لورانس العرب
يقول الباحث في تاريخ العيص يوسف راجح الجهني إن المستشرق لورانس العرب أثناء رحلته، جاء في وصفه للعيص «هنا نهاية نهر ربما جف ماؤه أو ربما يكون نهرا أضخم من الفرات، وواديا وفير الأعشاب وملتف الشجر يعبق بأريج الأزهار البرية وتملأ أجواءه الفراشات الجميلة البيضاء، وقد علمت بأن هذا المكان كانت فيه حياة على قرى يستغل أهلوها المياه الجارية لري بساتينهم، وتزخر أرضيته بالكنوز الثمينة والآثار العريقة، وقد كان هذا المنظر بالنسبة لعيني منظرا جميلا ورائعا».
العيص ماض وحاضر
الشيخ سعد حماد الجهني أحد الأعيان يقول: كانت مدينة العيص كبقية مدن الجزيرة العربية تعيش في معزل عن العالم الخارجي، ويقال بأن هذه المدينة أجتاحها سيل جارف يعرف بين أهالي المنطقة بسيل صباب استمر 7 أيام، وهو يعبر مع الوادي حيث كان يغطي مدينة العيص بأكملها من الجبل إلى الجبل، بل كان ارتفاعه عاليا جدا، ونبعت بعد السيل عيون تجري على سطح الأرض بقيت لفتره من الزمن، وكانت سببا بعد الله في وجود المزارع التي كان يعتمد أهلها على الزراعة والرعي، حيث كانت مدينة العيص واحة خضراء على امتداد الوادي تلتف بثوب البساطة التي يعيشها الأهالي، رغم صعوبة العيش بها إلا أن الحياة ممتعة وجميلة فكان أهالي مدينة العيص يعتمدون على قضاء حاجاتهم مشيا على الأقدام، فلم يكن هناك سوى سوق واحد يعرف حاليا بالسوق القديم ويقع هذا السوق بالجهة الشرقية للواحة الخضراء التي يعتمد السوق عليها لعرض ما تنتجه تلك المزارع من التمور والحمضيات وغيرها، وكذلك على ما تجلبه البادية من أغنام لبيعها والشراء بثمنها أغراضا كالبن والهيل وغيرها، من الالتزامات البسيطة في ذلك الزمان، بل كان السوق ملتقى لأهالي المدينه يجدون به الأخبار ويتناقلون منه الأشعار التي يتناقلونها لما تحتويه من الحكم.
مشاريع التنمية
ويقول الشيخ محمد علي الحافظي شيخ قبيلة الحوافظة من جهينة وشيخ العيص إن مؤسس هذا الكيان الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه أسس في العيص أول مركز للإمارة عام 1351هـ وكان أميرها هو القاضي، وكان يبت في جميع المنازعات، ثم بدأت مرحلة إنطلاق المسيرة التعليمية الرسمية بافتتاح أول مدرسة عام 1372هـ باسم المدرسة السعودية، ولكن بقي الأهالي يعانون الكثير من الصعوبات عند الحاجة إلى مراجعة الدوائر الحكومية كالقضاء، والأحوال المدنية، بالإضافة إلى العديد من الحالات المرضية تواجه صعوبات في العلاج، بل إن البعض خرج من هذه المدينة فلم يعد لها وذلك قبل وصوله إلى المستشفى قبل تأسيس أول نقطة صحية بالعيص عام 1377هـ، وفي عام 1407هـ عندما قام الأمير عبد المجيد حينما كان رحمه الله أميرا على منطقة المدينة المنورة بزيارته انطلقت المشروعات التنموية تباعا، حيث ربطت المدينة بطريق مسلفت بمحافظة ينبع والمدينة المنورة والعلا وأملج، وكذلك انطلق مشروع الكهرباء لمدينة العيص وضواحيها، واكتملت المشاريع الصحية بإنشاء مستشفى متكامل الخدمات، إضافة إلى مراكز الرعاية الصحية الأولية كما تم إنشاء مبنى حديث للتنمية الاجتماعية يمارس نشاطاته حسب الاختصاص وكذلك المحكمة الشرعية، والشرطة، والدفاع المدني الذي لاتزال إمكانياته محدودة.
الدعوة وتاريخها
يقول الشيخ عبد الله معلا الرفاعي مدير مكتب الدعوة والإرشاد في العيص إن انطلاق الدعوة بمدينة العيص تم منذ زمن بعيد، وبعدما وحد الملك عبد العزيز أرض المملكة، انطلقت قوافل الدعوة لتعم كافة المدن والقرى لتعليم أبنائها أمور دينهم ليعودوا لتعليم أهاليهم، فكان بمدينة العيص عدد من الدعاة لتعليم الأهالي، فكانوا يعتمدون كثيرا على خطب الجمع لحث الناس ونصحهم واستمرت مسيرة الدعوة بهذه المدينة، حتى تم تأسيس أول مندوبية تابعة لمكتب الدعوة والإرشاد في محافظة ينبع في عام 1414هـ، وفي عام 1423هــ أسس المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد بمدينة العيص، ثم تبعها افتتاح فرع للنساء، وافتتح مؤخرا دار للحافظات بمدينة العيص وبعض القرى التابعة له.
احتياجات اليوم
تفتقد العيص للعديد من الخدمات ويلاحظ هجرة بعض ساكنيها لعدم وجود كلية للبنات، فعندما تنهي الطالبة المرحله الثانوية، تبدأ معاناتها مع الطريق ومشاقه، حيث تتجه قبيل بزوغ الفجر باصات يوميا محملة بالطالبات إلى كليات البنات في محافظة ينبع ليقطعن 300 كم ذهابا وإيابا مما يجعل أولياء أمورهن يضعون أيديهم على قلوبهم من مخاطر الطريق الذي وقعت به حوادث مأساوية راح ضحيتها الكثير من المعلمات، كما أن هناك حاجة ماسة للأحوال المدنية وقسم للرخص لتخفيف المعاناة على أهالي العيص الذين يجدون مشقة في مراجعة هذه الإدارات خارج العيص، وهناك أمل يراود الأهالي في أن يتم رفع العيص من مركز إلى محافظة لأن أغلب الخدمات مرتبطة بهذا المسمى.
شهدت أسـر أبي العـاص زوج زينب بنت النبي..وإسـلامـه
أهالي العيص يتطلعون لرفع مدينتهم إلى محافظة
29 يناير 2009 - 21:38
|
آخر تحديث 29 يناير 2009 - 21:38
أهالي العيص يتطلعون لرفع مدينتهم إلى محافظة
تابع قناة عكاظ على الواتساب
محمد الجهني - العيص