عندما نشرت الروائية والشاعرة اليمنية نبيلة الزبير 2001-2000م روايتها البديعة «إنه جسدي» على حلقات في صحيفة «الثقافية» المحلية, لم يكن معظم القراء ليأبه لها، قياساً بعددهم المحدود. بات واضحاً أن الرواية الرائعة بكل المقاييس كان ينقصها –فقط- وسيط خارجي تعبر من خلاله إلى القارئ المحلي ليحتفي بها، وقد فازت عقب فترة وجيزة من صدورها –بجائزة نجيب محفوظ للرواية. إنها رحلة كدح خارج حدود القطر والإقليم «يتحتم» على النتاج العربي الأدبي والفكري أن يخوضها ليحصل على شرعية التداول والذيوع في مسقط رأسه، لذا فإن غالبية الأعمال التي تفشل في خوض رحلة الكدح تلك –لأسباب لا تتعلق بقيمتها المعرفية- تعيش مفتقرة للشرعية وتذوي خلف سياج الحظيرة المحلية وعلى هامش المشهد الثقافي.
لدينا –في الغالب- قارئ سلبي لا يثق في ذائقته على الإطلاق، وهو بحاجة دائمة إلى أن يتذوق « الآخرون» بالنيابة عنه. إن ذلك –فقط- هو ما يحرض رغبته الخاملة على قراءة عمل ما، ويمنحه الشعور بالكسب النفسي من وراء قراءته، وعلى الطرف المقابل لقراء من هذا الطراز تتنامى تلك الفئة من الكتاب الذين يفصِّلون أدمغتهم على مقاس «أمزجة لجان التحكيم»، ويكتبون بحافز وحيد: «العشم الأخرق في الفوز بجائزة ما.» بعيداً عن كل حافز معرفي!
إننا بحاجة إلى المتلقي الذي يمتلك الجرأة على مقاربة النص وحيداً، والاقتران به دون وسيط، وبمنأى عن الاستعانة بـ«منشطات» خارجية يتكئ عليها في ارتياد آفاق النص، وارتشاف مفاتنه.
قد يصدق إلى حد كبير القول إن أكثر الأعمال الأدبية شهرة، هي أقلها قيمة أدبية. فالشهرة والذيوع تبني مجدها على حساب النص، وتخدش عفوية المتلقي حياله. إن المرء ليرى في العتمة تفاصيل تستحيل رؤيتها في مصب الضوء. يشبه الأمر شمعداناً مثقلاً بالشموع، يهتك حجاب الظلمة من حوله، فيما يبقى محجوباً بعماء البريق والوهج!
الانجذاب للكتاب الشهير، ذائع الصيت، والمثير للزوابع، فيروس اجتماعي مقيت يقف خلف معظم ما قرأناه، وأثمن نصيحة –أحاول التزامها- وأقدمها للقارئ، هي أن يشهر أظافر الشك والظنون إزاء الكتب المدججة بأرتال الجوائز التي فازت بها وعبارات «الأكثر مبيعاً، والأوسع انتشاراً، وأثارت جدلاً كبيراً», وأن ينبش بين أكداس الكتب عن المغمور والأعزل والبكر والعانس. إن الرواية وديوان الشعر واللوحة تحتضر عقب فوزها بجائزة رفيعة المستوى، تاركة رنين أسماء أصحابها الأجوف والفارغ، والفائزون هم متقاعدون يلعبون النرد ويدخنون، مكتفين بمكافأة نهاية الخدمة، إذ من النادر أن ينتج الكاتب عملاً ذا قيمة عقب تخمة الفوز! ألا ترون أن مخترع الديناميت النمساوي «الفريد نوبل», لم يفعل أكثر من التكفير عن القتل بالقتل ؟! حين أوصى بجائزته الشهيرة.. الجائزة التي يقتصر منحها على الأحياء دون الموتى، ملقياً بظلال الشك على نوايا الرجل!
للأسباب الآنفة أحاول قراءة رواية القاص والصحفي اليمني علي المقري «رائحة سوداء طعم أسود»، قبل أن تختطفها جائزة «البوكر العالمي» ضمن «16» رواية عربية وعالمية تراوح على عتبات الترشيح.
Salah_Aldkak@yahoo.com