في الحلقة الماضية رصدت «عكاظ» أحوال سكان قرية الهرارة ومعاناتهم من عدم توفر بعض الخدمات الضرورية كالمياه والكهرباء والصحة، واليوم نتابع صوب المحافظة التي تكتنز فى أرضها أكبر مناجم الذهب في العالم، والذي ينتج ما يزيد على 300 ألف أوقية من الذهب الخالص وما يقارب المليون أوقية من الفضة سنويا.. هنا وقبيل الوصول إلى مدخل المحافظة؛ تشاهد عشرات المساكن في منطقة تسمى بـ(المهد القديمة) وقد تحولت إلى بيوت خربة، وكانت قبل نحو ثمانين عاما تمثل مقر أول تجمع لسكان المحافظة.
وبغض النظرعن الذهب، شكلت هذه البيوت المهجورة، بيئة خصبة للأساطير، وأحالت السنين والظروف الاجتماعية والمكانية المهد القديمة إلى كتاب يحوي الكثير من الحكايات التي يتداولها أبناء المحافظة أبرزها نيران يوقد شعلتها مجهولون خلال الليل، فيما تحدث البعض عن أشباح وقصص جان، وغيرها من الخرافات.
سألنا عن أحد المباني المهجورة، يتكون من سور كبير من الحجر وبداخله عدة غرف، فتبين أنه كان مركز إمارة المحافظة قبل نحو أربعين عاما. وفي منزل آخر؛ كانت تتناثر في إحدى غرفه علب أدوية منتهية الصلاحية، وكتب قديمة بعضها يستحيل فتح صفحاته من آثار الغبار .. على بعد مسافة قصيرة، انتشر العديد من العمالة الآسيوية يقومون بجمع الحديد.. تركناهم إلى حيث بقايا المركز الصحي القديم في القرية بعد أن تحـــول مبناه المؤلف من غرفتين يحيط بهما بقايا سور مهدم إلى أنقاض..
وعن البيوت المهجورة والمباني القديمة يقول أحـــد سكان المكان -تحــــتفظ «عكاظ» باسمه-: سكان المهد دائماً ما يطــــالبون بإزالة هذه البيوت التي تقع في مثلث من الجبال الصغيرة بطول يقارب الاثنين كيلومتر وعرض لا يزيد على 800 متر ولكن لم يتحرك أحد، وغالبا ما تصطدم الجهود المبذولة لتجنب أخطارها، برغبة سكانها في تركها على حــالها في انتظار خطة تنمية تنتشل المهد القديمة من واقعها المنسي، ويتساءل كثيرون هنا: لماذا لا تتم إزالة تلك البيوت المهجورة حتى لا تتحول إلى أماكن مشــــبوهة وأوكار للجريمة ومأوى للفساد..
تجمعات الصنادق في الصحراء
بمحاذاة المهد القديمة، تقع محافظة المهد التي يقدر عدد سكانها بنحو 30 ألف نسمة، ويصل عدد سكان القرى والهجر التابعة للمحافظة التي يزيد عددها على 150 قرية وهجرة بنحو 50 خمسين ألفا.. وتشكل قبيلة مطير غالبية سكان محافظة المهد والقرى والهجر التابعة لها.. والمهد التي تعد في الوقت الحالي شبه مدينة متكاملة، تضم مستشفى ومدارس تعليمية ومراكز أمنية ومرافق حكومية أخرى، ولكن المحافظة الغنية بالذهب والمعادن الثمينة تعاني هي الأخرى من عدم توفر مياه الشرب. توقفنا عند أحد أكبر مساجد المحافظة لأداء صلاة الظهر.. وقد صدق ما قاله السكان فدورات المياه في المسجد الكبير تفتقد لمياه الوضوء.. باتجاه طريق مهد الذهب ـ المدينة المنورة القديم الذي يتصل بعدة قرى وصولا إلى طريق الهجرة ومنه إلى المدينة المنورة على بعد 260 كلم، شاهدنا عددا من التجمعات السكانية في محيط المحافظة والمنطقة الصحراوية الشاسعة التي تفصل بين المهد وطريق الهجرة، وأغلب سكانها يحتاج بالفعل إلى نظرة رعاية واهتمام.
حي الفيصلية
على بعد 15 كلم عن المهد باتجاه طريق الهجرة ـ المدينة ـ مكة، كانت هناك لوحة تشير إلى أحد التجمعات السكانية التي تتألف من ما يقارب العشرين منزلا كلها من الصنادق فى قلب الصحراء، وقد كتب على تلك اللوحة (حي الفيصلية).. الشارع المؤدي إلى هذا الحي ترابي بطول 2 كلم..
فى الطريق إلى الصنادق، وقف أمامنا مجموعة من الصبية شاخصين بأبصارهم، تشير ملابسهم البالية الى الاحتياج والعوز، سألنا أحدهم عن والده فقال «قريب.. تفضلوا».. جلسنا على بساط من قطع السجاد القديم.. انتظرنا قليلا فأحضروا القهوة.. وسألته مرة أخرى عن والده.. فأجاب «قبل سنتين.. ونحن ثمانية أشخاص.. أغلبنا صغار السن دون 12 عاماً.. لم أشأ استكمال الحديث فكل ما حولنا يعبر عن حالة الوضع الذي تعيشه الأسرة التى لا تملك وسيلة مواصلات، كما كانت الحظيرة الصغيرة بجوار منزلهم مشرعة الأبواب دون أثر لماشية..
مقبرة الصعبية
اتجهنا إلى قرية الصعبية التي تقطنها قبيلة المهالكة من مطير، وتبعد عن المهد نحو 40 كلم، دخلنا إلى القرية وكانت تبدو أفضل حالا.. مساكن متنوعة ما بين صنادق وبيوت شعبية.. على بعد نحو خمسة كلم عن الطريق الإسفلتي.. تحدثنا إلى أحد الاشخاص في القرية عن حالها وأبرز مشاكلها وهمومها، فأشار إلى أن القرية تفتقد لأدنى الخدمات الأساسية ولم يصلها سوى الكهرباء، ويعاني السكان من شح مصادر المياه، أسوة بباقي قرى المهد. وأضاف: ولدينا مقبرة تدخلها قطعان الإبل والحيوانات باستمرار وطالبنا البلدية بإعادة بناء سورها ولا جدوى فقد ظلت على هذا الحال منذ عدة سنوات..
حي الفيصلية ينتظر الخدمات
المهد القديمة.. أساطير وأشباح وبيوت مهجورة
11 نوفمبر 2008 - 19:41
|
آخر تحديث 11 نوفمبر 2008 - 19:41
المهد القديمة.. أساطير وأشباح وبيوت مهجورة
تابع قناة عكاظ على الواتساب
خالد الشلاحي ـ المدينة المنورةتصوير: عبدالمجيد الدويني