على الرغم من تميز (القحمة) بشاطئ خلاب يؤهلها لتكون مدينة سياحية من الطراز الأول، فإن شبكة المياه معطلة وخدمات الدفاع المدني مفقودة.ويعانى سكان القحمة - البالغ عددهم نحو 40 ألفا موزعين على ما يقارب 100 قرية وهجرة يعملون في صيد الأسماك والزراعة وتربية الماشية - من نقص الكثير من الخدمات مثل المدارس والكليات والهلال الأحمر. فضلا على توقف استكمال بعض المشاريع خاصة سفلتة وإنارة الشوارع. يطالب الأهالى الجهات المعنية بسرعة التدخل لتحقيق التنمية الشاملة فى هذه المنطقة التى من شأنها تحقيق عوائد مادية كبيرة إذا أحسن استثمارها. تقع القحمة على الطريق الساحلي المؤدي إلى مكة المكرمة وفي الجزء الشمالي من عسير بمسافة 160 كيلومترا عن أبها، إلا أنها لم تجد النصيب الكافي من الخدمات مقارنة بتاريخها، حيث ما زالت الشواهد التاريخية تجسد مكانتها بوجود المباني الأثرية التي كانت مقرا لإدارة الميناء والجمارك والجوازات، ما جعلها في سنوات سابقة مركزا تجاريا مهما لتسويق السلع وتبادل التجارة، بالإضافة إلى كونها ممرا للحجاج القادمين من اليمن ودول جنوب قارة آسيا عن طريق البحر. وفي وسط القحمة، وتحديدا الجهة الغربية والقريبة من الشاطئ، تمتد مجموعة من المباني الأثرية التي ما زالت تحتفظ بذاكرة المكان، وإن اختلف الزمان الذي أصبحت فيه هذه المساكن لا تحظى بأي اهتمام للمحافظة عليها أو تحديثها فتحول موقعها المميز إلى ممر للعابرين وذكرى للمسنين فى الشارع الذي يجمع تلك المباني والسوق القديم.
شبكة من دون مياه
ورغم وجود شبكة مياه متكاملة تم إنجازها منذ عدة سنوات، إلا أن الوايتات وبعض الآبار هي المصدر الوحيد للأهالي، حسب ما ذكره نائب شيخ القحمة محمد شوهان منيع، الذي بادرنا بقوله: إن ضخ المياه توقف بعد تجربة الشبكة لوجود خلل في بعض نقاطها ولم يتم إصلاحه بعد، مشيرا إلى أن الجهات المعنية لم تحرك ساكنا لمعالجته منذ ما يزيد على أربع سنوات. ولفت إلى أن الأهالي يعتمدون على الوايتات لجلب المياه التي تكلف 70 ريالا للتحلية و45 إلى 50 لمياه الآبار.
ويصف أبو عمر معاناته مع المياه، فيقول: أذهب إلى مدينة الشقيق على مسافة أكثر من 35 كيلومترا للحصول على وايت مياه بأسعار مرتفعة، مشيرا إلى أن سعر الطن الواحد يتجاوز 20 ريالا، أضف إلى ذلك زيادة معاناتنا أيام المواسم وفي الصيف وشهر رمضان عندما يرفض بعض أصحاب الوايتات خدمتنا بسبب بعد المسافة وحرارة الجو. وقال إن الأهالي سمعوا كثيرا عن الحلول والخدمات التى سيحظى بها المركز، لكنها حتى الآن لا تزال مجرد حبر على ورق.
ويشكو نائب مركز القمحة ابن شوهان من أن المنطقة تفتقد لأبسط الخدمات الرئيسة، فبينما يصل سكانها إلى 40 ألف نسمة فإنه لا يوجد بها قطاع للدفاع المدني، لافتا إلى أن الحرائق التهمت الممتلكات وإن أقرب موقع بمركز حريضة الذي يبعد عن القحمة نحو 40 كيلومترا. وأضاف أن القحمة وبحكم موقعها على الخط الساحلي فإنها أيضا تعاني من نقص خدمات الهلال الأحمر.
وطالب ابن شوهان بالتوسع في توفير المدارس، لافتا إلى وجود مبنى واحد لمدرسة ابتدائية وتحفيظ معا به ما يقارب 500 طالبة. وبين أن أهالي قرية العيرج يطالبون بإقامة مدرسة ابتدائية للبنات منذ خمس سنوات. ودعا الجهات المعنية إلى إنشاء كليات ومعاهد لخريجي المرحلة الثانوية بعد تنامي أعداد الطلاب بالقحمة وقراها، مشيرا إلى أن هناك بعض الطلاب والطالبات توقفوا عن استكمال الدراسة بعد مرحلة الثانوية لعدم قدرة أسرهم على تغطية مصاريف النقل إلى المناطق التي تتوفر بها الكليات والمعاهد.
الشراكة وعودة الصيادين
في الوقت الذي تضرر فيه الصيادون من دخول الشركات ذات الإمكانات الكبيرة في المهنة وعزوف بعضهم، فإن مشروع الشراكة الاجتماعية أعاد الكثير منهم، بل إنه استقطب بعض الشباب بتوفيره 65 قاربا بعد أن روعي في المرفأ الذي أنشأته وزارة الشؤون الاجتماعية موقعه المميز للصيد والبيع بوجود رصيف يمتد داخل البحر على شكل لسانين ينتهي كل لسان برصيف مغلق ما سهل حركة الصيادين.
محمد الفلقي أحد الصيادين، قال: إن المهنة كانت مقتصرة على الآباء الذين أصبحوا يتناقصون خلال الفترة السابقة، أما الآن فقد تغير الوضع وأصبحت المهنة تستقطب الصغير قبل الكبير. وأضاف: وكم من شاب لم يجد ما يمتهنه سوى الصيد وكم من مسن ترك المهنة وعاد إليها بسبب تطور الإمكانات إلى جانب زيادة الدخول. ولفت إلى أن شاطئ القحمة مهيأ للاستثمار السياحي والتجاري، معربا عن أمله أن تقف هيئة السياحة على المنطقة لمعرفة المقومات التي تمتلكها وتحويلها إلى أحد أجمل المواقع السياحية.
ولا شك أن تبعية القحمة لمنطقة جازان سابقا ولعسير حاليا أفقدها الاستفادة من خدمات صندوق التنمية العقاري، فعندما رغب الأهالي كغيرهم من المواطنين فى الاستعانة بقروض الصندوق لم يكن أمامهم سوى الرجوع إلى فرع عسير الذى قام بتحويل أصحاب الطلبات إلى أحد البنوك بمحافظة محايل عسير ليوضعوا في قوائم الانتظار. وحسب ما ذكره ابن شوهان فإن الأهالي لم يستفيدوا من قروض الصندوق منذ تاريخ إنشائه، مشيرا الى أنه جرت مخاطبة الجهات المعنية بتخصيص بند بصفة مستقلة لأهالي القحمة عن محافظة محايل عسير. واعتبر أن التخصيص سيكون له الأثر الكبير في تطوير المنطقة عمرانيا والقضاء على أزمة السكن التي يعاني منها المواطنون.
أمطار وسيول
لعل موسم الأمطار ووقوع البلدة في مواجهة السيول هو أكثر ما يقلق الأهالي خلال العام، لا سيما هدم بعض المنازل ومحاصرتها في موسم الربيع/ مما يربك الحركة العامة ويعطل الطلاب عن مدارسهم، لكن سوء عمليات الردم أثناء هطول الأمطار يزيد من معاناة الأهالي، وفق ما يراه أحمد العقيلي الذى يرجع أحد أسباب وقوع كوارث أثناء الموسم إلى عدم وجود مجمع قروي بالقحمة.
واستغرب توقف العمل فى العديد من المشروعات مثل السفلتة وأعمال الصيانة والإنارة والتشجير، مؤكدا أن القحمة متنفس شتوي لما تملكه من مقومات طبيعية من أهمها البحر وروعة الجزر الممتدة ومنها جزيرة كدميل التي تبلغ مساحتها 5 كيلومترات وجزيرة سمر ومساحتها 6 كيلومترات بالإضافة إلى جزر السحل وأم قشع وأم عقام.
وما يثلج الصدر، حسب العقيلي، أن الجهات الرسمية بدأت في الالتفات إلى القحمة كواجهة سياحية والعمل على إنشاء المواقع الجاذبة للزوار وهذا ما لمسناه وسمعناه في توجيه سمو أمير المنطقة باحتضان القحمة لمهرجان عسير البحري، ولا شك أن هذا الاهتمام سوف يساهم كثيرا في تكريس اهتمام المسؤولين في القطاعات المختلفة وبما يخدم الأهالي.ووصف حسين بن منيع الخدمات بأنها متدنية في حاضرة القحمة، فالطرق وعرة ولا توجد تغطية لشبكة الهاتف النقال في بعض المواقع بالطريق. وقال إنه انتظر نحو خمس ساعات فى أحد الطرق بعدما تعطلت سيارته، متسائلا كيف سيكون الحال فيما لو تعطلت سيارة أحد سكان تلك القرى أثناء نقل مريض او حامل؟.
أما العم علي بن يحيى، فلفت إلى وجود مركز للشرطة بالقحمة يقوم بدوره بشكل جيد، إلا انه أعرب عن أمله فى توفر المزيد من الآليات، خاصة أن هناك العديد من المساكن المهجورة التى تشكل مخاوف ومصدر قلق للأهالي، محذرا من أنها قد تكون ملجأ أو مأوى للمخالفين لأنظمة الإقامة.