محمد الحميدي
محمد الحميدي
-A +A
محمد الحميدي
‏ القهوة العربية أم القهوة السعودية؟ رمزية القهوة عبر تاريخنا الثقافي مثيرةٌ نوعاً ما، إذ بُدئ بتحريمها ظنّاً بأنها «تُقهِي العقل»؛ أي تُذهبه، فمنه اُشتق اسمها، وبعد ذلك تم رفع التحريم، بعد التأكد من كونها مشروباً منبهاً لا أكثر، فما بين تاريخها وواقعنا الاجتماعي اتصال وثيق؛ حيث تعدُّ أحد أشكال المظاهر الدالة على خصوصية المجتمع.

‏ يتضح عبرها اختلاف المجتمع السعودي عن المجتمعات الأخرى، سواء الآسيوية كسوريا، أو الأفريقية كإثيوبيا، أو الأوروبية كفرنسا، أو الأمريكية كالبرازيل؛ إذ لكل بلد طابع مختلف وخاص به في تعامله مع القهوة، التي تضخم استعمالها متجاوزاً حدود البلدان المُنتجة، لتصبح أحد المشروبات المشتركة عالمياً.


‏ قرار استبدال اسم القهوة من «العربية» إلى «السعودية»، وتعميم استخدام المصطلح الجديد؛ أخذ في اعتباره النظر إلى عالمية المشروب، وأنه بات مشتركاً بين البلدان، حيث نشأت الحاجة إلى التميُّز والفرادة، لهذا جاءت القهوة؛ ليس عبر تسميتها وتاريخها العربي المشترك، وإنما برمزيتها ودلالتها على خصوصية الذات السعودية، فهذا هو الأهم خلال المرحلة الراهنة، التي تشهد تغيرات كبيرة على مستوى الوطن، إذ هنالك سعي حثيث؛ لتحقيق استقلال الهويَّة الوطنية، عن الهويات الممتزجة والمتداخلة معها.

مشكلة تداخل الهويات وامتزاجها، ليست وليدة اللحظة الراهنة، فلها جذورها القديمة، المتصلة بطبيعة المجتمعات من ناحية، وبمجاورتها لمجتمعات أخرى جغرافيا، من ناحية أخرى، وهو ما يعني تأثيرات متبادلة بينها، فكيف يتم تحقيق استقلال الهوية، في ظل مثل هذه التأثيرات؟

عبر أمور عدَّة: أحدها إعادة تسمية الأشياء؛ للدلالة على خصوصية انتمائها وارتباطها بالمكان، وهو ما تم عبر إعادة تسمية القهوة بـ«السعودية»، وثانيها عبر إعادة إنتاج الذهنية الفردية والمجتمعية بربطها بحدث تاريخي مختلف عن السائد؛ مثلما حصل مع حدث التأسيس.

‏يوم التأسيس وإعادة تسمية القهوة هما أمران يدوران ضمن الأبعاد الزمانية، التي بطبيعتها مؤثرة على الأذهان، فانتقال التسمية من العربية إلى السعودية؛ يعني «إشعار الفرد السعودي بشخصيته المميزة والمختلفة»، وهو الهدف نفسه الذي يسعى إليه يوم التأسيس، الذي «سيعيد تشكيل الذهنية الفردية لتتوافق مع التغيرات المستقبلية»، فالتغيير في الماضي؛ يؤدي إلى التغيير في المستقبل، واستبدال حدث بآخر؛ يقود إلى إعادة ترتيب وتنظيم التاريخ، حيث التاريخ لا يعمل إلا ضمن الأبعاد الزمانية، المؤثرة على الأذهان.

تتشابك الدلالات الثقافية بين تسمية القهوة ويوم التأسيس، إذ الهدف إعادة رسم الخارطة الذهنية للفرد، وتأكيد خصوصية انتمائه إلى المكان «السعودية»؛ لإشعاره بالاعتزاز لهذه القيمة التي ينتمي إليها.

تشكيل الذهنية الفردية والمجتمعية، وربطها بالتطورات الزمنية، ليست فعلاً عبثياً، أو سهل الوصول إليه، إذ تشتمل على صعوبات جمَّة؛ أبرزها استقبال هذا التغيير، فمن الصعوبة اعتمادُ مصطلح جديد؛ ليكون بديلاً عن مصطلح قديم، أو اعتمادُ تاريخ غير معتاد؛ ليكون يوم احتفال، فما يتم العمل عليه هنا؛ إنما هو زراعة واستنبات موضع داخل الذاكرة المتسائلة، والباحثة وراء أسباب التغيُّرات، التي آمل أن أكون أجبت على بعضها.