عبدالله الكعيد
عبدالله الكعيد
-A +A
عبدالله إبراهيم الكعيد
ليس هذا فقط بل يذمونه في الظاهر ويتملقون له في الخفاء. يا لهذا الإعلام الخطير كم أنت مطلوب في كل وقت ومذموم في نفس الوقت.

لن أدّعي بأنني قادر في هذه المساحة الصغيرة بكلماتها المحدودة أن أتحدث بشكل مفصّل عن دور الإعلام في توجيه الرأي العام أو صناعته ولا في السعي للارتقاء بوعي الشعوب أو تشريح الظواهر ولا حتى في قدرته على نقل المعلومات والإخبار التي يتلهف الناس على معرفة ما يحدث ويدور في عالمنا فاتحة كل صباح.


سأكتفي بإيراد عدّة أمثلة من واقعنا توضّح العقوق تجاه هذا العنصر الهام الذي يتصدر مصفوفة العناصر المكوّنة لسيادة الدول، لم لا الا تُعتبر وزارة الإعلام في بعض الدول ضمن الأجهزة الرسمية التي تُسمى وزارات سيادية بجانب وزارة الخارجية والداخلية والدفاع؟ ألم يصف أهميتها العارف بتأثيرها بالقوة الناعمة حيث تحرص الكثير من الحكومات على أن تكون من القوى الضاربة لديها سواء كان بهدف الدفاع أو الهجوم.

في الحقل الرياضي على سبيل المثال نسأل كيف عرف الناس في أصقاع المعمورة عن فريق برشلونة لكرة القدم وتابعوه ثم عشقوه وكذا الحال مع ريال مدريد أو انتر ميلان أو مانشستر يونايتد وغيرها من الفرق العالمية؟ أليس الإعلام بكافة أقنيته هو الذي عرّف بهم وأوصلهم؟

مثل آخر كيف سمع الناس في جنوب الكرة الأرضية أو شرقها عن مُغنِ من شمالها أو نوع مُحدد من الموسيقى لم يألفوه في ثقافتهم ومورثهم مثل الجاز أو البوب أو التانجو أليس هو ذات الإعلام الذي أوصلها لهم؟

في الجوائح والكوارث والحروب أليست وسائل الإعلام والاتصال هي أول من يحضر وآخر من يغادر، إذ تعود الحياة إلى طبيعتها، بينما تلك الوسائل لا تكلّ في نشر وبث مخلفات تلك الأحداث، وفي بعض الأحيان التنقيب في ركامها بهدف البحث عن حقيقة مدفونة لم يعرفها الناس بعد؟ ألم تخفق الكثير من الأجهزة والمنظمات في التعاطي والتصدي لجائحة كورونا المستجد (فايروس كوفيد19) تلك الجائحة التي اجتاحت كل شبر على هذا الكوكب لدرجة انهيار منظومة الخدمات الطبية في كثير من دول ما يُسمى بالعالم الأول وعدم قدرتها على حماية شعوبها من الوقوع في براثن ذلك الفايروس الشرس، بينما نجح الإعلام في إيصال صوت المنظمات الصحية للناس كل الناس ونشر تعليماتها المتجددة حتى هذه اللحظة؟

في الأحداث العالمية المهمة التي وقعت على هذا الكوكب لولا وسائل الإعلام التي نقلتها على الهواء لحظة وقوعها هل كان للناس من وسيلة لمعرفتها ومتابعة نتائجها؟ خذوا على سبيل المثال الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية التي جرت بتاريخ 3 نوفمبر 2020 وما حدث فيها من لغط كبير قبل إعلان النتائج ألم يسمع بها القاصي والداني بفضل النقل اللحظي الذي أبدعت فيه أقنية ووسائل الإعلام العالمية وكذا محطات التلفزة في كل دولة من دول العالم؟

الغريب أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب اثناء ولايته التي امتدت لأربع سنوات قد ناصب الكثير من الإعلاميين العداء ليس هذا فحسب، بل وأمر بمقاطعة محطات تلفزيونية شهيرة رغم أنها هي من ساعد في دخوله للبيت الأبيض أثناء حملاته الانتخابية ضد منافسته الشرسة هيلاري كلينتون.

الآن وبعد كل هذا يأتي من يقول «هل لدينا إعلام أصلاً»؟

يقولها العارف والجاهل، الساخط والراضي، يقولونها هكذا جزافاً دون معرفة بأبسط قواعد ونظريات الإعلام الذي ينفون وجوده ولا أدري أي اعلام يعنون أو يريدون؟

أهو إعلام السخط العام من كل شيء حتى الأمور الإيجابية؟

أم هو إعلام التطبيل والتهويل والإثارة؟

أو إعلام الكذب والتضليل؟

ثم هناك وسائل متعددة للإعلام والاتصال: إذاعة، سينما، تلفزيون، صحافة، وكالات أنباء، مواقع إليكترونية، إلخ. فأي من هذه الوسائل يعنون؟

لديّ يقين بأن من يُردد تلك المقولات لا يملك أجوبة لتلك الأسئلة، بل ربما لم يُفكّر فيها من الأساس، ومع قولهم هذا تُراهم يتسابقون في التصريح بآرائهم التي تنقلها تلك الوسائل التي ينفون وجودها بل تأثيرها!

أعتقد بأن من يقول ما عندنا إعلام فهو قطعاً يتحدث عن رؤيته الشخصية الضيقة وهو حرّ في قولها لكنها لا تنقل واقعاً ملموساً ونظرة أشمل وأوسع.

نفي وجود الإعلام وتأثيره على المجتمعات وإنكار الصور الإيجابية لدوره الرئيس في تشكيل وصياغة الرأي العام سواء محلياً أو دولياً يقوله أما عاجز عن القدرة على خوض غمار هذه الوسائل المؤثرة ويرنو إلى إعلام غوغاء (تويتر) وأساليب الإثارة فيه حتى ولو ضُرب بالمصداقية عرض الحائط أو جاهل بكينونة الإعلام بأقنيته وأنها وُجدت لتبقى أو ثالث تنطبق عليه مقولة «مع الخيل يا شقرا» وفي رواية أُخرى «يا شقره».