-A +A
أريج الجهني
«إن البشر يحلمون بالعودة أكثر مما يحلمون بالرحيل» هكذا يقول باولو كويلو، هل عادت الحياة كما كانت؟ هل ستعود؟ وهل سنعود حينما نعود؟ أجد أن عبارة الكاتب الألماني برتولت بريشت «ليس من رحلة أشق من العودة إلى العقل» تصف تماماً ما يحدث في أذهان الناس الآن، لو تأملت في وجوه من حولك بمختلف أعمارهم ستجد مسحة من الدهشة من بقائهم أحياء وربما يعلوهم إصفرار من الخوف وشحوب، تجد البعض الآخر يتظاهر بالقوة واللامبالاة والبعض الآخر يمارس تفاصيل يومه ويخفض رأسه تجاه هاتفه لعله يجد ما يرفع همته.

عالمياً تسود حالة من الغضب، كورونا والعدالة الاجتماعية هي العنوان الرئيسي الذي اعتلى صحف الإنجليز اليومين الماضيين، بل طالب الكتاب في الغارديان وغيرها بضرورة تحميل الأثرياء جزءاً من المسؤولية الاجتماعية خاصة من تضاعفت ثرواتهم في الجائحة، تخبرني صديقتي في غلدفورد (جنوب لندن) أن الأوضاع مخيفة هناك وتقول: لماذا أرى نوعاً من اللامبالاة لديكم وعودة للحفلات والمناسبات وكأن شيئا لم يكن؟ تأملت في ملاحظتها عن بعد، ووجدت أننا بالفعل نعيش بهذا الوصف، خاصة في الأسواق والتجمعات، بل حتى المصافحة والسلوكيات الاجتماعية وصفتها ضاحكة أن ما تراه لدينا يجسد «التقارب الاجتماعي» وهو النقيض لمفهوم «التباعد الاجتماعي».


مهم أن تستمع لآراء الأشخاص خارج نطاقك الجغرافي، وأن تهتم أيضاً لمن يعيش في نطاق ثقافي واقتصادي مختلف لتستوعب ما الذي يحدث؟ وهل بالفعل (لا عودة) حقيقية للحياة التي اعتادها الناس، لعل التهيئة مهمة هنا، ولعل إعادة هيكلة مفاهيم التباعد الاجتماعي وترسيتها أمور تحتاج إلى نقاش مفتوح، حيث فقد بعض الناس وظائفهم، شخصياً أعرف ثلاث سيدات فصلن من أعمالهن في ظل هذه الأزمة، وبعض رواد الأعمال انهارت أعمالهم!

توجد قوة اقتصادية على مستوى الدولة، ولكني أناقش هنا قضايا الأفراد، وكيف يجب أن تتفقد وزارة الموارد البشرية أحوال العاطلين؟ الحقيقة أنني أشك في أن الوزارة تحل مشاكلهم هذا إن لم تكن جزءاً منها.

سأقترح حلين بكل حال؛ الأول أن يتم جرد كافة أنواع الضرر الاقتصادي والنفسي والاجتماعي ورفعه بتقرير عاجل لصناع القرار وإعلانه ودعوة الصحفيين لسماع التقارير ومعرفة الخطة العلاجية، الثاني الاكتفاء برفع الدعم للتوظيف ومعالجة مشكلاته بمنظار اجتماعي وعدم الاكتفاء بالنظر للمتقدم (كملف) لكن الحرص على مقابلة هؤلاء العاطلات والعاطلين وطمأنتهم ومنحهم معونة مؤقتة.

أخيراً، لا شيء يعود كما كان، لا شيء لا شعور ولا طاقة، ترفقوا بمن حولكم احملوا الناس على المحامل الطيبة خذوا صفاتهم الحميدة وغضوا الطرف عن عيوبهم، تقاربوا بقلوبكم وتباعدوا بأجسادكم العالم من حولنا يئن ويشتكي، تقدير نعم الله علينا تكون بالمحافظة عليها، قد لا تدرك حجم النعم التي أنت غارق بها حتى تخسرها، لا بأس بأن تشعر بالضيق والانزعاج لا بأس أن تفقد صبرك للحظة أنت بشر لم يودع الله سبحانه فيك هذه النزعات إلا لحاجتك لها، فهي تبقيك على قيد الحياة حتى وإن كنت لا تشعر أنك كذلك.

كاتبة سعودية

areejaljahani@gmail.com