-A +A
طلال صالح بنان
بعد ظهيرة الغد يكون هناك رئيسٌ جديدٌ للولايات المتحدة. قبل ذلك يكون الرئيس دونالد ترمب قد غادر البيت الأبيض، دون أن يحضر مراسيمَ تنصيبِ سلفه.

لم يحدث في تاريخ الولايات المتحدة أن عُزل رئيسٌ مرتين، مثل الرئيس دونالد ترمب. بالمثل: فإن تنصيبَ رئيسٍ جديدٍ للولايات المتحدة، في ظلِ حمايةٍ أمنيةٍ مشددة، هو في حد ذاته، سابقةْ تاريخيةٌ أخرى.


لقد تحولت العاصمةُ الأمريكية، يومَ تنصيبِ الرئيس الجديد إلى قلعةٍ عسكريةٍ يحتلها أكثرُ من خمسة وعشرين ألفاً من قوات الجيش والحرس الوطني، وكأنها منطقة خضراء، لا تختلف كثيراً عن بغداد وكابل!

هذه الإجراءات الأمنية المشددة، غير المسبوقة، من أجلِ تفادي تكرار أعمال العنف التي حدثت يوم السادس من الشهر الجاري، عندما اجتاحت جماعات متطرفة مبنى الكابيتول، ونتج عن تلك مقتل خمسة أشخاص، منهم ضابط شرطة. كاد أن يكون الضحايا أكثر من ذلك لو تمكن المتمردون من أيٍ من النوابِ والشيوخِ بالداخل، الذين كانوا مجتمعين برئاسة نائب الرئيس مايك بنس، للمصادقة على نتيجة الانتخابات الرئاسية، التي جرت في الثالث من نوفمبر الماضي.

لم يكن الرئيس ترمب ببعيدٍ عن أعمال العنف تلك، مشاركاً ومحرضاً ومباركاً. لقد خطب في جموع المتمردين، يحضهم لوقف ما زعمه: سرقة الانتخابات، بإيقاف إجراءات مصادقة الكونجرس على نتيجتها، مبدياً تعهده أن يكون معهم، فهو، كما قال لاحقاً: يحبهم لأنهم متميزون!

سلوكٌ فهمه الكثيرون على أنه تحريضيٌ على السلطةِ الأكثرِ رفعة في واشنطن، من الشخصية الأعلى رفعةً وشأناً في البلاد! هذا ما دفع مجلس النواب في خلال أسبوعٍ، للإقدام على عزل الرئيس ترمب، بتحريرِ مذكرة اتهامٍ ضده بالتحريض على العنف.. والنيلِ من مكانةِ وهيبةِ أعلى سلطةٍ تشريعيةٍ للبلاد، معرضاً حياةَ النوابِ والشيوخِ والعاملين في الكابيتول للخطر.

لم يكن هناك متسعٌ من الوقتِ لمحاكمةِ الرئيس ترمب بهذه التهم من قبلِ مجلس الشيوخ، وما بقي سوى أيام على انتهاء فترة ولايته. كما أن بدايةَ حكم الرئيس الجديد، تُعطى الأولوية للمصادقة على تعيينات رموزِ إلإدارة الجديدة.. والتعامل مع جائحة كورونا، وانعاش الاقتصاد. بعد ذلك قد يتفرغ مجلس الشيوخ لمحاكمة الرئيس ترمب. وإن يرى البعضُ أنه لا جدوى من محاكمة الرئيس ترمب دستورياً، بعد أن خرج من البيت الأبيض. بينما يرى آخرون: أن الدستور لا يمنع محاكمة الرئيس السابق، فلا أحد في البلادِ فوقَ القانون.

فقط في الولايات المتحدة يحدث أن هناك رئيساً معزولاً يبقى في السلطة لآخر لحظةٍ من فترةِ حكمه الدستورية، بينما سلفهُ يحلفُ اليمين الدستورية ليبدأ، بدورهِ، فترة حكم جديدة. في الولايات المتحدة يصعب تصور فراغٍ في السلطة، ولو للحظةٍ واحدة، حتى في أحلك فتراتِ التوترِ شدةً.

كاتب سعودي

talalbannan@icloud.com