-A +A
علي الرباعي (الباحة) okaz_online@
مثلما تأتلف قلوب البشر، تتلاقى أرواح المجموعات الإنسانية، وكما يستشعر مواطن حميمية شقيقه المواطن في بلد عربي أو خليجي، تستشعر الشعوب أرومتها، وتقتفي أثر قادتها في سمو العلاقات ونمذجة التكامل والتفاعل، فكأنما هم صورة لقول الشاعر:

أنا من أهوى ومن أهوى أنا *** نحن روحان حللنا بدنا


نحن مُذ كنا على عهد الوفا *** تُضرب الأمثالُ للناس بِنا

أيها السائل عن قصتنا *** لو ترانا لم تفرّق بيننا

وتعد العلاقات السعودية الإماراتية مضرب مثل في الصفاء، والوفاء، والنجدة، والفزعة، والعزوة الضاربة جذورها في أعماق التاريخ، والموثقة عراها بأطناب الجغرافيا. وتتقاطع ملامح ومشاعر السعوديين والإماراتيين على مستوى الزعامات الحاكمة، والنخب المثقفة، والشعوب، فالشخصيات القيادية وزعامات الدولتين عُرفت عبر سيرتها المشرفة بقرضها الشعر الذي هو مفخرة العرب، وإعلاء شأن مكارم الأخلاق، والسبق في ميدان الخيل، وإكرام وفادة الضيف، وضمان أمن المستجير، ويؤثرون بيوت الشعر والخيام، ويعشقون العيش في الهواء الطلق، ويتقنون الرمي والقنص، واقتناء الصقور، علماً بأن هذه المآثر العربية الأصيلة لم تحُل دون تبنيهم الحداثة والتقنية، وبرامج وكالات الفضاء، وإقامة المدن الذكية.

وتستعيد المملكة قيادة وحكومة وشعباً الذكرى الـ49 لقيام اتحاد دولة الإمارات في الثاني من ديسمبر 2020، تحت شعار (روح الاتحاد) المستوحى من اللقاء التاريخي للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مع حكام الإمارات، للإعلان عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر 1971.

وبقدر التحديات التي مرت بها المملكة، والإمارات، تعززت العلاقات وتوثقت الأواصر، واتحدت الأهداف الخيرة في مسارها الإنساني، فاستعاد المشهد الخليجي حيويته وحضوره الكفء، عبر التنسيق بين الوطنين المتطلعين للتكامل بإمكانات كبرى على جميع الأصعدة والمستويات.

ومنذ ستينات القرن الماضي، واللحمة الأخوية بين البلدين تبرز التناغم والتفاعل والتكامل، بدءا من التنسيق لدعم جمهورية مصر العربية في حرب 1973، وحرب تحرير الكويت 1991، والموقف المشترك من أحداث 2011 في بعض الدول العربية، والتحالف لدعم الشرعية في اليمن الشقيق، وتوجت العلاقات بإعلان مجلس التنسيق السعودي/‏‏الإماراتي رعاية للمصالح المشتركة، الذي عقد اجتماعه الأول في 7 يونيو 2018 برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان في جدة. وعُقد الاجتماع الثاني للجنة التنفيذية في أبوظبي في 17 يناير 2019 لمتابعة تنفيذ المشاريع الإستراتيجية المشتركة. وفاقت الاستثمارات السعودية في دولة الإمارات 35 مليار درهم، كما زادت المشاريع الإماراتية في السعودية على 114 مشروعا، مقابل 206 من المشاريع السعودية في دولة الإمارات. وتعمل في دولة الإمارات قرابة 23 ألف شركة سعودية، و66 وكالة تجارية، فيما تحتضن المملكة شركات ووكالات ومشاريع إماراتية مشابهة.

وتصدت المملكة والإمارات لخطر التنظيمات الإرهابية، واستعادة الدين من مختطفيه، بشرح التصورات وتحديد المنطلقات الأخلاقية، وصون سماحة الإسلام عن تطاول العابثين به والمستغلين له، وحماية الكيانات الوطنية، ومؤسساتها، وضمان استقلال القرار الوطني عن توجيهات الأيادي الخارجية وتعزيز هويَّة المواطن، وتأمين مستقبل الأجيال القادمة في المنافسة، عبر ترسيخ منظومة القيم الأخلاقية والثوابت الإسلامية والأصالة العربية، مع الانفتاح على العصرنة الداعية إلى التسامح، دون تأثير على الركائز الأساسية والاجتماعية، وكأنما تنتظم العلاقات في أيقونات العطاء والوفاء، تحت لواء يتمثل قول الشاعر:

إذا سيّدٌ مِنّا خلا قام سيّدٌ *** قؤول لما قال الكرام فعول

واعتمدت المملكة والإمارات توازنا دقيقا بين «الأصالة» و«المعاصرة» بالمحافظة على هويتهما العربية والاسلامية، وتمتين أصالتها، وضبط خطوها على إيقاع العصر، لئلا تحرم الشعوب من منتجات الحداثة، فالاهتمام بالتراث جزء من هوية ثقافية، واعتماد أحدث التيارات والاتجاهات والابتعاث دليل عصرنة وتجديد.

السعودية والإمارات.. «عيدهما واحد»

أكد رئيس مركز أبوظبي للغة العربية الدكتور علي بن تميم، أن المملكة والإمارات «معا دائماً وأبداً» وأن «عيدهما واحد». وذهب إلى أن هذا لسان حال الأشقاء في السعودية في اليوم الوطني الإماراتي الذي يصادف الثاني من ديسمبر، كما هو حال الإماراتيين في اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية في 23 سبتمبر.

وقال: عشنا مشاعر الفخر والاعتزاز المشتركة لحظة بلحظة، وتبادلنا التهنئات والأمنيات ساعة بساعة، ما يبهجنا بأحاسيس اللحمة الوطنية التي تربط السعوديين بالإماراتيين، المعززة بالتاريخ والإرث الحضاري الجامع والمصير المشترك بين السعودية والإمارات على كافة المستويات والأصعدة، والمستنبتة من نبع المحبة الجياشة، إذ يشعر السعودي بأن اليوم الوطني للإمارات هو يومه وعيده، وكذلك يشعر الإماراتي بأن اليوم الوطني السعودي هو يومه وعيده.

وأضاف: لا أبالغ إن قلت إن التمازج بين اليومين صار حقيقة وواقعاً معاشاً يكاد لا يغادرنا، ولعل ذلك يعود إلى الشعور العام بأن التحديات واحدة، والصعاب ينبغي التصدي لها بالتنسيق والموقف الواحد الموحد.

وعد القيم قاسما مشتركا، بدءا من قيم الانتماء والولاء، والتسامح، والانفتاح، والأصالة، والحداثة، بكل ما تحمله من تنوع وتعدد فكري واجتماعي وثقافي، ومن تحولات تكنولوجية وتقنية، في ظل قيادة ورعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والشيخ خليفة بن زايد، وبمتابعة الجهود الخيرة الحثيثة للأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد.