-A +A
ناصر الحزيمي
قبل فترة من الزمن تعرفت على كتابات أ. د. حاكم بن عبيسان المطيري من خلال كتابه (الحرية أو الطوفان). وهو كتاب صدر عام 2003م تقريبا وبلغ عدد صفحاته ما يقرب من 350 صفحة تقريبا وقدمه الدكتور كفتح في الفكر الإسلامي! حتى رؤيت فيه منامات وأحلام، أقول بالرغم من هذا لم يتعامل معه متابعو شباب الصحوة بجدية تذكر؛ والسبب في ذلك هو كم المجازفات الفكرية والمعرفية التي ظهر بها الكتاب. ويكفي أن يقرأ المتابع كتابا أو كتابين للدكتور لكي ينتهي إلى نتيجة مؤداها أن هذا المؤلف تسير به الفكرة وتسيره نحو المجازفة في الانتصار لأفكاره حتى ولو كان ذلك على حساب الدليل. وهي كثيرة في مؤلفاته.

سأتناول هنا رسالة له صدرت حديثا في عام 1440 هجرية تحت عنوان (الأربعون المتواترة في فضائل إسطنبول الفاخرة) يقول الدكتور حاكم حول تأليفه لهذا الكتاب أو الجزء مضيفا على تأليفه مسحة من التأييد والتوفيق الإلهي فقال «... وقد شاء الله أن أصنف هذا الجزء قدرا ليلة 1 محرم سنة 1440 للهجرة بلا قصد في تحري هذا التاريخ؛ وهو أول يوم لي في تفرغي العلمي لمدة سنة في إسطنبول حرسها الله». وبما أن الدكتور في منطقة تصوف ورفع من شأن الأولياء فلا بأس أن يتماهى ولو تلميحا مع خطابهم! والنقطة التي أريد أن أصل لها هي كلامه حول المتواتر وادعاؤه أن ما ورد في إسطنبول من المتواتر يقول الدكتور: «... ولم أقف على من جمع ما ورد في فضائل إسطنبول (القسطنطينية) مع كثرة ما ورد فيها؛ فرأيت أن أجمع هذا الجزء الحديثي من أربعين حديثا في فضائلها بين صحيح وحسن وحسن لغيره؛ وهو حد التواتر الروائي عند عامة أهل الحديث بل الراجح عندهم أن ما رواه عشرة هو المتواتر، مع أن البشارة بفتح القسطنطينية وفضل فاتحها ومن شارك في فتحها من المتواتر القطعي من حيث العلم والمعرفة العامة بين الصحابة ومن بعدهم...». وأنا أستغرب هنا هل أنا أمام رجل يفقه حد المتواتر بحق. وهل ما ذكره هو التعريف الذي تلقيناه عن أئمة هذا الشأن، ولن أذهب بعيدا للبحث عن تعريف المتواتر بل سآتي بتعريف قد صاغه حاكم بنفسه، وملخص القول إن الدكتور له مجموعة من المنظومات قد نظمها شعرا جاءت مجموعة في كتاب (روائع المتون وبدائع الفنون) وهي مجموعة منظومات علمية في مصطلح الحديث والمواريث وأصول الفقه والنحو، وما يهمنا هنا منظومته التي اختصت بمصطلح الحديث والتي اسماها (العذب القراح في علم الاصطلاح). يقول الدكتور في منظومته معرفا المتواتر فقال:


وهو الذي روى جمع عن جمع

إن كان يقضي عادة بالمنع

وقوع سهو منهم وكذب

ولا لهم في ما رووا من إرب

وكان ذاك عن حس مباشر

فهذه الشروط للتواتر

هكذا عرف الدكتور الحديث المتواتر وهو تعريف متداول ومشهور بين المختصين بعلم مصطلح الحديث، ولكي نقربه نثرا فنقول المتواتر هو رواية الجمع عن الجمع تحيل العادة اتفاقهم وتواطؤهم على الكذب.

فالدكتور أطلق على أحاديث آحاد لم تبلغ مستوى الشهرة ناهيك متواترة لا على المجمل بل على الآحاد، والسبب في ذلك يعود إلى أن الدكتور أراد أن يجامل أردوغان بتذليل النص لصالح العثمنة والعزف على نغمة التوفيق الإلهي والمبشرات المنامية هذا ما يحدث الآن في تركيا أردوغان.

ولم يكتف الدكتور بتلفيق وترقيع المفاهيم وإنما لجأ إلى التقول، يقول في الأربعين المتواترة «لا يشترط في المتواتر الروائي عند أهل الحديث صحة الإسناد وإنما يشترط له كثرة العدد مع إفادة العلم؛ كما قال الحافظ ابن حجر (لأن الهيئة الاجتماعية لها أثر ألا ترى أن خبر المتواتر يفيد القطع مع أنا لو نظرنا إلى آحاده لم يفد ذلك، فإذا كان ما لا يفيد القطع مع أنا لو نظرنا إلى آحاده لم يفد ذلك، فإذا كان ما لا يفيد القطع بانفراده يفيده عند الانضمام فأولى أن يفيد الانضمام الانتقال من درجة الضعف إلى درجة القوة... فإن المتواتر لا يشترط في أخباره العدالة)». أولا: أن هذا الكلام ليس لابن حجر العسقلاني وإنما هو للزركشي. ثانيا: أن جميع ما نقله الدكتور ليست له علاقة بما قاله فكلام الزركشي خاص بالتواتر الاصطلاحي، فلا داعي لعسف النصوص لكي نقول إن هناك أربعين حديثا متواترة، وبما أن المتواتر لا يشترط صحة السند أو عدالة الرواة فلن نتطرق لذلك. ويبدو أن الدكتور عكس إجراء النتيجة متعمدا، فمن المعروف أن العلماء الذين حددوا عدد الرواة كانوا يحصرون عدد الصحابة بعشرة ويزداد عدد الرواة بعدهم وهو ما يسمى بالمشهور وفرقوا ما بين ما هو مشهور متناً وموافقة لما جاء في السنة من حيث المعنى وبين المتواتر. فالمتواتر حسب الاصطلاح يكاد يكون قليلا ونادرا.

أما الأحاديث التي حكم الدكتور على أنها متواترة فمجملها ظني الدلالة ظني الثبوت ولذلك مبحث آخر.

كاتب سعودي