‏أجيء لهذي البلادِ

‏مبعثرةً

‏فتُلملمُني

‏مهدمةً

‏فترمِّمُني

‏ومن نفحةِ الطيبِ فيها

‏أطيبُ

‏ويرتدُّ لي وهجي

‏فأُنيرْ

‏أجيء لهذي البلادِ

‏وقد أثقلتْ كاهلي الأرضُ

‏من فرطِ ما أمعنتْ

‏في اختباراتِ صبري

‏ولكنّني مثلما كنت دوماً

‏أُصرُّعلى السيرِ في الجمرِ

‏أنعِم به من مسير!

‏أجيء لهذي البلادِ

‏وقد أوثقَ الشعرُ روحي

‏وسدَّ المهاربَ

‏باللغوِ

‏والهرطقاتِ الغريبةِ

‏ثم أتى ليخيَّرَني!

‏فما اخترتُ إلا المُقامَ الأثيرَ

‏وما اخترتُ إلا مُقامَ الأسيرْ!

‏أعودُ لهذي البلادِ

‏كما يرجعُ الدمُ للقلبِ

‏حتى (يؤكسجَه)

‏فيدورْ!

‏هنا

‏أتسمَّعُ صوتَ القوافلِ

‏تُحدى

‏بتمرِ المعاني

‏إلى كلِّ شبرٍ من الأرضِ

‏خبزِ اليقينِ

‏وطيبِ (البخور)

‏هنا

‏أتشمم في كلَّ ركنٍ

‏عطورَ النبي

‏فأنسى العطورْ!

‏هنا

‏أتلمّسُ خطواتِهم

‏كيف مرّوا خِفافاً

‏وخطَّوا تواريخَهم

‏وانتصاراتِهم

‏وانكساراتِهم

‏أغنياتِ صباحاتِهم

‏أغاريدَ عشاقِهم

‏وقصائدَهم

‏قصةَ الشعر

‏معنى العبورْ

‏هنا تُولدُ الأبجديةُ

‏ضادُ الحروفِ

‏خطى الأنبياءِ

‏البداياتُ

‏نهرُ الكلامِ

‏الكناياتُ

‏بابُ السماءِ وجبريلَ

‏نونُ النبوةِ

‏فاءُ الفراداتِ

‏هذي هنا سرةُ الارضِ

‏تاريخُها

‏والقصائدُ تلبسُ من ذهبِ الزخرفاتِ

‏وتختالُ مزهوةً

‏وتسيرْ

‏أدقُّ على كلِّ بابٍ هنا

‏فينهمرُ اللحنُ بحراً جديداً من الشعر

‏تعدو به الذكرياتُ القديمةُ

‏ والريحُ تعزفُ

‏لحنَ امريء القيسِ

‏ طرفةَ

‏عنترةٍ وزهيرْ

‏أجي لهذي البلادِ

‏ وقد صرتُ أخرى

‏أنا لستُ تلك الصبيةُ

‏قد ساومتني الحياةُ

‏فساومتُها

‏ورغم التربُّصِ قاومتُها

‏وكنتُ كما ينبغي أن أكونَ

‏وإن ظلَّ في الصدرِ

‏قلبٌ كسيرْ

‏أجيء لهذي البلادِ

‏لأغسل روحي

‏من درنِ الخاذلينَ

‏ومن كذبِ الصادقينَ

‏ومن وجعِ الراحلينَ

‏ومن هرفِ المادحينَ

‏ومن شططِ القادحينَ

‏أُجمِّلهُا

‏بانغماسيَ في بركةِ النورِ

‏حدّ التماهي

‏ معَ كلَّ نورْ

‏أجيء لمملكةِ الخيرِ

‏كي أتزودَ بالدفءِ

‏في الزمنِ الزمهرير.