على مدار السنوات الماضية كانت المراكز الصيفية في المملكة محل نقاش ما يهدأ لفترة إلا ليعود مرة أخرى ، ما بين مؤيدين لوجودها ومعارضين يطالبون بإغلاقها، وذلك دون أن تكون هناك أصوات وسيطة تبين ما فيها من سلبيات وتثني على ايجابياتها. وبدأت الأضواء تسلط على المراكز الصيفية بعدما شهدته المملكة من احداث ارهابية حيث رأى البعض في أن هذه المراكز ساهمت بصورة غير مباشرة في نشوء هذا الفكر في حين ظهرت أصوات أخرى تندد بشدة بهذا الربط وتعتبره غير مؤسس وعشوائيا مؤكدين أن المراكز ظلت بعيدة عن أي فكر هادم وأنها استوعبت الشباب وأعطتهم الحماية من مضار (الشارع) و(التسكع) .. وبين الأصوات المعترضة والمؤيدة، أخذت المراكز زخمها الإعلامي الواسع الذي يتجدد مع مقدم كل صيف. الشيخ محمد الهبدان أكد في تصريحات لـ(الدين والحياة) أهمية المراكز الصيفية في عملية التنشئة بالنسبة للشباب ودورها في تزويدهم بالمهارات الحياتية المهمة كالتواصل الاجتماعي وإقامة علاقات مع الآخرين والاعتماد على الذات بجانب تقوية المهارات الأخرى التي يكتشفها الشاب في نفسه كالقيادة والقراءة والبحث والإلقاء بل إنه أشار إلى أن المراكز تقوم باكتشاف الشاب من جديد حيث تدخله في بيئة جديدة لم يكن معتادا عليها في بيته أو مدرسته وبالتالي فهي تتيح له الفرصة لكي يظهر بعض الجوانب غير المعروفة في شخصيته.
وندد الشيخ الهبدان في تصريحاته بالأصوات الداعية إلى إغلاق هذه المراكز أو تقييدها بحيث تكون مقتصرة على بعض الجوانب الهامشية التي لا تحرك شيئا في نفس الطالب، وقال ان المطالبين بإلغاء هذه المراكز يتصورون أنها تؤثر بصورة سلبية على الشباب وتجعله منزويا على ذاته ومنصرفا عن مجتمعه برغم أن العكس هو ما يحدث حيث يكون الشاب الذي خاض تجربة المراكز الصيفية أكثر قدرة على التجاوب مع مجتمعه وهمومه ويصير ملتحما معه بصورة اكبر وقال الهبدان إن البعض يعتقد أن التدين هو سلبية وان بعض الشباب الذي (يخرج متدينا) من هذه المراكز قد أصبح عبئا على المجتمع، وأكد الهبدان أن هؤلاء يسببون توترا في المجتمع بسبب هذه الآراء التي لا تتناسب مع مجتمع متدين كالسعودية وقال كيف ينظر إلى الشاب الذي تحول إلى التدين بأنه اتجه اتجاها غير مطلوب.
وأكد أن المنتسبين للمراكز الصيفية هم في عبادة طالما أنهم يعملون على ترقية أنفسهم وقدراتهم لكي تكون قدرتهم على المساهمة والتحصيل الدراسي اكبر.

محاضن آمنة
واعتبر الهبدان المراكز الصيفية بمثابة المحاضن الآمنة وتجمعا (يكشف وينمي) المواهب والقدرات التي تعود ليس على المملكة فقط وإنما على الأمة كلها بالخير والنفع، وقال انه يتمنى لو تعمم تجربة المراكز الصيفية على كل بلاد العالم الإسلامي وان تعتبر فترات الإجازة اوقاتا لصناعة (الرجال)، مشيرا إلى أهمية المناشط اللاصفية في دعم الشباب والجهود التي تبذلها المدارس في الجانب الأكاديمي، إذ تحول بعض الشباب بفضل المناهج اللاصفية من حياة اللهو إلى حياة الجد والاجتهاد.
وتحدث الشيخ محمد الهبدان المشرف على شبكة (نور الإسلام) عن الاتهامات التي تكال إلى المشرفين على المراكز الصيفية وأكد أنها مجرد ظنون وان المراكز الصيفية لا تعمل في الظلام وما تدرسه او تلقيه كله يكون تحت إشراف الجهات المسئولة ولذلك فليس هناك مجال لاتهامات ضد هؤلاء المشرفين. مؤكدا أنهم يجب أن يشكروا على جهودهم وتوفيرهم للبديل الآمن للشباب.
التجربة تحتاج للدراسة
ورأى أن تجربة المراكز في السعودية لم تنصف بعد وطالب بدراستها من قبل المختصين الاجتماعيين والتربويين ومن ثم يقيم أداؤها أما الحديث عن الإغلاق فهو حديث مجحف ولا يفيد المجتمع في شيء، مؤكداً أن المراكز أوعية للاستثمار الناجح لأوقات فراغ الشباب وان أي بديل عنها سيكون هو الشارع والتسكع وما يجر مع ذلك من مشكلات للأسرة والمجتمع.
وقال الهبدان إن على الذين يهاجمون المراكز أن يتذكروا أن العديد من العلماء الكبار الآن كانوا في شبابهم من مرتادي هذه المراكز واعترفوا بفضلها عليهم ومدى استفادتهم منها في صقل مهاراتهم وقدراتهم. وطالب أي متشكك بان يأتي للمراكز الصيفية المنتشرة في مدن المملكة المختلفة ويرى بنفسه ماذا يدرس فيها وكيف يستفيد الطالب والطالبة من أوقاتهم.
أما عضو مجلس الشورى الدكتور محمد آل زلفة فيمتلك رأيا مخالفا لرأي الشيخ الهبدان ويرى ان هناك سلبيات تؤخذ على المراكز الصيفية في المملكة وذكر آل زلفة في سياق حديث مع (الدين والحياة) أن المراكز الصيفية لم تقدم تلك الايجابيات التي يشار إليها ولو فعلت لكنا أول من يثني عليها ويطالب باستمرارها وإعطائها المزيد من الدعم، وما يعانيه مجتمعنا من بعض المشكلات هو بصورة أو بأخرى نتاج لما ظلت تقدمه المراكز الصيفية للشباب طيلة السنوات الماضية، وذكر انه في فترات زمنية سابقة كان يقوم بجولات لعدد من المراكز والأندية الصيفية في الرياض والدمام وغيرهما، ومن خلال اطلاعه على الأنشطة والمضامين التي تقدم في هذه المراكز ترسخت قناعاته حول المراكز وأنها لا تخدم المجتمع بالشكل المطلوب.
البدايات كانت مختلفة
وأوضح ال زلفة أن المراكز لم تكن في كل تاريخها سلبية وإنما شكلت في بداياتها محضنا تربويا جيدا ومعقولا، وكانت وقتها بعيدة عن أي تصنيف.
وطالب عضو مجلس الشورى بوضع ضوابط صارمة لهذه المراكز حتى تبتعد عن (الادلجة)، قائلا انه ليس ضد المراكز الصيفية كفكرة وكنشاط يحتضن مواهب الطلاب ويحرضها على الإبداع، وهو نظام مطبق في عدد من الدول، لكن الصورة التي وصلت إليها المراكز في المملكة أصبحت بعض أوجهها تعطي نتائج غير مرغوبة.
وتساءل آل زلفة عن أسباب عدم اهتمام المراكز بمواهب الرسم والنحت والتصوير وغير ذلك من أنواع الفنون الجميلة المعروفة، فهذه المناشط لا يتلقاها الطالب في المدارس بصورة كافية وكان مناسبا لو تم التركيز عليها في المراكز الصيفية بحيث نتمكن من استجلاء مواهب الشباب في هذه الجوانب.