كما ارتبط ذكر جرش بجبل حمومة ارتبطت أيضا بعدد من الأودية التي صنفتها المصادر التاريخية كحدود لجرش، أو مواقع لتجمعات سكانية تتبع لأهالي جرش، وتظهر أهمية هذه الأودية وقيمتها التاريخية في احتوائها على مصدر الحياة الرئيس (المياه)، ولذلك فهي تعتبر أهم مصدر تاريخي لمجتمع جرش وتعد كنزا أثريا يحوي العديد من الآثار التي خلفها سكان مخلاف جرش على مر العصور الذين شكلوا مجتمعات هذه المدينة. وفي استقصاء لتاريخ المنطقة يبرز اسم وادي تندحة فنجد ان مرور أصحاب الفيل خلد ذكراها مع الآثار التي نقشوها وخلفوها وراءهم وفي القصص التي تواترت على لسان فرسانها آنذاك من قبيلة خثعم التي شاركت ضد أبرهة الأشرم في حرب أصحاب الفيل عام 571م، والذين تنسب إليهم جذور شهران العريضة التي تسكن هذه المنطقة في الوقت الحالي إلى جانب قبيلة آل مستنيرة من قحطان، وقد وردت إشارة لذلك في السيرة لابن هشام.
حيد الجنازة
أما حيد الجنازة فصخرة كبيرة شرق وادي تندحة وتبعد حوالى 1كم من وادي تندحة، وتروى حول سبب تسميتها بهذا الاسم أسطورة تفيد بأن هناك امرأة اسمها علياء ولها عشرة من الولد وقد أوصت أبناءها ان يدفنوها في القاعة مسقط رأسها، وبعد وفاتها ذهب بها خمسة من أبنائها ومعهم اخوة من آل عامر، وذلك لدفنها في القاعة، حيث أوصت بدفنها وفي الطريق دخل عليهم الليل قبيل وصولهم إلى القاعة، وكانوا قريبين من هذه الصخرة، وهي صخرة كبيرة وصعبة المرتقى، ولشدة خوفهم من ان يأكل الذئب جنازة والدتهم قاموا بوضع الجنازة على ظهر الصخرة واتفقوا على التناوب في السهر والحراسة وذهبوا للنوم، ولكن الحارس نام أيضاً فارتقى الذئب الصخرة ونهش جسم الجنازة فقاموا بعد ذلك بمواراة ما تبقى من جسم الجنازة فوق ظهر الصخرة، وذلك بوضع حجارة وتراب عليها لهذا سميت الصخرة بهذا الاسم (حيد الجنازة).
بيوت الأموات
ويعتبر وادي عياء في محافظة بيشة واحداً من المناطق الغنية بالمواقع الأثرية المختلفة وهو على شكل قرى عديدة منتشرة على أطراف الوادي وروافد مثل موقع الدحلة والرخوة والجحور والمعلاة والمضفاة حيث احتوت هذه المواقع القديمة إضافة الى بيوت السكن على العديد من القلاع والحصون والمساجد والمقابر المختلفة ، ففي موقع الضفاة مثلاً تم العثور على أحد عشر حصناً مختلفاً مازالت بقاياها قائمة حتى الآن، وعلى العموم فإن الحصون والقلاع بنيت من حجارة غير منتظمة الشكل وسقفت بأخشاب السدر وجذوع النخل المغطى بطبقة من الطين والتبن، وتتكون من عدة أدوار تتميز بدقة تصميمها وإتقان بنائها، ومن هذه الحصون حصن مشرف وحصن حميدان وحصن ابن جويبح، أما المساجد فقد بنيت بالحجارة أيضاً وهي متشابهة في تصميمها المعماري فهي مربعة الشكل مقسمة الى فناء مكشوف ومصلى مسقوف تبلغ مساحة الفناء تقريباً نصف مساحة المصلى الذي يحتوي على محراب نصف دائري بسيط وتختلف مساحة هذه المساجد حسب سعة البلدة التي يقع المسجد فيها، كما تنتشر المقابر بكثرة في مواقع وادي عياء قسم منها لفترة ما قبل الإسلام وقسم آخر يعود للفترة الإسلامية المبكرة، وتتميز مقابر فترة ما قبل الإسلام بأنها عبارة عن غرف صغيرة أقيمت فوق سطح الأرض على هيئة متوازي المستطيلات مبنية بالحجارة يتراوح ارتفاعها عن سطح الأرض ما بين نصف متر الى أكثر من مترين، وفي جانبها الشرقي توجد فتحات أو أبواب صغيرة ربما استخدمت لإدخال جثث الموتى حيث كان القبر الواحد يخصص لأكثر من شخص، وتبقى هذه الرواية صالحة لوادي عياء فالرواية التاريخية هنا تعضدها، أما بقية القبور الكبيرة أو المبنية من الأحجار على هيئة غرف فإنها (بيوت الاموات).. وهكذا يطلق البعض عليها في منطقة عسير ويقصدون هذه الأبنية الأثرية المنتشرة في بقية أرجاء المنطقة وهي عبارة عن قبور ضخمة لا يعرف لها تاريخ محدد يمكن بواسطته استشفاف مرحلة زمنية معينة، ولا تفسيراً منطقياً يستند عليه للتعرف على اسباب اقامتها او ضخامتها.وليس هناك سوى روايات يرددها العامة معظمها يدور في فلك الشائعة مما يجعل الاعتماد عليها في حل لغز هذه القبور ضربا من الخيال.
مقابر سهول تهامة
ولا تخلو غالبية المواقع في منطقة عسير من هذه القبور، ولكنها تنتشر بكثافة كبيرة في سهول تهامة والسفوح الجبلية وتندر بشكل كبير في المرتفعات وقمم الجبال كما ان اعدادها تختلف من موقع الى اخر، فقد تجد في موقع ما يزيد على 15 ضريحا مجتمعة بمكان واحد ولا تفصلها عن بعضها الا امتار قليلة، بينما لا تحتوي بعض المواقع الا على قبر واحد او تجدها متباعدة بشكل كبير عن بعضها. وتتميز هذه المقابر بكبر حجمها اذ تبلغ اطوالها بين 3-5 امتار، اما عرضها فيتراوح بين 3-4 امتار، وتختلف هذه القبور عن العادية في انها بارزة على سطح الارض بارتفاعات متفاوتة لا تقل عن المترين في الغالب وتأخذ اشكالا متعددة وغالبيتها مربعة الشكل وأقيمت على هيئة الغرف الصغيرة التي تتسع لدفن ما بين 6-10 اشخاص دفعة واحدة، كما تشترك في ان جدرانها الاربعة مبنية من الاحجار بتناسق غريب وبطريقة تجعلها صامدة أمام العوامل الطبيعية المختلفة، اما اسطحها فمغطاة بجذوع الاشجار التي فرشت عليها طبقة سميكة من التراب لمنع تسرب المياه الى داخلها اثناء هطول الامطار.
وترقد في احد جدرانها صخرة طويلة تتم ازاحتها ليسجى الميت من خلالها الى قبره ثم تعاد الى وضعها السابق لاغلاق القبر باحكام.
قبور العمالقة
ولا يمكن اغفال أي من الروايات التي يتداولها الافراد كما يقول احمد عسيري احد اهالي محافظة رجال المع: قد تبدو بعض التفسيرات لوجود هذه القبور غير منطقية ولكن من الصعب تجاهلها او نفيها، نظرا لغياب المعلومة المؤكدة التي يمكن الاستناد عليها للتسليم بحقيقة ما، كما ان عدم وجود الدراسات الموثقة والاعتماد على الرواية والمشافهة في هذا المجال فتح الباب للمبالغة حولها بالاضافة الى زيادة او نقصان بعض المعلومات عنها وحتى لو كانت هذه المعلومات صحيحة فان اخضاعها للمزايدة والنقص جعلها قابلة للتمدد والاجتزاء في الوقت نفسه وبذلك اصبحت تفسيرات بعيدة عن ارض الواقع وتخضع لخيال المتحدث وقدراته التصويرية.ويشير عسيري الى ان اقرب مثال على هذه الروايات التي يمكن وصفها بالغريبة ما يشاع بين البعض بان هذه القبور الضخمة تعود الى مجموعات من العمالقة كانوا يسكنون المنطقة في حقبة زمنية معينة ومنهم من نسبهم الى قبائل مشهورة كالقائل انهم من سلالة " ابو زيد الهلالي " وهكذا.ويضيف: وهنا يتضح الخلط العجيب من خلال ربط كبر حجم القبر بضخامة من يتم دفنه فيه وهو بلا شك امر غير منطقي دافعه افتقاد هذه المواقع للدراسة التاريخية وعدم تسليط الاضواء عليها ليعرف الجميع اسرارها.
اعتقادات غريبة
واذا كان وجود العمالقة بهذه الضخامة والكثرة يعد امرا غريبا فإن هناك احتمالا اكثر غرابة وفقا لما يقوله احمد آل سلطان:
لم استغرب كل ما يتردد عن وجود هذه القبور ذات الاحجام الكبيرة، ولم اصدق معظم الروايات التي سمعتها حولها ولكني توقفت عند احدها متعجبا، لانه ليس من السهل تصديقها، حيث يشار الى ان اسباب اقامة هذه القبور بهذا الشكل يعود الى اعتقاد كان سائدا في فترة سابقة لم يحدد لها تاريخ معين.وتشير الاقاويل الى ان من عاشوا في تلك الفترة، كانوا يعتقدون ان دفن موتاهم بهذه الطريقة الجماعية يسمح لهم بالخلود وكان الاعتقاد يقضي بأن الميت سيعود الى الحياة في وقت ما، طال او قصر، ولكنه لن يتمكن من العودة الى مجتمعه الخارجي السابق، ولهذا فإنهم يضطرون الى دفنه مع الموتى الذين سبقوه للعيش معهم في المنزل "القبر" بدلا من تخصيص منزل له بمفرده.
ويضيف السلطان: ورغم عدم وجود حقائق ملموسة يمكن الاستناد عليها في التأكد من ان هذا التفكير ساد في الماضي فإنه سيبقى مجرد رواية لا يعتد بها، حتى وان كان الدافع الى ذلك تفاؤل من عاشوا في السابق، ولكن ذلك لا يمنع الباحثين من اخضاع هذه القبور للدراسة والتحليل فقد يتم التوصل الى معرفة انماط التفكير والاعتقادات التي سادت بين سكان المنطقة في حقبة تاريخية سابقة.
«حيد الجنازة» أسطورة «علياء» التي نهشها الذئب
غرف الموت الجماعي.. لغز أثري يبحث عن حل
18 مايو 2008 - 19:24
|
آخر تحديث 18 مايو 2008 - 19:24
غرف الموت الجماعي.. لغز أثري يبحث عن حل
تابع قناة عكاظ على الواتساب
جولة: سعيد الزهراني تصوير: يحيى الفيفي 5