السياحة في المطلق تنقسم الى نوعين: السياحة البعيدة، والسياحة القريبة او ما تسمى بالسياحة البينية أي بين الدول المتقاربة بعضها البعض وتشير بيانات منظمة السياحة العالمية الى أن السياحة تنقسم الى 82% سياحة بينية و 18% سياحة بعيدة وتبلغ نسبة الاولى في اوروبا 88% فيما تبلغ نسبة الثانية 12% فقط، وفي شرق آسيا والباسيفيك تبلغ نسبة الاولى 79% ونسبة الثانية 21% .أما في الدول العربية فإن السياحة البينية لا تشكل سوى 42% في حين تشكل السياحة البعيدة الوافدة اليها 58%، بل والأخطر من ذلك فإن توقعات منظمة السياحة العالمية تشير الى أن نسبة السياحة البينية العربية ستنخفض العام 2020 من 42% الى 37% فقط، بينما تزداد نسبة السياحة البعيدة لتصل الى 63%. هذه الارقام تطرح بدون شك قضية السياحة البينية في المنطقة العربية على بساط البحث والتمحيص خصوصا ان الوطن العربي من مشرقه الآسيوي إلى مغربه الأفريقي يشكل كتلة جذب سياحي رئيسية مرشحة لتكون مركز الجذب الأول على خريطة السياحة العالمية في حال استكملت قطاعات السياحة العربية كل بناها التحتية ووفرت الخدمات الأساسية الداعمة، وهيأت المناخات الاستثمارية الملائمة على مختلف الأصعدة، مثل الأنظمة والتشريعات والقوانين، وارتفاع مستوى الوعي البيئي والوعي السياحي العام، إضافة الى تجاوز المعوقات التي تواجه ازدهار السياحة البينية العربية. علما ان عوامل الجذب السياحي الأساسية الذي يتمتع بها الوطن العربي لا تتوفر لأماكن أخرى في العالم. فهو بموقعه الجغرافي الاستراتيجي من المحيط الأطلسي غربا إلى الخليج العربي شرقا ومن حوض المتوسط شمالا إلى خط الاستواء جنوبا يحتل موقع القلب وهمزة الوصل بين قارات العالم. ويبدو ان هذا الامر لم يخف على المسؤولين العرب فهم يتابعون عن كثب كل ما تحتاجه السياحة العربية البينية من خلال مجموعة من المنتديات والمؤتمرات والفعاليات ولعل ملتقى سوق السفر العربي 2008 الذي ينطلق اليوم الثلاثاء في دبي بحضور أكثر من 60 دولة من أنحاء العالم أحدثها .
كيف نذلل المعوقات التي تواجه السياحة البينية العربية؟
ما هي الأدوار التي تقوم بها وزارات السياحة في الدول العربية لتكامل السياحة البينية؟
وما هي أبرز المعوقات التي تحد من تطور السياحة البينية العربية؟
وهل قام القطاع الخاص في الدول العربية بالدور المطلوب منه لتوسيع الاستثمارات السياحية العربية؟
هذه التساؤلات وغيرها كانت محاور لهذه القضية التي طرحناها على أصحاب الرأي والمسؤولين وعدد من الخبراء الذين أجمعوا على أهمية تطوير السياحة البينية العربية لما لها من آثار ايجابية على زيادة المداخيل ورفع الناتج المحلي وتوفير الفرص الوظيفية.
مكانة اقتصادية كبرى
بداية أشار سمو الأمير سلطان بن سلمان الأمين العام للهيئة العليا للسياحة والآثار ورئيس المكتب التنفيذي لمجلس الوزراء العرب للسياحة الى المكانة الاقتصادية الكبرى التي أصبح يحتلها القطاع السياحي على المستوى العالمي، ودوره في زيادة المداخيل الاقتصادية ورفع الناتج المحلي وتوفير الفرص الوظيفية. واشار الى ما تتمتع به الدول العربية من مقومات سياحية تشتمل على مختلف المقومات الطبيعية والبيئية والتراثية والثقافية ما يجعل منها منطقة متميزة طبيعياً وحضارياً يتوقع لها نمواً يستهدف تحقيق تنمية سياحية كبيرة للاستفادة من إيجابيات هذا القطاع بشكل يتواءم مع الخصائص والقيم التي تقوم عليها.
واوضح أن توافر البنى التحتية و المقومات البشرية و الطبيعية وحدها غير كافٍ لاستقطاب الاستثمارات السياحية وتشجيعها في الدول العربية ما لم يصاحب ذلك رغبة وإرادة جادة في تسهيل وجذب الاستثمارات ووضع الخطط المنظمة لها من قبل القائمين على السياحة فيها. وأكد سموه على ان النمو الكبير الذي يشهده قطاع السياحة على مستوى العالم يدل على أن هذا القطاع لم يعد قطاع ترفيه وترف إنما اصبح قطاعا مفروضا على الاقتصادات العالمية والوطنية كقطاع اقتصادي له زخم كبير ويتطلع الى نمو اكبر فأصبحت صناعة السياحة اليوم صناعة اقتصادية متخصصة متفرعة ومتشعبة الاهتمامات والاختصاصات وصناعة اقتصادية تغذي الكثير من الصناعات الخدمية الأخرى التي تصب كلها في خدمة السائح وخدمة التدفقات السياحة على مستوى كبير.
وبين أن صناعة السياحة أصبحت صناعة اقتصادية محورية أولى في الكثير من الدول التي كانت تعيش تحت مستوى الفقر ولذلك فإن تطوير قطاع السياحة والاهتمام به وتنظيم مسار نموه أصبح عملية أساسية.
وعن القطاع السياحي في المملكة قال ان هذا القطاع يشهد اهتماماً متزايداً، وذلك لما يمكن أن يسهم به في الناتج المحلي خلال السنوات القليلة المقبلة اضافة الى تحقيق هدف تنويع القاعدة الاقتصادية وتوفير فرص العمل للمواطنين في مختلف المناطق،وبالنظر الى ما تزخر به المملكة من تراث عربي إسلامي عريق يحوي مواقع أثرية عديدة ومواقع طبيعية ساحلية وجبلية وصحراوية خلابة وفريدة وتجهيزات أساسية متطورة تغطي كل المناطق وشبكة مواصلات متكاملة تربط البلاد من أقصاها إلى أقصاها كما تربطها بالعالم الخارجي واضاف انه انطلاقا من هذا الواقع يمكن استشراف ما ينتظر هذا القطاع من مستقبل واعد.
خطط استراتيجية
ومن جانبه تحدث رئيس المنظمة العربية للسياحة بندر بن فهد آل فهيد عن المعوقات أمام السياحة العربية فقال انه بدون شك هناك بعض المعوقات، سواء التأشيرات أو التنقل بين الدول العربية أو النقل الجوي أو البري أو البحري أو الأسعار، واضاف: لدينا خطط استراتيجية لتذليل كل المعوقات التي تواجه المستثمر والسائح معاً، لأنه متى ما ذللت المعوقات زادت الاستثمارات السياحية على امتداد الوطن العربي وزادت المنشآت السياحية واكتملت منظومة الخدمات التي يرغب السائح الاستفادة منها، وعن تفعيل البرامج السياحية قال ان هناك برامج تقدم من عدد من شركات السفر والسياحة على مستوى الوطن العربي ولكن نطمح إلى زيادتها.
حماية العوائد
اما عبدالله الجهني نائب الأمين العام للتسويق والإعلام في الهيئة العامة للسياحة والآثار في المملكة فقال انه نظرا للاتجاه العالمي نحو تحرير تجارة الخدمات فإن تعزيز السياحة العربية البينية لن يساهم فقط في زيادة حصة العالم العربي من عائدات السياحة العالمية ولكن سيكفل أيضا حماية عوائد القطاع السياحي في كل بلد عربي على حدة ليلعب الدور المطلوب من القطاع الخاص كالركيزة الأساسية في هذه المهمة الاقتصادية الحيوية التي ستسمح بقيام جبهة عريضة من المؤسسات السياحية العربية البينية ذات الإمكانات المالية والتقنية والإعلامية والإدارية الحديثة وذات التأثير القوي على الصعيد العالمي وعلى الصعيد العربي البيني. مشيرا الى أن صناعة السياحة تعتمد على محور رئيسي هو جذب السائحين معتبرا ان هذا المحور اصبح فنا وعلما يرتبط بكل مرافق الخدمات في الدولة الواحدة وشدد على ان سبل جذب السياح تنوعت ولم تعد حكرا على زيارة المتاحف والأماكن الأثرية خصوصا في منطقتنا العربية وأصبحت المقاصد السياحية شاملة مثل السياحة الدينية والعلاجية وسياحة الاستجمام والسياحة الرياضية، والثقافية والفنية ، وسياحة المؤتمرات والمهرجانات.
واوضح ان الخطة الوطنية للسياحة تجسد المبادئ والأهداف التي تبنتها الدولة في تطوير السياحة في المملكة، ومنها اتباع أسلوب تخطيطي علمي يتسق مع خطط التنمية الوطنية ويتم وفقاً له النظر إلى صناعة السياحة وفق إطار يرتكز على الاستدامة والجدوى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والقيم الإسلامية وكرم الضيافة التقليدية.
وبين ان خطة التنمية الثامنة 1425/1426هـ - 1429/1430هـ التي أعدتها وزارة التخطيط تتوقع ارتفاع عدد رحلات السائحين (إجمالي السائحين من داخل المملكة وخارجها) من 65,1 مليون رحلة العام 1422/1423هـ إلى 83 مليون رحلة العام 1429/1430هـ ثم إلى 141,1 مليون رحلة العام 1440/1441هـ. وتوقع ان يبلغ عدد الرحلات الداخلية 128مليون رحلة سياحية، في حين يبلغ عدد الرحلات السياحية من خارج المملكة 13,1 مليون رحلة ومعظمها من دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية الأخرى. كما توقع نمو الإنفاق السياحي في المملكة من 63,5 بليون ريال في العام 1422/1423هـ إلى 101,3 بليون ريال العام 1440/1441هـ.
اهتمام بالسياحة العربية
واعتبر الطيب احمد خطاب مدير الشرق الأوسط وآسيا في المكتب الوطني المغربي للسياحة أن السياحة البينية العربية مازالت في طور الانطلاق حيث اصبح هناك اهتمام بالسياحة العربية الا انه كان يوجد في السابق بعض المعوقات التي مازال بعضها قائما وقد تم تجاوز العديد منها عن طريق تنسيق الجهود بين الهيئات والوزارات السياحية العربية في إطار الجامعة العربية والمنظمة العربية للسياحة من خلال التوصيات التي رفعت لتجاوز بعض المعوقات من اجل فتح مجالات السياحة البينية العربية مشيرا الى انه مازال حجم السياحة العربية ضعيفا مقارنة بالسياحة العالمية ولذلك فإننا نسعى جاهدين لكي يتعرف المواطن العربي على مقومات التاريخ الأندلسي والثقافة العربية بالمغرب لأنها جزء لا يتجزأ من الآثار السياحية في الوطن العربي الكبير .
التسهيلات السياحية
من جانبها رأت منى فارس مديرة الإنماء السياحي في وزارة السياحة اللبنانية أن من أهم قرارات مجلس وزراء السياحة العرب هو دراسة المزيد من التسهيلات لرفع درجة الانسياب في السياحة البينية العربية لوجود بعض العوائق التي تؤثر على السياحة البينية مثل التأشيرات التي تعيق كثيرا حركة السياحة البينية كما تجرى الان دراسة إزاحة بعض العراقيل التي تمنع السياحة البينية سواء من نوع اداري او مادي كتخفيض أسعار بطاقات السفر الى الدول العربية.واشارت الى أن السياحة البينية العربية أكثر إيرادا للدخل السياحي، فالسائح العربي أطول إقامة واكثر انفاقا يضاف الى ذلك الآثار الإيجابية للسياحة البينية العربية في زيادة أواصر الاخوة والتواصل الثقافي والاجتماعي وزيادة التعاون التجاري والصناعي بين أبناء هذا الوطن الواحد مما يزيد من تلاحم الشعب العربي إزاء قضاياه القومية. واضافت ان بيانات منظمة السياحة العالمية تشير الى أن نسبة السياحة البينية العربية تقدر بـ 42% حاليا وستنخفض العام 2020 حسب بيانات المنظمة الى 37% فقط فيما تزداد نسبة السياحة العربية البعيدة لتصل 63%.