-A +A
محمد عبدالله نصيف*
يشهد العالم اليوم نقلة رقمية نوعية جديدة من شأنها إحداث زعزعة للجذور والثوابت المتعارف عليها، مما يستوجب علينا تغيير طريقة التفكير التقليدية، ليس فقط مبادئ الجودة وطرق التصنيع والإنتاج فحسب، بل أيضاً كل المنظور المعرفي الموروث للبشر، مما يستوجب على القادة في مختلف القطاعات تبني فكرة التغيير الجذري والتحول الرقمي والتعامل مع هذا التحول باستراتيجية واضحة ومحددة، لتخدم بحق الرؤية الوطنية للجودة 2030 بأن تكون السعودية بمنتجاتها وخدماتها معياراً عالمياً للجودة والإتقان، لضمان استدامة التطور والأداء المتميز.

وظهر أخيراً وبقوة مصطلح الجيل الرابع للجودة أو ما يعرف باسم الجودة 4.0 (4.0 Quality) فالأبحاث والدراسات في هذا المجال تؤكد أن هذا المصطلح أو ما يعرف بـ«رقمنة إدارة الجودة» سيستمر ويفرض نفسه بقوة على المنظمات والمصانع، بل وحتى الحكومات.


ولكن ما أساس مصطلح الجودة 4.0؟ جاء هذا المصطلح من الصناعة 4.0 (4.0 Industry) ويقصد به الثورة الصناعية الرابعة التي هي في الأصل ظهرت كمصطلح خلال معرض هانوفر بألمانيا في عام 2011م. أكد الحضور لهذا المعرض ضرورة الانتباه للزيادة المطردة للثورة في عالم تكنولوجيا الاتصالات والإنترنت والأجهزة الذكية، ما ساعد لاحقاً على ظهور ما يعرف باسم أنظمة التصنيع الذكية، التي بدورها غيرت وبقوة مجال الصناعات الحديثة وأثرت في كفاءة عمل هذه المصانع وأداء أعلى لسلسة الإمداد، وأسهمت في إنتاج منتج ذي خصائص إبداعية مرتكز أساساً على رغبات وتطلعات العملاء.

وننوه إلى أن استراتيجية التحول الرقمي للمنظمات لم تعد ترفاً، فهي إلزامية لكل من أراد ضمان التنافسية، في عصر المتغيرات الرقمية المتسارعة، وأشار البروفيسور زائيري المبرز في علم الجودة والتحول الرقمي في كتابه التميز المطلق الى الممكنات الاستراتيجية للتحول الرقمي، فأولى هذه الممكنات هي الإلهام ثم التطبيق ثم التكامل وأخيراً التخيل، فنحن في السعودية نفخر بأن أحد أهم هذه الممكنات مطبق وفعال وبطريقة جذرية، وهو ممكن الإلهام ويعنى بأن تكون هناك رؤية حالمة ولكنها ملهمة وقابلة للتطبيق في الوقت نفسه، وهذا ما نلمسه بحق في رؤية 2030، وكذلك مقدرة هذه الرؤية بالإسهام في تهيئة وحشد القدرات المادية والبشرية والمعنوية المساعدة لتحقيقها، ولكن في الوقت نفسه يجب أن نعمل على بقية الممكنات خاصة فيما يتعلق بممكنات التحول والاتصال الرقمي الحديث القائم على التناغم مع احتياجات الشركاء والتكامل لاستدامة الأداء من خلال هذه الممكنات الرقمية الذكية والعمل على تغيير ثقافة العمل الداخلية وتطويرها لتبنى فكرة هذا التحول، والأهم قبل كل ذلك هو خلق قيمة مضافة تبدأ من رغبات واحتياجات العميل التي من أبرز ما يميزها أنها متغيرة بصفة مستمرة.

* أستاذ الجودة المساعد بجامعة الملك عبدالعزيز العضو التنفيذي للمجلس السعودي للجودة