دماؤنا ـ هي طبعا ـ من أروع نعم الله علينا، ما يعادل كمية حوالي ثماني عشرة علبة بيبسي تتدفق بمشيئة الله بداخل كل منا في أنابيب يفوق طولها المسافة من جدة إلى نيويورك لتصل إلى جميع الخلايا الحية في أجسامنا.. كلها غالية جدا، وكما هو الحال لكل غال لدينا فهناك من يريدون سلبه.. من يكرسون جزءا من نشاطهم اليومي للحصول على كل ما نعتز به.. يصيب الدم بعض الكائنات بالجنون من كثر شهوتها للحصول عليه.. الأسود، والنمور، وأسماك القرش.. لكن هناك ما هو أخطر منها وهي الحشرات التي تعشق دماءنا، ولا تتردد في بذل الغالي والرخيص للحصول عليه.. أشهرها طبعا هي البعوضة، ولكن لا تنسوا بعض أنواع الحشرات الخطيرة الأخرى التي تهاجمنا في أغرب الأماكن والأوقات، وبأغرب أساليب العداء التي يمكنك أن تتصورها.. تخيل أن نهاجم ونحن آمنون وسالمون في فراشنا.. تبدأ الهجوم قبل الفجر بامتطاء جلودنا.. ثم تبصق علينا، ثم تخدرنا بحقن مواد مخدرة، ثم عض من هنا، وتمزيق من هناك، وشفط دماء، ولإضافة الإهانة إلى كل ذلك، فبعضها تتبرز علينا عند الانتهاء من سرقة دمائنا.. قمة الانحطاط.. تمتص كمية دم تصل إلى ما يعادل أربعة أمثال وزنهم.. ولترجمة هذه الكمية للأحجام الآدمية؛ فتخيل أنها تعادل أن يشرب الإنسان حوالي ثلاثمائة كأس (سوبيا) دفعة واحدة.. كل هذا يصدر من تلك المخلوقة الصغيرة العجيبة.. حجمها يعادل تقريبا التاء المربوطة في آخر هذه الجملة.. وسُمكها أقل من مجموع هذه النقاط وبالتالي فهي تتسلل وتختبئ بين طيات الفراش في أسرتنا.. المخلوقة المقصودة هنا هي (بق السرير) الشهيرة باسمها اللاتيني Cimex lectulrius (سيمكس ليكتولاريوس)، وهي من المخلوقات العجيبة لأنها حشرة تجسّد مفهوم المساواة بين البشر فتهاجم الفقراء والأغنياء على السواء.. لا يسلم منها (دقديق) الغني، ولا (طراحة) الفقير.. في أمريكا وبنجلاديش وفي وطننا أيضا. وللأسف أن هذه الحشرة الخطيرة تعيش صحوة عالمية تهدد الصحة العامة.. بالإضافة إلى أنها تسبب مجموعة التهابات جلدية، فقد تنقل بعضا من الأمراض الخطيرة مثل التهاب الكبد.. لكن أحد مصادر خطورة الحشرة كالعديد من زميلاتها هي آلية التخلص منها، فتستخدم المبيدات المنزلية التي يسبب بعضها خطورة كبيرة على البشر.. ستجدها في مواد أقراص (فوس توكين) و(بريما فوس) و(سيلوفوس) وغيرها.. المشكلة هي في (الفوس) لأنها ترمز لمادة (فوسفيد) الألمونيوم القاتلة.. وهذه المادة الخطيرة تتفاعل مع الماء لتنتج كميات من الغاز السام الشهير باسم (فوسفين) ويعرف أيضا باسماء (فوسفاين) و(فوسامين) ويصدر رائحة عفنة قوية.. أسوأ من رائحة مردم النفايات في جدة.. الشاهد في الموضوع أن هذه المادة السامة مخصصة للاستخدام الزراعي أو الصناعي.. في مناطق مفتوحة أو مناطق خالية من البشر لمدة ثلاثة أيام ثم تتعرض للتهوية لمدة ثلاث ساعات على الأقل.. لكن تبقى مشكلة أخرى وهي التأقلم.. في الحرب الكيماوية بيننا وبين الحشرات الضارة يفوز بعضها بسلاح فتاك، وهو التعود على السم ليصبح (لعب عيال) بالنسبة لأنظمتها الحيوية البسيطة التي تتأقلم مع السم عبر الوقت، والأسوأ من ذلك أن الضرر ينعكس على البشر أنفسهم لأن أجسامهم لا تستطيع التأقلم بنفس الدرجة.. وقد شهدنا هذه التجربة عند اختراع مبيد (الدي دي تي) منذ ستين سنة.. بدأ بداية رائعة فتخلص من بلايين الحشرات ولكن بعضها تعود عليه بل وبعضها يعشقه وكأنه يقول “من فضلكم يا جماعة بلاش غش.. زودوا السم الهاري”.
* أمنيتان :
أخطر مخلوق على البشرية ليس سمكة القرش، ولا الأسد أو النمر أو الأفعى، فأكثر ما قتل البشر عبر التاريخ هو الناموس، وللأسف أن مبيدات فوسفيد الألمونيوم قد تسبب في بعض الوفيات في جدة في الآونة الأخيرة.. أتمنى النجاح لحملة توعية المجتمع ضد آفات الصحة العامة التي تقودها أمانة محافظة جدة برئاسة معالي المهندس عادل فقيه وإشراف سعادة الأخ الدكتور نبيل أبو خطوة وزملائه.. وأتمنى أن نراعي خطورة استخدام المبيدات، وبالذات تلك التي تحتوى على أقراص (فوسفيد الألمونيوم).. والليلة فضلا (انفض) طراحتك نفضة إضافية، وراجع نوعية وكمية المبيدات التي تستخدمها.. والله من وراء القصد.