كله إلا الحنة
5 فبراير 2008 - 20:28
|
آخر تحديث 5 فبراير 2008 - 20:28
تابع قناة عكاظ على الواتساب
من عادات السودان الراسخة في الزواج، «الحنة»، وتكون ليلة مشهودة يتم خلالها تنظيم وليمة ضخمة يحضرها مئات المدعوين، وليلة الحنة هذه لا علاقة لها بالعروس، بل هي خاصة بالعريس/الزوج.. في ما مضى، كان يوم حنة العريس مناسبة لتقديم الأهل والأصدقاء وزملاء العمل مساهمات مالية للعريس.. فمن عاداتنا الراسخة الإسهام في الأفراح والأحزان.. في بيوت العزاء يتبرع معظم المعزين بالمال أو بالسلع الاستهلاكية لأهل المتوفى لمقابلة تكاليف إطعام وسقاية المعزين.. لا يهم أن تكون الأسرة المكلومة ميسورة الحال، فتلك التبرعات ذات دلالة رمزية وتعبير عن مشاطرة الأحزان.. هناك من يدفع المال وهناك من يأتي بالخراف أو السكر أو الشاي أو الرز.. المساهمة في الأعراس كادت ان تختفي من المدن، حيث صارت تقتصر على الهدايا العينية.. عندما تزوجت كنت أعرف أنني أعاني من عجز ضخم في الميزانية، لكنني كنت واثقا من أن أقاربي وأصدقائي سيتكفلون بسد ذلك العجز غير المعلن، فتلك كانت تقاليد التكافل الاجتماعي.. وعندما زوجت ولدي قبل أيام قليلة في الخرطوم لاحظت أن المعازيم أكلوا وشبعوا وصاروا يتسللون خارجين فأمسكت بمايكروفون وصحت فيهم: هوي.. هاااي.. يا جماعة عيب عليكم ـ والله فعلتها ـ أين عاداتنا الجميلة بالإسهام في تكاليف الزواج بدفع النقوط؟ (مفردها نقطة وهي المبلغ الذي يدفع للعريس ليلة الحنة وحاشا ان يدفع السوداني النقوط لراقصة).. أقل ما يمكن أن تفعلوه أن تبقوا معنا حتى نهاية الحفل لتنالوا الإعفاء من المساهمات.. اكتفى الحضور بالضحك ومنهم من صاح: يا حليل العادات والنقوط وأفهموني أن المساهمات صارت تقتصر على مناسبات العزاء.. ففوضت أمري لله وسألت الله ألا يرينا جميعا مكروها في أعزاء لدينا.بعبارة أخرى؛ بعض تقاليد الأفراح السودانية الجميلة بدأت تندثر، وأعتقد أن السبب في ذلك هو الميل إلى الفشخرة والانفاق البذخي في حفلات الزواج، بمعنى أن من يتزوجون صاروا يعتبرون أنه لا يليق بهم تلقي المساعدات المالية من الآخرين.. لكن التقليد الذي لم يندثر هو الإصرار على وضع الحنة في كفيّ وقدميّ العريس.. لا نقوش بالحناء كما هو الحال عند النساء ولكن لا بد من وضع الحنة على الكفين وباطن القدمين.. ولدي العريس المعني بمراسيم الزواج عاش سنوات عمره كلها ما بين الخليج وبلاد الخواجات ومزاجه العام (بدوي) وبالتالي عندما اقترحوا عليه ـ بتعبير أدق ـ أمروه ببسط كفه ومد قدميه ليضعوا عليها الحناء أمام مئات المدعوين، صاح فيهم: شيلو الزفت (طبق الحنة) من قدامي وإلا أسيب لكم الحفل لـ(تتحننوا) وتهيصوا في غيابي.. ولولا تدخل بعض من المدعوين العاملين في الخليج بالإدلاء بشهادات مفادها أن الرجل الذي يضع الحناء في أي جزء من جسمه ما عدا الرأس في الخليج (مش راجل).. لولا ذلك لتعرض الولد المسكين للتكتيف و(التحنين) القسري.. وبعد انفراج الأزمة أبلغني همسا أنه قرر الهرب من السودان لأنه سمع طراطيش كلام عن طقوس أخرى لا يعرف عنها شيئا.