-A +A
خالد مرغلاني
في عالم اليوم، وفي ظل المتغيرات الدولية والإقليمية الجمة، والكاسحة، لن تبقى دول كثيرة، طالما هي ثابتة في مكانها، بينما العالم يجري بقوة نحو الأفضل، خاصة أن الغد ليس مجرد حلم نتمناه وننتظره في استرخاء على شاطئ البحر ولكن لا مناص من الغوص والإتيان به كما كانوا يأتون باللؤلؤ من قلب المحار الراقد في الأعماق!

وقد استطاب للكثيرين، من المنتفعين، في الداخل والخارج، أن تبقى المملكة جزيرة منعزلة عن العالم، بينما هي في الحقيقة من الدول القليلة المؤثرة في اقتصاد العالم، وفي مصائر دول كثيرة.. وأن توصم بالغلو والتطرف في الدين الحنيف بينما هي أرض الإسلام الصحيح، ولذلك كان سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من الحكمة والذكاء أن يفسد على المستفيدين من ذلك الوضع الذي لا يلائم مكانة المملكة وريادتها، إذ قال في إطار تعليقه على أسباب النقلة الجديدة في التوجهات السعودية، خلال جلسة نقاشية على هامش مؤتمر مبادرات مستقبل الاستثمار الذي استضافته الرياض، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز-حفظه الله- وذلك بمناسبة إطلاق مشروع نيوم: «فلم نكن بهذا الشكل في السابق، نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، إلى الإسلام المنفتح على جميع الأديان والتقاليد والشعوب».


وهذه الحقيقة التي غيبها البعض، عمداً، من هؤلاء المستفيدين من العزلة والانعزال باسم الدين الحنيف، والدين منهم براء، فهذه الدولة أعزها الله بشبابها لما قادهم المؤسس الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- لإرساء قواعدها.. هؤلاء الرجال العظام كانوا شباب الأمة وعزتها وقوتها.. ولذلك عندما يقول اليوم الأمير محمد بن سلمان: «إن 70% من الشعب السعودي تحت سن الـ30، وبصراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة» فذلك لأن الشباب هم الأمل وطوق النجاة لهذه البلاد في مواجهة السيل الجارف من التطور والتقدم الذي يشهده العالم، وقد أضحت فيه بعض الشركات أغنى من عشرات الدول، وأنه لا بد من التمسك بما أنجزناه، وما اكتسبناه من مكانة حققتها جهود نخبة من القادة على مدى ثمانين عاماً على الأقل.. ولهذا كان سمو ولي العهد من القوة والثبات في قوله في جلسة مؤتمر مبادرات مستقبل الاستثمار: «سوف ندمرهم اليوم؛ لأننا نريد أن نعيش حياة طبيعية تترجم مبادئ ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة، ونتعايش مع العالم ونساهم في تنمية وطننا والعالم».

وحقيقة إن «مشروع نيوم» ليس مجرد مشروع استثماري، بل هو حلقة من حلقات نهوض هذه الأمة، وطريق من درب طويل أنجزه هذا الشعب.. ولهذا كان سمو ولي العهد صادقاً وأميناً بأن الرغبة والإرادة التي لدى الشعب السعودي أهم عنصر للتطلعات والآمال الجديدة.. «أن الشعب الذي يعيش في هذه الصحراء لديه كثير من القيم والمبادئ والركائز».

ولا شك أن القادم أفضل.. وأن هذه الأرض التي شهدت الريادة الأولى لهذا الشعب، ستتواصل ريادتها بهذا الشعب، وستتبوأ مكانتها بالعلم والمعرفة وبالامتزاج بالعالم، التواصل الخلاق والمبدع ليس فقط من أجل مواكبة، أو مجاراة أوضاع ومتغيرات، بل من أجل الأجيال القادمة، التي من حقها علينا أن نمهد لها الطريق نحو المستقبل الذي لن يستوعبه سوى الذين تمكنوا بذكاء من استيعابه وقبوله بفكر متفتح وبعقول تتمتع بالمعرفة، وبقلوب ملؤها الإيمان.