منذ سنوات طالبت في مقال هنا بإتاحة الاطلاع على سجلات محكمة المدينة المنورة للباحثين؛ لأهمية هذه السجلات في الوصول لحقائق تاريخية، ولقدم هذه السجلات، حيث أن العثمانيين قد عنيوا بالتدوين، ولذا فإن سجلات محكمة المدينة تبدأ من عام 960هـ حتى وقتنا الحاضر.
وقد اطلعت على بحثين نفيسين أتاحا لباحثيهما الاطلاع على سجلات المحكمة وهما: د.محمد بن عبدالرحمن الحصين في بحثه (خصائص البنية العمرانية للأحواش بالمدينة المنورة) الذي نشره في مجلة جامعة الملك سعود (م4، العمارة والتخطيط 37-91، 1412هـ/ 1992م) وهو بحث تناول النمط العمراني والجوانب الأمنية والخصوصية السكنية، وثاني الباحثين هو: الباحث فائز بن موسى الحربي في كتابه (بعض الأعيان وأعلام القبائل في وثائق المحكمة الشرعية بالمدينة المنورة خلال العهد العثماني من 960- 1300هـ) ويزيد عن 600 صفحة، وصف فيه السجلات والمذاهب الشرعية والوظائف الحكومية وأرخ للأمراء والأعيان والأعلام الواردة أسماؤهم في السجلات وأهمية تلك السجلات في حفظ الأنساب.
والمعلومات الواردة في السجلات في الأصل قضايا مبايعات وإيجارات ووصايا وأوقاف ونحوها، ولكن الباحثين استخلصوا منها معلومات مفيدة موثقة كما في البحثين اليتيمين السابقين فلم اطلع على غيرهما مستفيداً من هذه التركة الوثائقية التي تعد مصدراً موثوقاً في تاريخ المدينة بخاصة والحجاز ومكانته بعامة في النواحي التاريخية والاجتماعية والثقافية والخيرية (الأوقاف والأربطة والمكتبات والمدارس) وأسماء المواضع والمعالم والأنساب لكل شرائح المجتمع بل والنمط العمراني وصلته بالأمن كما في بحث د.الحصين.
ورد في تصريح لفضيلة رئيس محاكم المدينة (الوطن 7/11/1428هـ) أن إتاحة الفرصة للباحث مشروطة بأن يكون بحثه ذا ارتباط بما تراه المحكمة، وأن يكون في أقل نطاق وللحاجة الضرورية، وأن يكون البحث تحت إشراف المحكمة، وهي شروط تساوي ممنوع الدخول، وممنوع البحث، ولم اطلع على مثل هذه الشروط في أي مركز معلومات بما في ذلك مركز الوثائق العثمانية في اسطنبول، ولا أدري سبب حرمان الباحثين منها مع أنها سجلات قديمة لم يعد لقضاياها أهمية لا في التمليك ولا في غيره.
والكلام عن السجلات العثمانية، ولذا فإن سريتها والتخوف من نشرها لا مبرر له، وهناك وثائق أهم منها تتاح للباحثين بعد عدد من السنوات كسجلات الأرشيف البريطاني وهي سجلات سياسية كانت في الأصل سرية، وقد صدر ما يخص الجزيرة العربية في مجلدات ولم تحدث إشكالات، فالمعلومات الآن لا يمكن حجبها عن الجمهور.
وهذه السجلات ليست محفوظة بالطرق الحديثة، ولم تصور على وسائل حفظ الوثائق الحديثة، وقد تنقلت من مكان لآخر داخل المدينة من الحجرة النبوية إلى أسفل مئذنة المسجد النبوي الرئيسة، إلى مقر المحكمة القديم ثم مقرها الحالي، وهي ثروة وطنية لابد أن تصان وتصور لمراكز المعلومات كمكتبة الملك فهد ودارة الملك عبدالعزيز ومركز الملك فيصل ومركز التراث في جامعة أم القرى وغيرها، وأن يعهد بصيانتها لجهة متخصصة في حفظ الوثائق كأحد المراكز السابقة، وهي تحتاج لفهرسة وتنظيم، ويقدرها بعض الباحثين بأكثر من مئتي ألف وثيقة، وهي في كل الأحوال ثروة وطنية تحوي معلومات موثقة من قضاة.
وعلى مراكز المعلومات السابقة أن تبادر بحكم مسؤوليتها الرسمية والوطنية عن حفظ الوثائق إلى صيانتها وتصويرها وفهرستها واتاحتها للباحثين، وإن وُجد مالا يمكن اخراجه -وهو قليل- فليكن ضمن الوثائق محدودة الاطلاع.
ص.ب 45209 الرياض 11512 فاكس 012311053
IBN_JAMMAL@HOTMAIL.COM