زودني صديق الكتروني بحكاية جميلة، عن حمار كان مملوكا لمزارع، وسقط في بئر، ورأى المزارع ان إنقاذ الحمار من البئر سيكلفه أكثر من قيمة الحمار، فقرر تركه حيث هو.. ولأن ترك الحمار يموت داخل البئر سيتسبب في انتشار روائح كريهة في مزرعته لعدة أشهر فقد قرر المزارع ردم البئر مما يعني دفن الحمار حيا.. وعملا بطريقة جورج قرداحي استعان المزارع بصديق، وحمل كل منهما جاروفا وشرعا في إهالة التراب على البئر.. وبعد بضع دقائق ألقى الرجل نظرة على البئر ليرى إلى أي مدى نجح في عملية الردم، ولكنه فوجئ بأن الحمار يقف فوق كوم التراب الذي أهالاه على البئر.. فألقى بكمية إضافية من التراب فإذا بالحمار ينفض التراب عن جسمه ويسحب قوائمه ويقف فوق كوم التراب.. وهكذا وكلما ارتفع مستوى التراب في البئر ارتفع الحمار الى أعلى، وباكتمال الردم كان الحمار قد خرج الى السطح مغطى بالتراب.. ولكن المهم انه نجا من الموت.
دعوني أمارس بعض التباهي بشأن تجربة شخصية تصرفت فيها مثل ذلك الحمار.. في سن مبكرة أدركت أنني أمل عائلتي: نجاحي الأكاديمي وحصولي على وظيفة سيعني طفرة في مستوى معيشة أهلي.. ولكنني كنت بليدا في الرياضيات ومن ثم الفيزياء.. وحاولت استيعاب الكيمياء بالحفظ الببغاوي، ولكنني اكتشفت ان تلك الطريقة لا تسعفني في فهم وحل المعادلات الكيميائية.. هنا قررت أنه ما من سبيل أمامي سوى التفوق في مواد أخرى يجدها كثير من الطلاب «صعبة»، وجعلت من الانجليزية «مادتي» الأساسية.. يتفوق علي طالب في مادة الرياضيات ب20 درجة فأتفوق عليه في الانجليزية ب15 درجة.. لم يكن ذلك كافيا.. كان لابد من التفوق في مواد أخرى كي أغطي «فرق» الدرجات المفقودة في بقية المواد العلمية، فركزت على اللغة العربية، وكما اعترفت مرارا فقد ولدت أعجميا ناطقا بالنوبية حيث لا تذكير أو تأنيث أو مثنى.. ولم اهتم بميكانيكا اللغة (النحو والبلاغة) بل بتكثيف القراءة باللغة العربية واحسب انني قرأت كل ما هو متاح من روايات ودواوين شعرية عربية معروفة في زماني قبل ان أغادر كرسي الدراسة.. ولكن وبعد ان صار لي عيال في المدارس أدركت أنني لم أكن «حمارا» كما قال عني أكثر من مدرس رياضيات، بل كانت الحمورية صفة المناهج وطرق التدريس.. فقد تعلمت من كتب عيالي المدرسية ان الرياضيات تقوم على المنطق.. المهم ان العربية والانجليزية اخرجاني من البئر وصارا أداتي لكسب العيش.. اقرأ سير كل الناجحين في مجال التجارة وستكتشف أنهم وقعوا في البئر عدة مرات ولكنهم خرجوا منه في كل مرة وهم أقوى عودا وعزيمة.