عقدت في الأسبوع الماضي ندوة مهمة عن العلاقات العربية الكورية دعت إليها وزارة الخارجية الكورية، وحضرها عدد من الموفدين الرسميين من اثنتي عشرة دولة عربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية، كما تحدث فيها عدد من الباحثين العرب والكوريين والإيرانيين واليابانيين. وتعود العلاقات بين كوريا والعالم العربي والإسلامي لألف عام مضت، حين زار التجار العرب والمسلمون الشواطئ الكورية، ونقلوا منها السلع المختلفة، وباعوا فيها سجاداً وسلعاً جلبوها عن طريق البر (طريق الحرير)، أو عن طريق البحر (عن طريق الموانئ الصينية). وكان التجار العرب والمسلمون يحملون السلع غالية الثمن عن طريق البر إلى كوريا خلال سبعة أشهر، أو عن طريق البحر خلال سنة واحدة، ويستوردون منها الذهب وغيرها من السلع الثمينة.
ونتيجة لذلك تأسست في القرنين الثامن والتاسع الميلاديين جالية عربية ومسلمة في مملكة (شيلا) الكورية ويقال إن العلماء العرب والمسلمين ومنهم العلامة العربي
(ابن خردذابة)، قد ألفوا سبعة عشر كتاباً عن مملكة شيلا، وقد رسم العالم الإدريسي خريطة لكوريا مكونة من خمس جزر، ويقال إنها أول خريطة ترسم للعالم تظهر فيها الجزر الكورية.
ولم يظهر الإسلام مجدداً إلا في عام 1955م، حين قام إمام مسجد تركي تابع للبعثة العسكرية التركية التي حاربت في الحرب الكورية عام 1952م – 1953م، بالدعوة مجدداً إلى الإسلام، وبنى مسجداً صغيراً بمقر الجنود الأتراك، وبدأ عدد المسلمين في الازدياد منذ ذلك الحين، خاصة بين أساتذة الجامعات وطلابها، وبين عدد من العمال الكوريين الموفدين إلى العالم العربي في السبعينيات، والذين بلغ تعدادهم حوالى المليون عامل، وهم الذين ساهموا في الطفرة العمرانية في بلدان الخليج العربي وفي ليبيا.
وتعد كوريا من البلدان المتقدمة صناعياً وبالرغم من ضعف الزراعة فيها، وقلة الموارد الطبيعية فهي تعتمد بشكل كبير على الواردات النفطية من بلدان الخليج العربي، إلا أن كوريا تصدر إلى بلدان الخليج العديد من السلع والإلكترونيات والسيارات والآليات، وتبني فيها عدداً من المصانع الخاصة بتحلية المياه والبتروكيماويات وغيرها من الصناعات الثقيلة. وتطمح الحكومة الكورية إلى تعميق تعاونها مع بلدان الخليج العربي، وهناك خطط لتكوين سوق اقتصادية حرّة بين بلدان الخليج وكوريا، وينتظر أن تبدأ المفاوضات حول إنشاء مثل هذه السوق خلال عام 2008م. كما عرضت وزارة الخارجية الكورية خلال هذا المنتدى إنشاء جمعية الشرق الأوسط. وهي جمعية ستعنى بتعميق أواصر الروابط بين كوريا والبلدان العربية والمسلمة، كما تعنى بتشجيع العلاقات الثقافية والتعليمية بين العالمين العربي والكوري.
وتحوي كوريا عدداً من الجامعات المتميّزة والمرموقة، مثل جامعة سيئول الوطنية، وجامعة هانكوك للدراسات الأجنبية، وغيرها من الجامعات الكورية وهناك عدد من الطلاب العرب الذين يدرسون في الجامعات الكورية. وفي الوقت الحاضر، هناك ستة وأربعون طالباً من المملكة العربية السعودية يدرسون في هذه الجامعات، ويؤمل أن يزيد عددهم إلى ثلاثمائة أو أربعمائة طالب خلال العام المقبل.
ويعجب المرء بحق من مستوى التعليم المتطور في الجامعات الكورية، وتفتخر هذه الجامعات بمبانيها الحديثة ومكتباتها المتعددة. وتضاهي مباني هذه الجامعات مباني أفضل الجامعات الأمريكية. كما تبني الشركات الكورية والأجنبية معامل وورشاً متطورة، من بينها معمل لتصميم السيارات، وتطور أنواعاً جديدة من السيارات العاملة بالطاقة الهيدروجينية في هذه الجامعات. ويحقق الطلاب الآسيويون، ومن بينهم الطلاب الكوريون معدّلات عليا على مستوى العالم في مستوى القراءة والكتابة والرياضيات والعلوم، وذلك على مستوى الدراسة الثانوية. وتعد المنافسة شديدة بين الطلاب والطالبات في الحصول على درجات عليا في الامتحانات المؤهلة لدخول الجامعة ومع أن البلاد ستخوض انتخابات نيابية في منتصف الشهر الجاري، إلا أن الحكومة الحالية تتعامل بشكل إيجابي مع بعض العمال الأجانب الذين يعيشون فيها. كما أن الشعب الكوري شعب مضياف ويتعامل بشكل حضاري مع الآخرين ، غير أن اللغة الإنجليزية غير منتشرة بشكل كبيرفي بلد يعتبر من البلدان الصناعية في القارة الآسيوية.