لا تحسب ان كونك حاصلاً على درجة جامعية، يؤهلك فقط إلى عمل في بيئة كشخة وأنيقة وقيافة، وأسأل الجامعيين المعتقين ذوي الخبرة العملية التي تتجاوز الـ25 سنة وسيقولون لك ان ما تعلموه في بيئة العمل في سنة واحدة، أضخم وأكبر وأهم من الذي تعلموه على مدى سنوات التعليم النظامي التي تزيد على 16 سنة.. لحين من الدهر كنت مديرا للعلاقات العامة لدى شركة كبيرة، واخترت شابا حديث التخرج من كلية الإعلام للعمل معي، وكانت أول مهمة أسندتها إليه ان يصدر فواتير الإعلانات التي ننشرها عبر مختلف الوسائط، فرفض القيام بتلك المهمة.. حاولت ان أشرح له كل ذلك فقال ما معناه: كلامك كله مقبول ما عدا حكاية الفواتير.. هذه لن أسويها.. وركبت رأسي الناشف: يا تسويها يا تروح بيتكم.. راح بيتهم، ووقع اختياري بعده على شاب لا يحمل مؤهلا جامعيا، ووجد اختياري له معارضة من جماعة شؤون الموظفين، ولكنني ركبت رأسي الناشف وأقنعتهم بأن يعطوه فرصة ثلاثة أشهر ليثبت خلالها وجوده او يفشل.. كان ذلك من منطلق اقتناعي التام بأن هناك من لا يحملون شهادات ذات أسماء «تجنن»، يملكون القدرات اللازمة لأداء مختلف الوظائف.. المهم ان ذلك الشاب لم يخيب ظني، وهو اليوم مدير تلك الإدارة باختصار: من تواضع لله رفعه، فلا تعتبر تكليفك بأعباء بسيطة أمرا يحط من قدرك، ومشوار الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة.
التعامل مع رؤساء أم وأس المعضلات التي يواجهها الشباب حديثو العهد بالحياة العملية، ولسوء الحظ فإن المديرين -إلا من رحم ربي- يتألفون من فصيلتين: المدير الذي يحسب ان حواء لم تنجب مثله ويعتقد ان الدنيا ستتوقف عن الدوران بدون جهوده،.. والمدير العصبي الموسوس بسبب عدم ثقته بنفسه.. مصادمة المديرين ليست دائما بطولة، وكثيرون يتحملون شطط المديرين حرصا على وظائفهم.. طبعا لكل شخص ذي كرامة خطوط حمراء لا يسمح لأحد، ولو كان أكبر مدير في العالم - وهو حاليا الأمين العام للأمم المتحدة- بتجاوزها.. ولكن لا مصلحة لك في الاصطدام بهاتين الفصيلتين من المديرين.. عندي قاعدة شخصية في مجال العمل: مهما كانت علاقتي بالرأس/المدير الكبير طيبة فإنني أحرص على تقليل الاحتكاك به.. وعندما انتقلت الشركة الكبيرة التي كنت فيها مديرا للعلاقات العامة الى مبنى جديد اختار لي المدير العام مكتبا ملاصقا لمكتبه، ولكنني نجحت في تخصيص ذلك المكتب لزميل آخر، فسألني المدير عما حدا بي إلى رفض المكتب الذي اختاره لي، فقلت له إنني أعمل بمقولة: أبعد عن المدير وغني له. (لحسن حظي كان رجلا بروح مرحة).