في بعض الاحيان يعتريني الشك في ثقافتنا الاجتماعية ثقافة مؤسسة على حب العنف والقسوة والتلذذ بايذاء الغير. فنحن في بعض الأحيان نتلذذ بالتفرج على الخصومات التي تنشب بين الناس ونتابع تطورها بمتعة بالغة، سواء كانت تلك الخصومات أدبية بين مفكرين أو عالمين، أو سياسية بين زعيمين أو دولتين، أو معركة دامية بين مراهقين في فناء المدرسة أو على قارعة الطريق، وفي بعض الأحيان تبلغ بنا نشوة الفرجة اقصاها فلا نملك ان نستمر في موقف المتفرج السلبي فنأخذ في التدخل عن طريق التشجيع والتصفيق لما نراه ضربات موفقة محكمة التسديد.
خطر هذا ببالي لما قرأت ثناء مفكر إسلامي معاصر على مفكر آخر فقال عنه أنه “ صاحب ردود على الملاحدة قوية ساحقة ماحقة” ولما اراد أن يوضح أكثر نوع تلك الردود الساحقة الماحقة قال: “والمقصود انه (تهكم) على الملاحدة و(سخر) منهم” ثم استمر يعرض بفيض من الاعجاب نماذج من أقوال مفكرين مشاهير آخرين تضمنت أقوالهم السخرية والتهكم من مخالفيهم، وانهى عبارته بان أورد مزهوا قول المأمون لاحد الزنادقة: “أنت تيس وأتيس منك من يصدقك”، ألخ ما جاء في كلامه من إعجاب بألفاظ التهكم والسخرية المتدفقة من أفواه المؤمنين لتسقط أحجار تحطم رؤوس الملاحدة.
هذا نموذج واحد من نماذج أخرى كثيرة مشابهة للأسلوب الممجد في الحوار مع الآخر، حيث يبرز الانتقاص من الآخر والسخرية منه كأدوات فاعلة في الحوار عند تناول أمور عقلية جادة. وذلك بدلا من البحث عن الأدلة المقنعة والحجج الدامغة، فالبعض يعد السخرية من الطرف المخالف والتهكم عليه والانتقاص منه، دليل قوة ونصر، يستحق الزهو به والمسرة له.
حين تمجد مفكرا فتثني على براعته في السخرية والتهكم من محاوره، أنت تقل من قدره ولا ترفع شأنه، فالسخرية لا تفحم محاورا ولا تلجم مجادلا، ولا أظن الانسان يحتاج ان يكون عبقريا كي يسخر من غيره.
فالبراعة ان تستطيع ان تجعل الطرف المخالف يفكر فيما تقول فيعيد النظر في ما عنده من افكار ومعتقدات في ضوء ما احدثته في ذهنه من تغيير، وهو ما لا يتحقق بالسخرية منه والتهكم عليه. فأسلوب السخرية والتهكم، وان اضفى البهجة على قلب مستخدمه والمائلين الى صفه هو لا يقنع المخالف، خاصة متى كان ذا قلب يبحث عما يخاطب الفكر والمنطق.
فاكس:4555382
أخبار ذات صلة