قبل ان يصدر سليمان الدخيل صحيفته (الرياض) كان قد سبقه الى العمل الصحفي في العراق عدد من النجديين الذين هاجر اجدادهم قبل اكثر من قرن واستوطنوا العراق كالثنيان والزهير وكان لهم دور رائد وبارز يجدر بنا ان نلقي الضوء على تلك البدايات.فعند البحث والاستقصاء وجدنا في مجلة الكاتب المصري مقالا مطولا حول الصحافة في العراق (الصحافة العراقية في العهد العثماني) بقلم رفائيل بطي، فبعد ان استعرض بدايات نشاة الصحافة في العراق على يد مدحت باشا الذي عين واليا لولاية بغداد عام 1869م، حيث استصحب معه جماعة من الرجال للعمل معه في جهاز حكومته الجديدة وكان من بينهم مدير مطبعة وصحافي ومهندس طباعة.. كان لا يعرف من الجرائد العربية سوى جريدة (الجوانب) لاحمد فارس الشدياق اللبناني التي تصدر في القسطنطينية وما عداها فباللغة التركية، فانشا الوالي مدحت باشا (ابو الاحرار) جريدة في بغداد اسماها (الزوراء) وصدر عددها الاول في 5 ربيع الاول سنة 1286هـ 15 حزيران 1869م. وتحرر باللغتين التركية والعربية وتبعتها جرائد مختلفة (رسمية) مثل (الموصل) و(البصرة) وكل منهما يصدر في المدينة نفسها المسماة بها.
وعندما صدر الدستور عام 1908م الذي رفع الحجر على الآراء وانطلقت الاقلام صدرت الصحف والمجلات بمختلف فئاتها حتى بلغت في بغداد وحدها خمساً وعشرين صحيفة، فجريدة (الرقيب) لمنشئها الحاج عبداللطيف (الثنيان) برزت في 28 (يناير) 1909م فكانت ثالث جريدة اهلية في هذه الديار. وقد كتب على صدرها انها جريدة عربية تركية قادمة لترقي الوطن بكمال الحرية.. صدرت مرة في الاسبوع ثم مرتين.. وتميزت باسلوبها الكتابي السهل وسلامة عبارتها ونقاء لغتها بالنسبة الى رصيفاتها. وهي اجرأ صحف وقتها واكثرها شعورا بالواجب، فاستطاع مؤسسها ان ينفذ خطة جريدته التي اعلنها في قوله: جعلنا خطة الرقيب حرة الى آخر درجة، تذكر المسيء وتقبح فعله، مهما كان شريفا عالما فاضلا غنيا، وتذكر المحسن وتقدر احسانه مهما كان خاملا فقيرا، بلا فرق بينهما، اذ بدون ذلك تذهب مزية المحسن ضحية عدم شهرته وغناه، وذلك مما يخالف العقل لان الحسنة وان كانت من بيت الاحسان فهي احسن، والسيئة سيئة وان كانت من بيت الشرف فهي اسوا.
اما الصحيفة الجليلة الخطر (عالية القدر) في الفيحاء فهي (الدستور) التي اسسها عبدالله بك الزهير في 22 (يناير) سنة 1912م فلما انتخب صاحبها عضوا في مجلس (المبعوثان) انتقل امتيازها الى الاستاذ عبدالوهاب الطباطبائي، ولما قامت الحرب العالمية الاولى عطلت الصحف وطورد الصحفيون ونفوا ومنهم الاستاذان ابراهيم صالح شكر منشئ مجلة (الرياحين) وعبداللطيف ثنيان صاحب (الرقيب) الى الموصل، وفر سليمان الدخيل صاحب (الرياض) الى نجد.
كما نشر الدكتور عبدالرحمن بن صالح الشبيلي مقالين في جريدة الجزيرة بعنوان (صفحات مجهولة في تاريخ الاعلام) اسرة الزهير السعودية تمتهن الصحافة خارج الوطن قبل تسعين عاما على ما نشره الشيخ حمد الجاسر عن سليمان الدخيل وقال فيه: اما منشا الاسرة اساسا. فان عائلة الزهير السعودية المعروفة في حريملاء التي هاجرت الى العراق واستوطنت في جنوبه منذ 200 عام حتى اصبح الكثير ينظر الى من هاجر منها واكتسب الجنسية العراقية، او ولد هناك على انهم اسرة عراقية. قد تعد اقدم في ممارسة الصحافة في خارج الوطن السعودي.. وذكر منهم احمد باشا الزهير، وعبدالله الزهير، وعثمان الزهير، وعبدالله الزهير.
وكان حمد باشا الزهير قد اسس جريدة (الدستور) في مدينة اسطنبول (القسطنطينية) في تركيا بتاريخ 9/9/1326هـ (الموافق 14/10/1908م) وكما ذكر انها كانت تصدر باربع لغات منها العربية، وذكر ان احمد باشا الزهير قد سبق سليمان الدخيل باكثر من عام.
وضمن استعراضه لبعض ابناء الزهير، ذكر ان عبدالله الزهير قد قام في 2/2/1330هـ (22/1/1912م) باصدار الطبعة العربية من جريدة (الدستور) العراقية التي صدرت في البصرة، وقد اختار لها هذا الاسم تيمناً برصيفتها السابقة.
وقال:«.. ان هذه الجريدة قد اجرت بعد اقل من عامين من صدورها (ذو القعدة 1331هـ، اكتوبر 1913م) مقابلة صحفية مع الملك عبدالعزيز بعد دخوله الاحساء، ويذكر خير الدين الزركلي ان الذي اجراها هو ابراهيم بن عبدالعزيز الدامغ - وهو من اهالي عنيزة المقيمين في العراق - الا ان الزركلي لا يذكر اين تمت المقابلة.
وما لم يثبت خلاف ذلك، فان الذي يغلب على ظني انها قد تكون اول مقابلة صحفية من نوعها تجرى مع الملك عبدالعزيز، حيث سبق نشرها صدور (ام القرى) باثني عشر عاماً.
ويقول محمد بن صالح العذل: ان الدامغ يجيد اللغة التركية وان الامام عبدالعزيز ارسله من الكويت في حدود عام 1325هـ مع والده صالح باشا العذل الى تركيا.
ويلخص المحامي والصحفي رجب بركات معلومات عن جريدة الدستور وعبدالله الزهير بالآتي:
1- كان عبدالله الزهير من عائلة بصرية ثرية امتهنت التجارة والعقار، وهو من رواد الصحافة الاوائل في البصرة، مارس الحياة السياسية، نائباً عن ولاية البصرة في مجلس (المبعوثان)العثماني، وعضواً في حزب الحرية والائتلاف، وكانت له مواقف اصلاحية وقومية.
2- كانت جريدة (الدستور) مصدراً مهماً من مصادر تاريخ البصرة في اواخر العهد العثماني، وهي جريدة اصلاحية سياسية، كانت لسان حزب الحرية والائتلاف في البصرة، وهي آخر جريدة بصرية صدرت في العهد العثماني.
4- كان عبدالله الزهير هو صاحبها ومديرها المسؤول، ثم اصبح عبدالوهاب الطبطائي مديرها المسؤول بعد العدد الرابع عشر، ثم تنازل الزهير للطبطبائي نهائياً عن الجريدة بعد العدد (64)، وقد توقفت عن الصدور بعد عددها (116).
5- وبعد ان تعرضت الجريدة للتعطيل. اصدر عبدالوهاب الطبطبائي جريدة اخرى تعد امتداداً للاولى، وهي جريدة (صدى الدستور). عثمان الزهير وعبدالله الزهير:
كما يشير كتاب (تاريخ الصحافة العربية) الى ان عثمان الزهير - الذي يرجح انه من الاسرة نفسها - كان ايضاً قد اصدر جريدة في بغداد باسم (المرقب) بتاريخ 30/2/1342هـ (الموافق 16/11/(1923م)، الا انه لا تتوفر معلومات مفصلة عنها.
كما يشير الكتاب نفسه، وكذلك الاستاذ رجب بركات الى سليمان الزهير الذي كان قد اشرف على صدور الطبعة العربية من الجريدة الصادرة بالانجليزية البصرة (بصورة تايمز BASRAH TIMES) وتسمي (الاوقات) وهي الترجمة الحرفية لكلمة (تايمز).
ويذكر عبدالرزاق الصانع وعبدالعزيز العلي في (امارة الزبير بين هجرتين) وهو يتحدث عن عائلة (الزهير) وتوليهم امارة الزبير فيقول:
كما ظهر في العائلة احمد باشا بن قاسم باشا الزهير هو الآخر احد المبعوثين العرب الذين مثلوا العراق في مجلس (المبعوثات) في الدولة العثمانية، وكان ينازعه في هذا المنصب السيد طالب النقيب. وكان الاثنان في تصارع لا يكادان يتواجدان في البصرة الا على مضض، كان احمد باشا ينتصر الى محمد بن براك العصيمي والى عجمي السعدون ويرفع قضاياهم الى المجلس في حين يقف السيد طالب ضدهما، وكان كل منهم يطمع في الامارة.
كانت هذه الاحداث تجري قبيل الحرب العالمية الاولى..
ونشر ايضا مقالا آخر في الجريدة نفسها بعنوان صفحات مطوية في تاريخ الاعلامي الصحفي العراقي (النجدي الاصل) (عبداللطيف الثنيان) والدكتور الشبيلي يعتمد على ما رواه فيليب دي طرازي في كتابه (تاريخ الصحافة العربية) من انه قد اصدر جريدة (الرقيب) في بغداد إبان العصر العثماني وحدد صدورالجريدة بتاريخ 28/1/1909م فهوبذلك التاريخ يأتي بعد احمد باشا الزهير الذي اصدر جريدة (الدستور) في اسطنبول بتاريخ 4/10/1908م ويأتي قبل سليمان الدخيل الذي اصدر جريدة (الرياض) البغدادية في 17/1/1910م وبالعودة الى كتاب (الذخائر الشرقية) لكوركيس عواد نجد انه يشير الى عبداللطيف الثنيان وان له هوامش وتصحيحات بخطه على كتاب (العقد المفصل في قبيلة المجد المؤثل) والكتاب يتكون من 700 صفحة، وقد طبع في بغداد سنة 1913م وفي الصفحة 352 نجده يذكر ان عبداللطيف قد صنع فهارس كتاب (طبقات الشافعية الكبرى) الذي طبع في القاهرة سنة 1324هـ من ستة اجزاء ويتكون من 212 صفحة.
وفي الصفحة 254 ذكر انه وضع فهارس كتاب (وفيات الاعيان) لابن خلكان وهي لم تطبع وتتكون من 324 صفحة، وهي مقابلة على النسخة المطبوعة في بولاق سنة 1257هـ. بالاضافة الى فهارس كتاب (الاغاني) للأصفهاني وقال في موضع آخر: انه قد اضاف الى فهارس كتاب الاغاني لابي الفرج الاصفهاني.. و(الفهارس) التي نصف مخطوطاتها الآن هي تلك المطبوعة، ولكن الحاج عبداللطيف ثنيان اصلحها واضاف اليها زيادات كثيرة تزيد على مقدار الاصل. وما صنعه عبداللطيف الثنيان كله بخطه، ولم يطبع 544 صفحة.
ونجده يكتب (بلغة العرب) للاب انستاس الكرملي عن الملا عثمان الموصلي، وكذا يذكر ان له كتابا لم يطبع وهو (قاموس العوام في دار السلام) قال انه راى نسخته بخط مؤلفه وكانت بحوزة ابنه السيد يحيى ثنيان وهي اليوم لدى السيدة لمعان البكري.واختتم كلامه بقوله: ثالثا-مجموعة الحاج عبداللطيف الثنيان. وعددها (11) مخطوطا اشتريت في سنة 1952م وقد توفي الاستاذ ثنيان سنة 1944م، وبيعت مكتبته بعد وفاته وكان فيها المخطوط والمطبوع ص41.
وقال عنه الزركلي: ابن ثنيان (1283-1363هـ/1867-1944م) عبداللطيف بن عبدالرحمن بن اسماعيل ال ثنيان، كاتب صحفي، نجدي الاصل من اهل بغداد مولدا ووفاة. اصدر فيها جريدة (الرقيب) في العهد العثماني، وعطلت فهرب الى الهند ومنها الى الآستانة ونفي في الحرب العالمية الاولى من بغداد الى الموصل ومنها الى (درسم) من ملحقات معمورة العزيز وقد عين بعد الحرب مديرا للاوقاف وانتخب نائبا مرتين.. الخ.
ويقول الشبيلي: وقد وجدت نبذة وافية عن سيرته، ضمنها كتابا بعنوان: اعلام اليقظة الفكرية في العراق الحديث الذي طبع في بغداد من قبل وزارة الاعلام العراقية، سنة 1971م، ثم اعادت مؤسسة الرافد في لندن طباعته في عام 1998م، ومؤلفه مير صبري، نقتطف منه المعلومات الآتية:(78-80):
-هو الصحفي والكاتب والاديب عبداللطيف بن اسماعيل بن ابراهيم بن سلمان بن عثمان بن عبدالله بن مراد بن مبارك بن عبدالله بن ثنيان، نزحت اسرته الى البصرة منذ اكثر من مائتي عام، وكان ابوه تاجرا وله قطع شعرية ونثرية تفرقت في بطون المجموعات الخطية.
-ولد عبداللطيف في بغداد في 22/3/1867م، وتوفي والده وهو صغير فكفله اخوه عبدالرحمن، واخذ علوم الدين والعربية على محمود شكري الالوسي وابن عمه علي علاء الدين الالوسي، ومع انه انصرف الى مهنة اسرته في التجارة، الا انه مال الى الادب والكتابة فحرر المقالات الوطنية والاجتماعية واللغوية منذ سنة 1890م، وانشا سنة 1902م مكتبة تجلب المطبوعات المصرية والتركية وتبيعها.
-وفي اثر اعلان الدستور العثماني سنة 1908م اصدر جريدة (الرقيب) في بغداد، مرة في الاسبوع في البداية، ثم مرتين، وكانت تضم قسما باللغة التركية.
-قال عنها روفائيل بطي احد ابرز مؤرخي الصحافة في العراق: انها تميزت بسلاسة العبارة ونقاء اللغة، وكانت من اجرأ صحف زمانها ومن اكثرها شعورا بالواجب، لكنه اضطر الى تعطيل جريدته في 14/10/1910م اشفاقا من نقمة الحكومة، وقد خرج من العراق الى الهند، ثم قصد الحجاز لتأدية فريضة الحج سنة 1911م ثم عاد الى بغداد بعد زيارة مصر وتركيا.
-واعتقل في 10/10/1915م (بعد نشوب الحرب العالمية الاولى)، وابعد الى الموصل منفيا، لكنه اعيد بعد العفو عنه في 5/4/1916م، ثم ابعده الانجليز الى الفاو (جنوب البصرة) ثم عاد الى بغداد ليوكل اليه تنظيم المكتبة العامة في بداية افتتاحها، وفي 18/6/1923م عين مديرا لادارة الاوقاف.
-وفي عام 1934م انتخب نائبا عن لواء ديالي، ثم صار يلقي المحاضرات في دار العلوم العربية، ثم انتخب نائبا عن لواء بغداد في عام 1939م، وقد توفي في بغداد في 21/4/1944م عن عمر يقارب الثمانين.
وذكر ايضا: وقد تعرض الاستاذ الثنيان لما يتعرض له الصحفي الحر والكاتب الجريء من تهجم ذوي الاقلام المأجورة والصحف المرتزقة، كما حصلت بينه وبين الوالي مشادة، جرته الى القضاء واتخذ لها من لا ضمير لهم اساليب منكرة في التضييق عليه، ولم يكن هو يبالي بهذه العقبات، فبقيت جريدته تحمل علم السبق في النقد الصريح.
وقد كتب عنه ايضا كل من المؤرخ عباس العزاوي، وكوركيس عواد، وخير العمري (لكن الاخير اخطا في سنة صدور الجريدة، حيث ظن انها صدرت عام 1325هـ ) وتضمنت موسوعة إعلام العراق في القرن العشرين (تاليف حميد المطبعي، وزارة الثقافة والاعلام العراقية 1996م) معلومات موجزة عنه مع صورة تخطيطية له، لكن الباحث والدبلوماسي العراقي المعروف نجدة فتحي صفوة المقيم في لندن، اتحف هذا البحث بصورة اخرى افضل، استخرجها الفنان العراقي ناظم رمزي، المتهم بالطباعة والتصوير، من صورة جماعية صغيرة.
كما دلني مشكورا على سهى عبدالله عبدالرحمن بن ثنيان، المقيمة مع زوجها نظام رمزي في لندن وعلى اخيها مؤيد وابنائه المقيمين في الدمام، الذين استردوا الجنسية السعودية في مطلع السبعينات الميلادية.
ويستفاد من افادات مؤيد وسهى انهما احفاد عبدالرحمن بن ثنيان (شقيق عبداللطيف) وان عبداللطيف خلف ابنين هما عمر ويحيى (صاحب مطبعة ثنيان في بغداد) اللذين خلفا بنات يقمن في العراق حاليا، كما ذكرا بان الاسرة صغيرة وان اصلها من الدرعية.