اسمه (رضا) لكنه لم يكن راضياً عن وضعه كموظف بسيط في هيئة النظافة.. ففكر ملياً في إيجاد عمل اضافي يلحقه بأهل الثراء.. وكانت الشعوذة مفتاحه السحري لاستقطاب البسطاء حيث روّج بذكاء عن قدرات خارقة زعم أنه يمتلكها في علاج الأمراض المستعصية وحل المشاكل العائلية المزمنة مفجراً أكذوبة من العيار الثقيل زعم فيها صلاته الوثيقة بالجن وأن العفاريت اختاروه سفيراً معتمداً لهم لدى الإنس.
بعد أن أوهم ضحاياه بأنه يستطيع التوسط لدى الجن لحل مشاكلهم ذاع صيته وتوافد عليه أصحاب الحاجات وأصبح لقب «السفير» اسماً حصرياً لذلك الدجال.
ولحمل الناس على تصديقه.. تعامل معهم بدهاء شديد بحيث لا ينقطع الأمل لديهم في حل مشاكلهم وبالتالي لا تنقطع الهدايا والنقود التي كان يطلبها باسم الأسياد الوهميين.. لكنه وقع في خطأ قاتل نتيجة للطمع كشف قناعه وأسقط أسطورة سفير الجن.
الفتاة الهاربة
حدث ذلك عندما حضر إليه أحد سكان قرية تابعة لمركز أوسيم بالجيزة يستنجد به للعثور على ابنته التي هربت من المنزل.. استقبله سفير الجن (47 عاماً) بنظرات صارمة وطالبه بأن يلتزم الأدب في حضوره.
بروتوكولات شيطانية
ابتلع والد الفتاة الهاربة غصة قبل ان يتقدم خطوة تجاه «السفير» ويقبل يده وفقاً لمقتضيات «البروتوكول» من آداب زيارة سفير الجن الذي يرفض ان يطلقوا عليه «الشيخ»، ويشدد دائماً على أن للسفراء بروتوكولاً ينبغي اتباعه عند المقابلات.
وحسب هذه المراسم «الجنية» يتراجع الزائر إلى الخلف ومن ثم يجلس على «كرسي الطلبات» في ركن الغرفة ويظل صامتاً حتى يسمح له السفير الشيطاني بالكلام المباح.
كان والد الفتاة على علم بهذه البروتوكولات من خلال معرفته بآخرين ارتادوا هذا المكان لكن قلقه وخوفه على مصير ابنته الهاربة شغله عن البروتوكول لذا اعتذر للسفير مضطرباً وهو يقبل يده ثم توجه إلى «كرسي الطلبات» لم يتركه السفير الدجال ينتظر طويلاً حيث سأله على الفور بصوت وقور «ماهي مشكلتك» كانت نبرة صوته توحي بأنه جاهز لتلبية أي طلب يتقدم به.
هنا بدأ والد الفتاة المفقودة يروي قصة اختفائها فقال: قبل بضعة أشهر بدأت ابنتي تفتعل المشاجرات مع كل أفراد أسرتها.. لم تكن راضية عن حياة الفقر التي كانت تعيشها.. وكانت تهددهم بالهروب من المنزل لتبحث عن أي عمل لتشتري ملابس ومجوهرات وتحيا حياة المرفهين التي تحلم بها وبصراحة يا سيادة السفير لم نأخذ تهديداتها بجدية حتى فاجأتنا بتنفيذها.. فقد استيقظت ذات صباح فلم أجدها.. هربت بعد أن سرقت بضعة جنيهات من جيبي.
وأشار بعض الاصدقاء إلى أنها مسحورة «معمول لها عمل» وان عليّ الذهاب لمقابلة سيادتكم لتخليصها من هذا العمل حتى تعود إلينا سالمة.
10 آلاف مقابل تميمة
وافق السفير المزعوم على مساعدته لكنه اشترط ان يدفع له والد الفتاة مبلغ 10 آلاف جنيه قبل ان يعيد إليه ابنته.. بكى طويلاً عندما سمع هذا الشرط لأنه لا يملك مبلغاً كهذا وقال انه رجل فقير يستحيل عليه الحصول على هذا المبلغ.. لم يرق قلب السفير للأب الفقير بل طرده من غرفته وان لا يعود حتى يحضره عاجلاً حتى يتمكن من اجراء اتصالاته مع أصدقائه الجن ليقوموا بدورهم بالبحث عن الفتاة الهاربة.
ورغم غطرسة السفير وتحجر قلبه هرع والد الفتاة للاقتراض من أصدقائه ومعارفه ثم باع أثاث منزله ولم يترك سريراً ينام عليه صغاره وبعد أن استكمل المبلغ سارع إلى السفير وسلمه إياه ومقابل ذلك استلم «تميمة» من الدجال الذي أمره بوضعها في جيبه وعدم التفريط وأن يعود إليه بعد أسبوع.. نفذ الرجل الساذج تعليمات الدجال بحذافيرها وبعد أسبوع راجعه في غرفته حيث وجده جالساً وسط دخان كثيف فسأله بلهفة المشفق على ابنته.. آمل يا سيادة السفير أن تكونوا عثرتم على ابنتي.. وبصوت وقور أيضاً طلب منه السفير ان ينتظر أسبوعاً آخر.
معالم النصب
تناسلت الوعود والاسابيع حتى مرت ثلاثة أشهر دون أن يجد لابنته أثراً عندها بدأ يشعر بالقلق على مصيرها وساورته الشكوك حول القدرات المزعومة لهذا السفير لكنه لم يجرؤ على مواجهته أو إظهار شكوكه حتى راجعه يوماً ليكتشف أنه ترك المنزل.. وانتقل إلى مكان آخر وعندها سأل الجيران عنه اخبروه بأنهم مع مرور الوقت اتضح لهم ان السفير الشيطاني نصاب محترف خدعهم وجمع منهم اموالاً طائلة مقابل حل مشاكلهم لكنه اختفى بعد ان سلبهم مدخراتهم وتركهم في وضع اسوأ مما كانوا فيه.. وعندما طالبوه بأموالهم هرب واختفى عن الانظار تماماً ولم يعثروا له على أثر.
اللجوء إلى الشرطة
الصدمة شلت تفكيره.. فقد تكاثرت عليه المصائب فبعد أن كان يبحث عن ابنته الهاربة أصبح متورطاً في الديون.. ولم يجد أمامه سوى التوجه لقسم شرطة أوسيم بمحافظة الجيزة حيث سجل بلاغاً ضد سفير الجن.
وتوالت البلاغات على القسم من الأهالي وما حولها من القرى.. وراجت شائعات بأن النصاب جمع مئات الآلاف من الجنيهات وهرب بعيداً عن المحافظة لكن تحريات المباحث كشفت أنه كان أذكى من الجميع وقرر الاختباء في مكان مجهول داخل قرية أوسيم.. كثفت المباحث تحرياتها حتى توصلت إلى أحد أتباعه الذي يعرف مكان اختبائه ويتردد عليه باستمرار ليوافيه بالأخبار.. تم القبض عليه واستجوبه رجال المباحث الذين فوجئوا بأنه يعرف مكانه لكنه لا يستطيع كما يقول افشاء هذا السر خوفاً من السفير الذي هدده بأن اصدقاءه الجن لن يتركوه هو وأسرته إذا أخبر أحداً بمكان وجوده.
عقاب العفاريت
هدده رجال المباحث بأن التستر على متهم هارب جريمة يعاقب عليها القانون لكنه بكى مردداً «السجن أهون عليّ من عقاب العفاريت».
ايقن رجال المباحث باستحالة اقناعه بالافصاح عن مكان السفير الدجال فتركوه حراً تحت مراقبة خفية حتى لا يشعر بأن هناك من يتابعه وفي أول خطأ ارتكبه حيث قام بزيارة السفير في مخبئه داهمهما رجال المباحث وألقوا القبض على السفير الهارب الذي حاول عبثاً تهديدهم قائلا «إياكم ان تلقوا القبض عليّ.. أنا مخاوي وممكن اجننكم كلكم».
بالطبع لم يلتفت رجال الأمن لتهديداته وقبضوا عليه وتمت إحالته إلى النيابة العامة للتحقيق.
مخاوي ملك الجن
«عكاظ» التقت والد الفتاة.. وسألته عن إبلاغه للشرطة بعد ان خدعه السفير ولماذا لم يبادر باختصار الطريق إلى البلاغ قبل ان يتورط مع النصاب فقال خوفي على ابنتي كاد ان يصيبني بالجنون فقد مرضت والدتها ونصحني الجيران بالذهاب إلى السفير رضا الذي اشتهر بين الأهالي بأنه مخاوي أحد ملوك الجن الذي عينه سفيراً للبشر في عالم الجن وهناك عشرات القصص على قدراته الخارقة منها قصة المرأة العقيم التي حبلت بعد ان أعطاها بخوراً وكذا قصة المرأة التي كانت تريد خلع زوجها الذي يهينها ويضربها ويرفض تطليقها وعندما ذهبت إلى السفير تلتمس الحل أعطاها «تميمة» وطلب منها كما يقول السذج القيام بطقوس معينة وما أن انتهت منها حتى فوجئت بزوجها يلقي عليها الطلاق بحضور مأذون جاء بصحبته.
بعدها سرد عدد من الحضور قصصاً خرافية أخرى حول قدرات المقبوض عليه التي فشلت في حمايته من السقوط في يد العدالة.
أما السفير رضا فلم يتخل عن مزاعمه حتى وهو في قبضة الشرطة حيث همس إليّ بأن أخبر رجال الأمن باطلاق سراحه وإلا فإنه سيسلط عليهم لعنة الجن.
كنت في غنى عن الدخول في عالم الأوهام الذي يتلبسه فقد كان حاله يغني عن سؤاله فغيرت مجرى الحديث متسائلاً عن ما يقال من انه موظف باحدى الهيئات.
فقال نعم انا موظف في هيئة النظافة العامة صباحاً وفي المساء أقوم بمهام وظيفتي كسفير للإنس في مملكة الجن.
ومن الذي عينك في هذا المنصب الهام؟
- ملك الجن بنفسه.. فأنا مخاويه وعلاقتنا على أفضل ما يكون.
تمت إحالة الدجال إلى النيابة العامة التي قررت حبسه لأربعة أيام على ذمة التحقيق ومن ثم احيل إلى محكمة الرواق الجزئية للمحاكمة وبالطبع لم تتحقق أي من تهديداته الجوفاء.
كشفه بلاغ الفتاة الهاربة مختبئاً في «أوسيم»
مباحث الإنس تطيح بسفير الجن في الجيزة
1 أغسطس 2007 - 21:31
|
آخر تحديث 1 أغسطس 2007 - 21:31
تابع قناة عكاظ على الواتساب
حسين عبدالقادر (القاهرة)