هذه الطريق الموحشة الوعرة التي كدنا أن نلقى حتفنا فيها مرتين.. التي شقينا فيها أيما شقاء.. لطالما شكلت أملاً لكل أبناء الخرخير.. ولطالما راود إنجازها كل أحلامهم.. فهي سبيلهم الوحيدة للتواصل مع العالم.. وللوصول إلى الصحة.. وإلى التعليم.. وإلى الأسواق.. وإلى عناصر حياة لا يعرفونها وربما بعضهم لم يرها يوماً.. خاصة بعد أن ذهب المطار الذي كان يربطهم بالعالم وبقية مدن المملكة عبر طائرة السلاح (C130)، إلى الاشقاء اليمنيين بعد ترسيم الحدود الدولية بين السعودية واليمن وظلوا بدون مطار منذ ما يزيد على 4 سنوات. جميع من التقيناهم في الخرخير.. كان الطريق هاجسهم الأكبر.. وإنجازه الذي يقولون أنه لن تنتهي الأعمال فيه قبل خمس سنوات من الآن.. فالجزء الأول من شرورة وحتى «المحطة» 220 كيلو مترا تم سفلتتها في أربع سنوات ولم تنته بالكامل حتى الآن.. والجزء المتبقي 380 كيلو متراً.. ولكنهم جميعاً لا يمانعون الانتظار.. المهم أن تنتهي.. والأهم أن يسمح لهم بالسير عليها!.
الحلم الكسيح
نعم.. لا تستغربوا.. فالأهم عند كل أبناء الخرخير أن يسمح لهم بالسير على الطريق بعد الانتهاء من سفلتتها.. وجميعهم يحلمون بانتهائها إلا أنه حلم كسيح.. فبعد أن رفضت وزارة المواصلات أن تقوم بإنشاء الطريق وسفلتته، تصدت القيادة العامة لحرس الحدود للمهمة الجسيمة وباشرت تنفيذ الطريق ومازالت تعمل على ذلك.. وجميعهم لديهم قناعة كاملة بأن هذا الطريق مخصص لحرس الحدود فقط، ولن يسمح لأهالي الخرخير باستخدامه، وعندما قابلت المقدم سعد الصاعدي «أثناء القبض علينا» مدير مركز حرس الحدود بأم الملح سألته عن صحة ما يعتقده أهالي الخرخير. وهل صحيح أنهم سيحرمون من استخدام الطريق؟
«تبسم» وهز رأسه قائلا: يا أخي صحيح أن حرس الحدود هي التي تبنت المشروع، ولكن خير هذه البلاد لكل أهلها، سيستخدمه حرس الحدود لحماية حدود الوطن، وحماية المواطنين الذين يسافرون عليه. هذه كلها شائعات سرت بعد أن اعتذرت وزارة المواصلات عن تنفيذ المشروع وتبناه حرس الحدود. طمئنوهم ان الطريق للجميع والوطن وخيراته للجميع.
ولكثرة ما سمعته عن هذه الطريق.. ولصعوبة التجربة التي مررنا بها خلالها.. ولما ستقرأونه في الحلقات القادمة من معاناة تسببت بها لأهالي الخرخير.. كان لابد أن نواجه بها مسؤولاً يعرف ما يدور في كواليس صانعي القرار حولها.. وحول كل المعاناة التي تسببت بها للمواطنين هناك في قلب الصحراء.
فحدثنا عنها واحد من أكثر المسؤولين شفافية وصدقاً الذين التقيتهم يوماً.

الطريق أولاً
المهندس سعد بن فايز الشهري أمين منطقة نجران يؤكد على أن أهم ما يحتاجه بدو صحراء الربع الخالي الذين يعيشون في المحافظات أو القرى أو التجمعات السكانية البعيدة هو الطريق في المقام الأول التي بعدها يمكن أن تتوفر لهم بقية الخدمات بسهولة، لكل المناطق النائية في الصحراء.
ويضيف: شرورة محافظة تحظى باهتمام كبير وبها مطار والخدمات متوفرة فيها، ولا تبعد سوى 300 كيلو متر عن نجران عبر طريق مسفلت ولكن المشكلة في المناطق الأخرى كالخرخير «لاقار.. ولا عمار».

نقل الخرخير
وعند السؤال عن الموعد المتوقع لاستكمال أشغال الطريق الاسفلتي الواصل بين شرورة والخرخير أكد المهندس الشهري لـ «عكاظ» أن هناك توجهاً لدى الدولة لتغيير موقع محافظة الخرخير قريباً من موقعها الحالي إلى موقع آخر يكون أقرب إلى النطاق العمراني للمدن لتتمكن الدولة من توفير الخدمات الكاملة لهم بسهولة وتخفيف المعاناة عنهم، التي فرضتها طبيعة الموقع الجغرافي لها في عمق الصحراء.

التنمية مستحيلة
وأكد الشهري على أن حل مشاكل سكان الخرخير في موقعهم الحالي أمر أشبه بالمستحيل، مشيراً إلى أن أي محاولات أو جهود يمكن أن تبذل هناك مهما وفر لها من امكانيات وميزانيات وآليات، فإنها لن تتمكن من تغيير الوضع الصعب القائم هناك، ولن تفلح كل الجهود التي قد تبذل في قهر الطبيعة القاسية هناك.

لماذا النقل؟
وأشار أمين منطقة نجران إلى أن المواطنين الذين يعيشون في الخرخير يعيشون معاناة حقيقية ولابد من معالجة أوضاعهم ونقلهم عاجلاً، وأكد على أن أي مشاريع تنموية هناك سيحكم عليها بالفشل ولا شك، فبالإضافة إلى توسطها بين كثبان رملية هائلة، تفتقر المحافظة إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة، والناس هناك بلا ماء، والزراعة غير ممكنة في تلك البيئة الصحراوية الجافة، ودرجات الحرارة العالية التي تصل إلى 70 درجة مئوية ولكم أن تتخيلوا أنه حتى الضب لا يستطيع العيش في هذه البيئة القاسية والصعبة وهذه الحرارة المرتفعة التي تذيب حتى «القار» الذي ينخفض تحت عجلات الشاحنات في الصيف.
ويضيف: ولذلك فكرت الدولة في نقل المحافظة بالكامل، خاصة بعد انتهاء ترسيم الحدود السعودية مع اليمن الشقيق. وتجري الآن دراسة حقيقية لنقل كامل المجموعة التي تعيش هناك إلى بيئة جديدة يمكن أن يعيش فيها البشر، ويمكن أن تقدم لهم كافة المشاريع التنموية والخدمية بشكل أفضل.