في إحدى ليالي شتاء ديسمبر القارسة، خرج حمزة ذو الـ 23 عاماً من شقته في «نورث أفينيو» وسط مدينة ساسكاتون بمقاطعة ساسكشوان الكندية، وذهب في ذلك المساء الحالك إلى وجهة غير معلومة، تاركاً خلفه بعض متعلقاته الشخصية المهمة من بينها جواز السفر والمحفظة والبطاقات البنكية وهاتفه الخلوي، ودون سابق إنذار ولا مسببات، خرج ولم يعد، دون أن يترك أثراً له.
لقد مضى قرابة خمسة أعوام على حادثة الاختفاء الغامض لطالب الهندسة الكيميائية في جامعة ساسكشوان بجنوب كندا، المبتعث السعودي حمزة نائل الشريف، الذي خرج من مقر سكنه في الرابع عشر من ديسمبر من العام 2011م، واختفى من الوجود دون أن يترك له أثراً أو ما يدل على مصيره منذ ذلك الحين، وكأنما انشقت «الأرض وابتلعته» بحسب وصف شقيقته ليلى التي كانت تدرس الطب بإحدى الجامعات الكندية في ذلك الوقت، ليصبح اختفاؤه لغزاً محيراً وضمن أكثر حوادث المبتعثين في الخارج غموضاً.
بعد أيام معدودة من إعلان اختفائه في 2011، ذكرت شقيقته ليلى الشريف، التي كانت تقيم آنذاك بمدينة واترلو، في مقاطعة أونتاريو بالجنوب الكندي وتبعد أكثر من ساعتين طيرانا عن ساسكاتون التي يسكنها 220 ألف نسمة، أنها انتقلت إلى المدينة لمتابعة التحقيقات، وأكدت حينها أن الجهات المعنية لم تعثر ولو على مجرد خيط يكشف عما حل بشقيقها الأصغر حمزة.
وروت ليلى، التي كانت حينذاك مبتعثة من جامعة الملك عبد العزيز لدراسة الدكتوراه في مجال الرياضيات التطبيقية بجامعة واترلو، أنها اتفقت مع شقيقها قبل يومين من اختفائه أن يزورها بعد 6 أيام ليمضي معها العطلة حتى نهاية العام، ولكن حادثة اختفائه جعلتها تترك كل شيء وتغادر إلى مدينة ساسكاتون للبحث عن شقيقها.
وتحدثت عن اختفائه، موضحة أن حمزة كان يجري اختباراته النهائية للسنة الثالثة من دراسته وتبقى أمامه عام واحد على التخرج، وأنه في ذلك الوقت أنهى أول يوم من الاختبارات النهائية، ثم اختفى قبل 24 ساعة من اليوم الثاني للاختبارات.

حمزة وأسرته
كان حمزة الشريف طالباً مبتعثاً من شركة سابك لدراسة البكالوريوس في مجال الهندسة الكيميائية بجامعة ساسكاتون، وعائلته التي تعود أصولها لمدينة مكة المكرمة تقيم في حي المنار بجدة، ولديه أربع شقيقات، اثنتان منهن يعملن في مجال الطب، وشقيقته ليلى أستاذة جامعية.
أما والده، نائل الشريف، فمتخرج بإدارة الأعمال في ألمانيا، وهو متقاعد من عمله السابق إذ كان يدير أملاكا عقارية للعائلة بجدة ومكة المكرمة، ويعاني من بعض المشكلات الصحية بعد أن خضع قبل عدة أعوام لعملية تغيير شرايين بالقلب، مما جعل تبعات اختفاء ابنه حمزة بالغ التأثير على صحته، أما والدة حمزة فهي ربة منزل.

سيناريوهات الاختفاء
عندما اقتحمت الشرطة شقة المبتعث السعودي منتصف ديسمبر من العام 2011، لم تجد دليلاً على حدوث جريمة، حيث وجدوا غالبية متعلقاته الشخصية، كما لم يتم سحب أي أموال من حسابه الشخصي منذ اختفائه، ولكن وجد هاتفه الخلوي خالياً من الشريحة، وذلك بحسب إفادة رئيس نادي الطلبة السعوديين في مدينة ريجيانا عاصمة مقاطعة ساسكاتشوان آنذاك المبتعث أحمد المباركي.
وبعد مضي أسبوع على اختفائه طرح عدد من الاحتمالات حول أسباب الاختفاء، إذ أشار البعض إلى احتمال اختطافه أو تعرضه لهجمة دب مفترس خصوصا أن الدببة البرية منتشرة في الغابات المحيطة بالمدينة، وهناك من ربط بين حادثة الاختفاء واعتقال المبتعث خالد الدوسري في الولايات المتحدة المحكوم بالمؤبد على خلفية اتهامه بمحاولة امتلاك أسلحة دمار شامل، خصوصا أن الأخير ابتعث أيضاً من قبل شركة سابك وفي الفترة نفسها ومجال التخصص نفسه مع المبتعث حمزة.
وكان الاحتمال السائد لدى السلطات الأمنية وأيضاً محامي السفارة السعودية في كندا غار كنوتسن، أن الشريف ربما سقط في النهر أثناء تجوله، وخصوصا بعد إفادة شقيقته ليلى بأنه يهوى رياضة المشي «واعتاد ممارستها على الطبيعة، خصوصا قرب مجاري الأنهار»، على حد قولها.
ولكن سرعان ما تبددت أغلب تلك الاحتمالات، إذ استبعدت فرضية تعرضه لاختطاف نظراً لعدم وجود دليل على حدوث سرقة ولم يطالب أحد بفدية، كما استبعد أيضاً رئيس نادي الطلبة السعوديين في مدينة ساسكاتون في ذلك الوقت المبتعث بندر باوزير، احتمالية تعرض المبتعث الشريف لهجمة دب مفترس، نظراً لبعد الغابات عن المدينة ومن النادر مهاجمة الدببة للبشر داخل حدود المدن، خصوصا أن مقاطعة ساسكشوان بأكملها لم تشهد سوى حادثتي اعتداء على البشر من قبل الدببة السوداء على ثمانية عقود، وجميعها وقعت خارج نطاق المدن، كما استبعد المسؤولون في السفارة السعودية في كندا وجود أي علاقة بين حالة اختفاء حمزة واعتقال المبتعث خالد الدوسري في الولايات المتحدة.
كما قامت السلطات الكندية بتمشيط جنوب نهر ساسكاتون، وتم استدعاء فرق إضافية لتوسيع نطاق البحث إلى شمال المدينة، وشارك في عملية البحث أكثر من 50 باحثاً وفرق إنقاذ من أنحاء المدينة، إلى جانب مشاركة البحرية الكندية، وخاصة في المواقع التي يصعب الوصول إليها في نهر ساسكاتون وبعض المواقع التي تتجمع فيها مياه السيول، ولم يتم العثور على ما يؤكد سقوطه بالنهر أو يدل على ذلك.
ولذلك عجَّل استبعاد غالبية الاحتمالات حول سبب اختفاء حمزة الشريف في تحويل حالته من جنائية إلى «شخص مفقود»، وهي الحالة المعرَّفة قانونياً بأنها تعود لأي شخص اختفى لأسباب مجهولة، وبناء على ذلك، تم توزيع صوره ومواصفاته في جميع أرجاء المدينة والمناطق المجاورة والمواقع الإلكترونية المتعلقة بالمفقودين، بالإضافة إلى إدراجه أيضاً ضمن قوائم «الأطفال المفقودين» بغرض الحصول على قدر أكبر من الانتشار، وبالتالي انضمت حالته لقائمة عريضة تضم أكثر من 60 ألفا و582 طفلاً مفقوداً في كندا خلال العشر سنوات التي سبقت اختفاءه، وذلك بحسب ما أشير إليه في إحصائيات أقسام الشرطة الكندية.
انتشار الجريمة في ساسكاتون
كان من الأمور التي لم يتعرّض لها أحد عبر وسائل الإعلام حول حادثة اختفاء المبتعث حمزة الشريف، هي طبيعة الحياة في مدينة ساسكاتون، التي صنفت آنذاك على أنها ثالث أخطر مدن كندا من حيث معدلات الجريمة والأكثر خطورة في جرائم الاعتداء العنيف على الأفراد (Aggravated Assault) بمعدل ضحية لكل 2.797 شخص بحسب إحصائية رسمية صادرة في 15 ديسمبر 2011، وهي الفترة التي اختفى فيها المبتعث الشريف.
وقد أشار كليف ويغل القائد العام لشرطة ساسكاتون في ديسمبر 2010 إلى أن أكثر من نصف الجرائم في مدينته تتسبب فيها العصابات المنتشرة في أرجاء المدينة، والتي تمارس أنشطة السرقات وتجارة المخدرات، وأضاف بأن خمسا من كل عشر جرائم عادة ما تتسبب فيها هذه العصابات وأن هناك تصاعدا مستمرا في الجرائم التي ترتكبها، وعلى الرغم من أن مستوى الجريمة انخفض قليلاً خلال السنوات الماضية في أرجاء كندا إلا أن مقاطعة ساسكاشوان ظلت تشهد تزايداً في نسبة الجرائم.
وفي شهر يوليو من العام الماضي 2015، صرح ويغل مجدداً بأن الجرائم في ساسكاتون ارتفعت 14% لتتصدر مدن كندا في معدلات الجريمة، كاشفاً أن الأسباب في ارتفاع هذه المعدلات يعود إلى إدمان المخدرات والفقر.

شرطة ساسكاتون وادعاءات «جولات النجوم»
بعد انقضاء قرابة الشهرين على حادثة اختفاء «حمزة» دون جدوى للجهود المضنية في العثور عليه توسع البعض في فتح باب الاحتمالات حول أسباب الاختفاء الغامض، ولفت الانتباه إلى وجود سلسلة مستمرة من الادعاءات والاتهامات والقضايا ضد شرطة مدينة ساسكاتون بالتحديد؛ دونًا عن باقي أقسام الشرطة في أرجاء كندا، إذ تم اتهامها بشكل مستمر من قِبل سكان المدينة منذ عام 1990م وحتى اللحظة بتهمة خصّت واشتهرت بها شرطة مدينة ساسكاتون وحدها، وباتت تعرف بمسمى «Starlight Tours» أو «جولات النجوم»، وهو مصطلح ادعائي يستخدم لوصف ممارسات غير قانونية تقوم بها الشرطة في تلك المدينة بالتقاط الأفراد -غالبًا من طبقة السكان الأصليين من الهنود الحمر- من قلب المدينة واقتيادهم إلى المناطق الريفية النائية وتركهم هناك، بغض النظر عن درجات الحرارة المنخفضة، وقد اتخذت هذه الممارسة مكاناً داخل وحول ساسكاتون بالتحديد، وتم تفسير ذلك من قِبل العديد من المختصين هناك بأنه عبارة عن محاولات تأديبية ضد مخالفي القوانين، بالإضافة إلى الرغبة في التخلص من صداع إجراءات الحجز الروتينية في أقسام الشرطة.
وفي نوفمبر 1990م تم العثور على الشاب «نيل ستونشايلد» (17 عامًا) جثة متجمدة في أحد الحقول النائية خارج ساسكاتون بعد بضعة أيام من شهادة صديقه «جايسون» الذي روى بأن الشرطة احتجزت «ستونشايلد» في مركبتها وهو مضرّج بدمائه ويصرخ طالباً الاستغاثة ثم اختفى، وذلك بحسب ما نقلته قناة «سي بي سي» الإخبارية في أحد تقاريرها خلال نوفمبر 2005 عن هذه القضية، وذُكر ضمن التقرير بأن شرطة ساسكاتون فُرض عليها الدفاع عن نفسها في السنوات الأخيرة بسبب مزاعم «جولات النجوم» بعد اكتشاف عدد من الجثث المتجمدة في مناطق نائية من المدينة في السنوات الأخيرة، وفي العام 2000 حشدت مظاهرات ضخمة في ساسكاتون متهمة الشرطة بأفعال عنصرية، وطالبوا بفتح تحقيق موسع حول ما جرى للشاب «نيل ستونشايلد»، وشابين آخرين هما «لورانس واغنر ورودني نايستوس»، إذ اكتشفت جثتاهما متجمدتين بالقرب من محطة توليد كهرباء، وهو ما دفع شرطة الخيالة الكندية الملكية RCMP إلى فتح أكبر تحقيق موسع مع شرطة ساسكاتون، ولكن لم تثبت أي إدانة في ذلك الوقت.
وفي سبتمبر 2001 تم رصد أول إدانة رسمية بحق اثنين من أفراد شرطة ساسكاتون وهما «دان هاتشين» و«كين منسون» بعد أن اعتقلا أحد السكان الأصليين ويدعى «داريل نايت» ثم تركوه على مشارف ساسكاتون في إحدى ليالي شهر يناير القارسة، ولكنه استطاع العودة إلى منزله ثم أبلغ الجهات المختصة عن الشرطيين اللذين أدينا لاحقًا بتهمة الاحتجاز غير المشروع وحكم عليهما بالسجن 8 أشهر.
وفي 12 مايو 2000م، تقدم رود وايلينغ، وهو من السكان الأصليين، بادعاءات خطيرة ضد شرطة ساسكاتون، متهماً اثنين من رجال شرطة مدينة ساسكاتون باقتياده إلى النهر ومحاولة إغراقه هناك في العام 1997.
وأوضح وايلينغ في لقاء تلفزيوني على إحدى القنوات المحلية في كندا، بأنه لم يبلغ عن قصته حينها؛ لأنه أعتقد أن لا أحد سوف يصدقه، ولكنه قرر الحديث عن ما تعرض له بعد الجدية التي اتخذتها الأجهزة الرسمية في التحقيق مع أفراد الشرطة الذين ضلعوا في قضية «داريل نايت».
وفي 2003 أقر أحد رؤساء شرطة ساسكاتون السابقين «رسل سابو» بأن هناك احتمالات ضلوع بعض عناصر من شرطة ساسكاتون لسنوات في استخدام أسلوب «جولات النجوم» مع السكان الأصليين على وجه التحديد، وفي يوليو 2004 أعد «مارفين براس» تقريرًا نشرته مجلة ناشيونال سجل فيه أكثر من 76 حالة يتوقع بأنها مورست بحقها ما أطلق عليه: «جولات النجوم».
لذلك.. من الممكن أن هناك تشابهًا جزئيًا بين اختفاء حمزة الشريف وبعض من الحالات المتعلقة بـِ «جولات النجوم»؛ لأن فترات الاختفاء المتعلقة بها تتكرر خلال فصل الشتاء، وتحدث في أوقات متأخرة من الليل، بالإضافة إلى كثرة الادعاءات عن الدوافع العنصرية للشرطة، كما أن التشابه النوعي مع أشكال السكان الأصليين، وخروج المبتعث السعودي مساءً من دون بطاقة الهوية، إذ وجدت كامل متعلقاته الشخصية داخل شقته، بالإضافة إلى عدم اكتشاف أي أدلة من قبل شرطة ساسكاتون عن أسباب اختفائه، كل هذه الأمور كانت تثير الشكوك ومثل هذه التكهنات.
الشرطة تزيل فضائح «جولات النجوم» من «ويكيبيديا»
في منتصف شهر مارس من العام الجاري 2016، نشرت قناة «سي بي سي» الإخبارية تقريراً موثقاً لطالب جامعي يدعى أديسون هيرمان،.كان يعمل على إعداد مشروع في جامعة «بريتيش كولومبيا» الكندية حول وحشية الشرطة في ساسكاتون، وأكد أنه اكتشف أن شخصاً من داخل مركز شرطة ساسكاتون قام بحذف القسم الخاص بـ «جولات النجوم» على موقع ويكيبيديا، إذ حذفت الإشارة إلى الحالات التي اتهمت فيها شرطة ساسكاتون باقتياد بعض الرجال والنساء من السكان الأصليين إلى حافة المدينة في فصل الشتاء، والإلقاء بهم هناك كإجراء تأديبي غير نظامي، أو ما يسمى بـ «جولات النجوم».
وحققت الشرطة في الادعاءات التي ذكرها الطالب، وقالت المتحدثة باسم شرطة ساسكاتون أليسون إدواردز، إن جهاز الشرطة استطاع تحديد واحدة من الزيارات إلى موقع ويكيبيديا وإجراء بعض التعديلات عليه إما بإضافة أو حذف بعض المعلومات، ولكن لم يتم تحديد الشخص الذي قام بذلك.
بينما أوضح الطالب أن تعقب مصدر التعديلات التي أجريت على صفحة ويكيبيديا بسيط جداً؛ لأن أي شخص يقوم بتغيير أو تعديل مقال يترك عنوان بروتوكول الإنترنت، وسلسلة من الأرقام المرفقة لأجهزة الكمبيوتر في الشبكة التي تتيح تعقب الجهة أو الشخص أو الجهاز الذي أجرى منه التعديل، وقد ثبت من عنوان بروتوكول الإنترنت، أن المصدر كان لأحد أجهزة الكمبيوتر من داخل شرطة ساسكاتون.
وبعد مضي شهر على إدعاءات الطالب هيرمان والإثباتات التي طرحها حول قيام أحد أفراد شرطة ساسكاتون بحذف بعض المعلومات عن «جولات النجوم» من موقع ويكيبيديا، قدم «كليف ويغيل» القائد العام لشرطة ساسكاتون اعتذاراً علنياً عن تلك الواقعة، قائلاً إنه غاضب ومستاء من أن أحد الأفراد من داخل مقر الشرطة غير صفحة ويكيبيديا الخاصة بمعلومات الشرطة ومحو كل ما يشير إلى «جولات النجوم». وأضاف ويغيل «أننا لا نحاول إخفاء شيء، الجميع يعرف ما حدث».
جهود السفارة السعودية في كندا
بعد مضي أيام قليلة من حادثة اختفاء الطالب السعودي بمدينة ساسكاتون الكندية باشرت السفارة السعودية متابعة هذه القضية، وقامت باتخاذ عدد من الإجراءات فور تلقيها خبر اختفاء الطالب ومنها:
1ـ مخاطبة وزارة الخارجية الكندية وتقديم طلب إبلاغ الجهات المعنية المختلفة في كندا ومنها الشرطة الكندية والجهات الأمنية الأخرى والتشديد على قضية اختفاء الطالب السعودي عن طريق بذل قصارى الجهود في البحث عنه والاستمرار في التواصل مع سفارة خادم الحرمين الشريفين في أوتاوا لإبلاغها عن أي مستجدات للقضية.
2ـ تكليف محامي السفارة السيد غار كنوتسن (Gar Knutson) في القيام بكل الجهود اللازمة والمطلوبة للمساعدة في البحث عن الطالب، والذي بدوره يتواصل مع الجهات الكندية المختلفة بشكل مستمر لمعرفة مستجدات الموضوع.
3ـ تعيين محقق خاص في القضية مهمته البحث بمختلف الوسائل المتاحة عن اختفاء المبتعث السعودي، وطلب منه جمع المعلومات لمعرفة ملابسات القضية وجمع الأدلة والقرائن التي تساعد في إمكانية التوصل إلى معرفة سبب اختفائه وقد باشر مهماته من اللحظة الأولى في مدينة ساسكاتون التي اختفى فيها الطالب ومن ثم اتضح إلى حاجته للانتقال إلى عدة مدن كندية في مقاطعات مختلفة وللتواصل مع عدد من الأشخاص والجهات لجمع بعض الخيوط التي قد تساعد في الاستدلال عن معرفة أسباب اختفائه.
4ـ باشر قسم شؤون الرعايا السعوديين في السفارة مهمة التواصل فوراً مع النادي السعودي في المدينة نفسها التي اختفى فيها الطالب، كما اشترك في التواصل مع شقيقة الطالب حمزة الشريف وذويه في المملكة.
5ـ بالرغم من تواجد السفير السعودي خارج الأراضي الكندية أثناء ظهور هذا الحدث فقد بقي على تواصل مستمر لمتابعة القضية ومتابعة مستجداتها بالإضافة إلى تواصله المباشر مع شقيقة الطالب مؤكداً لها تضامن السفارة مع هذا الأمر ووضع جميع خدماتها وإمكانياتها لمعرفة كشف الحقيقة، إذ إن هذا حادثا يعد غريبا ويحصل لأول مرة على الأراضي الكندية خاصة وغير معروفة ملابساته.
6ـ تم تكليف اثنين من الموظفين المختصين بالسفارة للانتقال إلى مدينة (ساسكاتون) والتنسيق مع المحقق الخاص الذي عينته السفارة من قبلها لتحديد الوقت المناسب لانتقالهم الى هناك لمقابلة الجهات الأمنية الكندية ونادي الطلبة السعوديين والطلبة وشقيقته من أجل إجراء تقييم شامل للوضع والنظر في اتخاذ الخطوات المقبلة.
كما أكدت السفارة لوسائل الإعلام حينها أن المسؤولين في وزارة الخارجية يتابعون هذه القضية بشكل دقيق وتوجيهاتهم مستمرة للسفارة بمتابعة التطورات وتسخير كل الإمكانات اللازمة لكشف ملابسات اختفاء الطالب وتؤكد السفارة هنا أنها لن تتوانى في بذل كل الجهود التي قد تساعد في كشف الغموض الذي صاحب هذه القضية منذ بدايتها.

السفير السعودي يزور ساسكاتون
في غضون شهر من حادثة الاختفاء، قام سفير خادم الحرمين الشريفين لدى كندا آنذاك الأستاذ أسامة السنوسي (وكيل وزارة الخارجية حاليا) بزيارة مدينة ساسكتون، وتحديداً في الثامن عشر من يناير 2012م، واجتمع حينها بكل من عمدة المدينة وكبار المسؤولين في الشرطة وبحث معهم موضوع اختفاء الطالب المبتعث حمزة الشريف. كما اطلع على مجريات التحقيق والتحريات التي تقوم بها الشرطة، طالباً منهم توفير كافة الإمكانيات وبذل كل الجهود التي تساعد على الاستدلال أو الوصول إلى أي مؤشرات تعود إلى معرفة سبب اختفاء الطالب حمزة الشريف. كما جرى التنسيق لاتخاذ خطوات إضافية تساعد في الجهود المبذولة لمعرفة حقيقة ما حدث.
متحدثة الشرطة: ربما هرب أو انتحر
ذكرت المتحدثة الرسمية باسم شرطة ساسكتون أليسون إدواردز، في يناير 2012، أن الشرطة تعتقد أن الحادث لم يكن مدبرا، قائلة «لم تكن هناك أية دلالة على شجار أو خلاف مع أحد أو أي شيء ممكن يقود لمثل تلك الحادثة، فقد دخلنا على مكان إقامته أكثر من مرة، وكان كل شيء على ما يرام، كما لم يكن هناك أي مؤشر على إمكانية عبث أحدهم بحسابه البنكي».
وقالت إدواردز إنه من المحتمل أن يكون الشريف قد غادر ساسكاتون بكامل إرادته وفضل عدم الاتصال بعائلته أو أصدقائه أو أنه قد قرر إنهاء حياته.
لا أدلة ولا خيوط حول الحادثة
من جهته، قال محامي السفارة السعودية غار كنوتسن بعد اجتماع مع الشرطة في ساسكاتون في منتصف يناير 2012، إن حادثة الاختفاء أمر محبط، مضيفاً بأنهم لا يملكون أدلة ثابتة عن المكان الذي من الممكن أن يكون قد ذهب إليه المبتعث الشريف، وهناك العديد من الخيوط التي يتبعونها، ولكن أغلبها كانت بدون جدوى.
كما ذكر كونستون أنه إذا كان اختفاء الشريف بإرادته، فإن المملكة ستحترم رغبته كبالغ، قائلاً: «إذا اتصل بأهله غدا وقال لهم إنه بخير وأنه يريدهم أن يدعوه وشأنه، فإن هذه ستكون نهاية القضية وستكون مسألة عائلية». وأكمل «ولكن يبدو أن المسألة مختلفة هنا، فقد ترك الشاب جميع أغراضه الشخصية في شقته بما في ذلك محفظته وجواز سفره وهاتفه الجوال».
العثور على معطف حمزة
بعد أكثر من ثلاثة أشهر من اختفائه، عثرت شرطة ساسكتون، على معطف يعتقد أنه يعود للطالب المفقود.
وقال رئيس شؤون الرعايا السعوديين في كندا محمد البطاح أن الشرطة الكندية عثرت على جاكيت يعتقد أنه للطالب السعودي حمزة الشريف، موضحاً أن الجاكيت وجد معلقاً على شجرة تقع على مقربة من ضفاف النهر الذي اعتاد الطالب ان يمارس فيه رياضة المشي.
وأشار إلى أن أجهزة الأمن الكندية سعت ومنذ العثور على الجاكيت إلى التواصل مع شقيقة الطالب الشريف ليلى، وإبلاغها بالتطورات.
وعلق مصدر أمني متخصص في علم الأدلة الجنائية، أن الملابس قد تقود إلى كشف هوية صاحبها من خلال مقارنة بقايا العرق التي يتم مطابقتها مع دم المعني بالجاكيت أو القطعة التي عثر عليها.
وقال البطاح حينها، إن السفارة السعودية في كندا تبذل قصارى جهدها من خلال التعاون المستمر مع جهاز الأمن في ولاية ساسكتون، مبينا أن جهاز الأمن الكندي سجل مهنية واحترافية عالية من خلال العديد من سبل التحقيق والمتابعة التي يقوم بها منذ لحظة اختفاء الشريف.
ولفت البطاح إلى أن الإعلانات التلفزيونية من خلال القناة الرسمية الكندية والملصقات على محطات النقل العام ومحطات القطارات مازالت موجودة، وكل ذلك في سبيل العثور على خيط قد يقود إلى العثور على الطالب، وأكد أن الجاكيت يعد خيطا مهما في القضية وقد يقود لكشف بعض أسرار هذا الاختفاء الغامض.
تكليف أمريكي وزوجته للبحث بالسونار
في سبتمبر 2012 أي بعد 10 أشهر من احتفاء الطالب حمزة الشريف، استعانت الشرطة الكندية بزوجين أمريكيين من مدينة كونا بولاية أيداهو الأمريكية بتمويل من السفار السعودية في العاصمة الكندية أوتاوا، للمساعدة في البحث عن حمزة الشريف في نهر ساسكاتون، إذ إن جين رالستون (67 عاما) وزوجته ساندي هما استشاريان في مجال البيئة ويعملان منذ 30 عاماً في البحث عن غرقى المياه الغادرة في جميع أنحاء أمريكا الشمالية، ولديهما أجهزة بحث متطورة، وتشمل هذه التكنولوجيا، سونار المسح الجانبي الذي يستخدم الصوت لخلق صور من كل ما هو في الجزء السفلي من المياه. ولكن لم يتم العثور على أي شيء، وذلك بحسب تأكيدات الزوجين رالستون.
وبعد مرور عامين من حادثة اختفاء حمزة الشريف، كشفت السفارة السعودية في أوتاوا، أنه تم «العثور على جثث مفقودة، وبعضها تجاوز اختفاء أصحابها أعوام عدة، وذلك أثناء عملية البحث من طريق أشعة «السونار»، التي تنفذها شركات متخصصة في مجال التمشيط، شملت مدينة ساسكاتون وخارجها، لكن جثة حمزة لم تظهر من بينها».
من جهتها، نشرت شبكة (جلوبال ساسكاتون) الإخبارية تصريحاً لـ (غار كنوستن) محامي السفارة السعودية في اوتاوا خلال التقرير الذي بثته عن حمزة الشريف بعد حلول عام على اختفائه، وقال حينها إن «الشرطة الكندية أظهرت شفافية كبيرة في تحقيقاتها في القضية»، مضيفاً أن الحل السائد في لغز اختفائه هو أن حمزة سقط في النهر، لكن المحير في الأمر هو ما ذكره بعض الخبراء بأنه من المفترض أن يطفو جسد حمزة في مثل هذا الوقت، وهو الشيء الذي لم يحدث حتى اللحظة، ليظل اختفائه أكثر غموضاً من ذي قبل.

كنوستـن لـ «عكاظ»: ملف البحث لم يغلق
تواصلت «عكاظ» مع محامي السفارة السعودية في كندا السيد غار كنوستن حول مستجدات قضية اختفاء المبتعث الشريف بعد مرور خمسة أعوام على اختفائه، إلا أنه رفض الإدلاء بأي تصريح حول الاجراءات التي اتخذتها السفارة ونتائج التحقيقات، ولكنه أوضح بأن السفارة لم تغلق الملف، وأن جهود البحث عن حمزة الشريف لا تزال قائمة من قبل الشرطة الكندية، مؤكداً أن أسرة المبتعث المفقود على تواصل مستمر مع السفارة السعودية.
«عكاظ» تستعرض نتائج التحقيق السري
حصلت «عكاظ» من مصادر خاصة على نسخة من ملخص إجراءات التحقيق وتمت ترجمته من قبل السفارة السعودية في كندا حول قضية اختفاء المبتعث حمزة الشريف والإجراءات التي قامت بها الشرطة الكندية وجهات التحقيق، وكتب على الملف المدون بتاريخ 17 يناير 2012م أن المعلومات سرية وخاصة بالشرطة.
ومن أبرز ما جاء في التقرير السري المكون من خمس صفحات وتحتفظ الصحيفة بنسخة منه، أن المبتعث حمزة الشريف واجه تعثراً في دراسته ومشكلات نفسية، إذ ذكر في التقرير أن الشريف بدأ دراسته في جامعة ألبرتا بمقاطعة «ألبرتا» الكندية، إلا أنه واجه صعوبات دراسية ثم انتقل في العام 2009م إلى مدينة ساسكتون لإكمال دراسة الهندسة الكيميائية بجامعة ساسكتشوان، وأفادت شقيقته ليلى لجهات التحقيق أن شقيقها زار أخصائياً نفسياً في خريف 2010، مشيرة إلى أنها لا تعرف أي معلومات عن الاخصائي الذي زاره، ولكنها أوضحت أن الأسباب متعلقة بتأخر تأشيرته. وذكر في التقرير أن المحقق زار مراكز وعيادات الصحة العقلية والنفسية في مدينة ساسكتون، وقام بتحديد أسماء تلك المراكز، ولم يكن المبتعث حمزة ضمن قوائم المراجعين.
لم يغادر ساسكتون
كشفت نتائج التحقيق، أن المبتعث الشريف على الأرجح لم يغادر مدينة ساسكتون جواً أو براً، حيث أوضحت شركة الطيران الكندية (Air Canada) أن حمزة لم يغادر على متن رحلاتها المتجهة إلى مدينة أوتاوا في شهر ديسمبر 2011، إذ كان من المفترض أن يزور شقيقته هناك بعد الانتهاء من الامتحانات، كما أنه لم يستخدم الحافلات العامة أو القطارات للانتقال خارج المدينة، حيث تواصل المحقق مع الشركة المعنية بهذه المواصلات ولم يسجل حمزة الشريف للمغادرة على أي منها، كما أن آخر استخدام لمركبات الأجرة التابعة خدماتها لإحدى الشركات في المدينة كان قبل أكثر من شهر من واقعة اختفاءه، وتحديداً في الرابع من نوفمبر 2011.
الاختبار النهائي
من النقاط المهمة التي كشف عنها التقرير هي نتيجة الاختبار النهائي الأول والوحيد الذي حضره المبتعث حمزة الشريف، حيث أكد التقرير أنه لم يتجاوز الاختبار، كما أنه لم يجب على عدد من الأسئلة.
وأشار التقرير إلى أن المحقق تواصل مع جامعة ساسكاتشوان، وتم إفادته بأن حمزة لم يسجل في برنامج الدراسة للفصل الدراسي التالي.
البحث في جهاز الكمبيوتر
ذكر في ملخص التحقيقات حول قضية اختفاء المبتعث حمزة الشريف، أن نتائج البحث والتفتيش داخل الشقة التي كان يسكنها لم تجد ما يدل بأنه تعرض لأي مكروه، أو كان هناك نشاط غير قانوني، وقد كانت هناك جميع مقتنيات الشريف في الشقة التي كان يسكن بها، والمكونة من الهاتف الجوال وجهاز الكمبيوتر (اللاب توب) والمحفظة وبطاقة الهوية الشخصية وجواز السفر، كما أنه لم يتم سحب أي مبالغ مالية من رصيده في البنك سوى مبلغ 100 دولار كندي سحبت قبل أسبوع من اختفاءه.
ولكن بعد أن قام الضابط المتخصص في مجال تقنية المعلومات بفحص جهاز الكمبيوتر الخاص بحمزة الشريف، وفقاً لما جاء في التقرير، فتبين أن آخر يوم استخدم فيه الجهاز هو صباح يوم 15 ديسمبر 2011، وأنه كان يبحث في الإنترنت عن مواضيع متعلقة بالانتحار، من بينها البحث عن الانتحار من الجسر والانتحار في ساسكتون والانتحار 60 قدما، وجسر «سيركل درايف»، وهذا الجسر يعبر نهر ساسكتون.
برقية سرية
بناء على ما جاء في نتائج ملخص اجراءات التحقيق، أرسلت السفارة السعودية في كندا برقية سرية بشأن قضية اختفاء الطالب السعودي المبتعث حمزة الشريف إلى وزارة الخارجية في الرياض مع صورة إلى الإدارة القانونية بتاريخ 20 يناير 2012، وتحتفظ «عكاظ» بنسخة من البرقية، وأشير في البرقية التي لم تكشف عنها أي وسيلة إعلامية من قبل، إلى أن نتائج التحقيقات أشارت إلى عدم وجود أي أدلة أو قرائن عن احتمالية تعرض المبتعث الشريف إلى عمل إجرامي سواء بالقتل أو الاختطاف، وأن أوضح استنتاج لما جرى لحمزة الشريف هو «احتمال قيامه بإيذاء نفسه وربما الانتحار بإلقاء نفسه في النهر»، وقد تم الاستدلال على ذلك من خلال جهاز الكمبيوتر الخاص به حيث تم رصد دخوله على بعض المواقع التي لها علاقة بالانتحار.
ولكن بحسب ما جاء في البرقية، أن السفير طلب من المسؤولين في السفارة مواصلة العمل على كافة الاحتمالات وعدم الركون إلى فرضية الانتحار.
ولا تزال قضية اختفاء الطالب المبتعث حمزة الشريف حتى كتابة هذا التقرير قائمة حتى اللحظة دون أي تأكيدات حول مصير هذا الاختفاء الغامض.