عدت من القاهرة قبل يومين بعد أن أمضيت فيها إجازة عائلية ممتعة لمدة أسبوعين، تخللها عيد الأضحى المبارك. الملاحظة الأبرز هذا الصيف هناك هي عودة السياحة في مصر الشقيقة لحركتها الكثيفة المعهودة في مثل هذا الموسم؛ بعد التراجع الكبير على أعداد السياح في السنوات الماضية التي تلت ثورتي يناير 2011 ويونيو 2013. السبب الأبرز لذلك برأيي هو النجاح الملموس للحكومة المصرية في ضبط الأوضاع الأمنية إلى حد كبير، وإعادة الاستقرار للبلاد، وهو ما شكل رسالة اطمئنان لعشاق مصر الذين ترددوا في زيارتها في السنوات القليلة الماضية، ورغم قدرة الشعب المصري على تجاوز تلك المحنة، فقد تركت الثورتان أثرهما السلبي على الحركة السياحية في مصر، قبل أن تعاود السياحة نشاطها تدريجيا مع تحسن الحالة الأمنية، وتعزز الاستقرار السياسي، وتسارع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية.
وسأحاول في مقال اليوم رصد أبرز انطباعاتي ومشاهداتي خلال رحلتي للقاهرة التي عدت إليها بعد سنتين منذ آخر زيارة لها خلال صيف عام 2014، في ذلك الوقت كان الوضع الأمني لا يزال هشاً، وهو ما جعل الزائر للقاهرة آنذاك يتجنّب التجول في الشوارع الرئيسية والأماكن العامة، كما كان انقطاع التيار الكهربائي أمراً مألوفاً في معظم الأحياء، في حين كانت السيارات تصطف بالعشرات أمام محطات البنزين الفارغة من مشتقات الوقود، وكانت المؤسسات المالية الدولية مترددة في تقديم القروض لمصر، في حين لم يكن من الصعوبة رصد مظاهر الكساد في الأسواق التجارية، وهنا لا بد من الإشادة بالمواقف المشرفة لحكومة المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -يحفظه الله- في دعم مصر الشقيقة بشتى الوسائل خصوصا خلال زيارته الأخيرة لها، وهو ما أسهم في سرعة إعادة الاستقرار والأمان لهذا البلد العزيز على السعوديين.
ومن الظواهر التي استوقفتني هذا الصيف في القاهرة، إقبال الكثير من السعوديين الذين التقيتهم هناك على تملك العقارات في مصر، ويعود ذلك في تقديري لعدة أسباب في مقدمتها زيادة عرض المساكن، والانخفاض النسبي على أسعارها بالنسبة للسعوديين، بالنظر لتدني سعر صرف الجنيه المصري مقابل الريال الذي تجاوز سعر صرفه خلال تواجدي هناك 3.25 جنيه في السوق السوداء، وحوالى 2.35 جنيه في البنوك، كما شجّع ذلك المستثمرين الأجانب على الاستفادة من الحوافز والفرص الجيدة التي تتميز بها السوق المصرية الكبيرة، يضاف لذلك، كثرة الخيارات العقارية وتنوعها، سواء في القاهرة (القديمة) أو في مدنها وضواحيها الجديدة المحيطة بها من جهاتها الأربع والتي كانت موضوع مقالي المنشور الأسبوع الماضي.
وكعادة الأيام الجميلة فقد مر أسبوعا إجازتي في مصر بسرعة استثنائية كما لو كانا بضعة أيام فقط، يعود ذلك لكون القاهرة مدينة مضيافة وجاذبة؛ تجيد الترحيب بزوارها من مختلف الجنسيات والأعمار، كما توفر لهم خيارات متنوعة ولا متناهية؛ سواء في السكن والمواصلات أو في منافذ التسوّق وأماكن التسلية والمطعام والمقاهي وكافة الخدمات التي يحتاجها السياح؛ وعلى نحو يتناسب مع رغبات وقدرات مختلف شرائح المجتمع وكافة مستويات الدخل، ولعل من أبرز ما يميز القاهرة كثرة بدائل الترفيه الأسري فيها؛ وهو ما يتيح الاستمتاع بالعطلات في مصر وسط الحفاوة والترحيب اللذين يميزان أشقاءنا المصريين.
كما تمتاز القاهرة بميزة فريدة هي إمكانية حصول السائح فيها على كافة الخدمات، في مقر إقامته، عبر طلبها هاتفيا؛ ودونما حاجة لمغادرته مقر سكنه وذلك بأسعار معقولة جدا في حين يمكن لزائر القاهرة الإقامة في فنادق من فئة الخمسة نجوم بتكلفة منافسة للكثير مما توفره الوجهات السياحية الأخرى، وقد كانت لي تجربة جديرة بالذكر إذ أقمت هناك في جناح رائع ومطل على النيل بفندق فخم وبسعر لا يتجاوز 1000 ريال لليلة الواحدة مع وجبة الإفطار!، وهنا أتساءل: أين يمكن الحصول على عرض مماثل في فنادقنا الكبرى؟!، في حين تبلغ تكلفة وجبات غداء أو عشاء فاخرة بمطاعم أو مقاهٍ راقية لعشرة أشخاص، مبلغا يتراوح بين 450 إلى 600 ريال فقط؛ شاملة الخدمة والضريبة!؛ مقابل مبلغ لا يقل عن 2500 ريال في أحد المطاعم المماثلة بجدة أو الرياض!، هذا إضافة للاستماع خلال تناول الطعام هناك لوصلات فنية طربية يقدمها الكثير من الفنانين المصريين الذيم لم ينالوا حظا كبيرا من الشهرة رغم مواهبهم الرائعة!.
وكان من أكثر ما أعجبني في قوانين الاستثمار والتطوير العقاري في مصر، وأتمنى قيام الجهات المعنية لدينا باستنساخه، هو قيام السلطات المختصة بسحب تراخيص وأراضي المستثمرين الذين لم يلتزموا بتنفيذ مشاريعهم بعد مرور ثلاث سنوات على استلامهم للأراضي والتصاريح، وهو إجراء فعال لضمان الجدية، ولا أعلم سبب عدم تنفيذه على أصحاب المخططات العقارية والمنح مليونية المساحة في المملكة، بعد انقضاء عقود على حصولهم عليها ولكنها مع ذلك ظلت أراضي بور حتى الآن، في حين تضاعفت أسعارها عدة مرات!.
ختاما، أعتقد أن الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي والثقل العسكري لمصر العزيزة هي عوامل تصب بالتأكيد في مصلحة استقرار وأمن عالمنا العربي، خصوصا أن القطاع الأكبر من أشقائنا المصريين قد حسموا أمرهم، وأيدوا الشرعية، واستفادوا من الأحداث التي شهدتها بلادهم في السنوات القريبة الماضية، وها هي مصر الآن تسعى جاهدة للعودة إلى مسار التنمية المتوازنة والقيام بدورها العربي والإقليمي؛ رغم كل التحديات والصعاب التي واجهتها بعد أعوام من عدم الاستقرار، والمؤكد هو أن الدعم السعودي خصوصا، والخليجي بشكل عام لمصر، سينعكس إيجابا على منطقتنا العربية التي يحاول عقلاؤها تجنيبها المزيد من المخاطر والفتن التي تعصف بها، وفي مقدمتها خطر الإرهاب؛ سواء المحلي منه، أو المستورد من نظام الملالي في طهران!.
مصر على الطريق الصحيح .. بدعم المملكة
16 سبتمبر 2016 - 20:37
|
آخر تحديث 16 سبتمبر 2016 - 20:37
تابع قناة عكاظ على الواتساب