أثارت صور نشرت لأفراد شرطة يجبرون سيدة مسلمة على خلع أجزاء من البوركيني، أو ما يسمى «بالمايوه الإسلامي» في شواطئ نيس الفرنسية، الكثير من الصخب عالميا وتصدرت أغلفة الصحف والمجلات الأسبوع الماضي.
ولغة الجسد للناظر للصورة لم توح باللطف أبدا، فقد وقف أفراد الشرطة وهم يحيطون بالسيدة الجالسة على الشاطئ واضعين أيديهم على خواصرهم بوضعية حازمة وهم يأمرونها بخلع بعض ملابسها.
ورغم أن أعلى سلطة قضائية في البلاد، مجلس الدولة الفرنسي، قد قرر تعليق قرار منع البوركيني إلا في حالات الاشتباه في الإرهاب، إلا أن أغلبية رؤساء البلديات في نحو 30 مدينة ساحلية فرنسية ما زالوا يرفضون ذلك ويصرون على منع البوركيني وتفويض البوليس لتغريم وتوقيف مرتدياته من النساء مما خلق الكثير من التوتر وردود الفعل.
فاليمين المتطرف بفرنسا والمعادي للمهاجرين يحيي هذه الخطوة ولا نحتاج للصحف لنعرف ذلك. ولكنني أحب دائما سماع رأي الشارع العام فأخذت أسأل من أعرف من الفرنسيين ذوي الأصول الفرنسية البحتة عن آرائهم. ولكنني صدمت في آراء المتنورين ممن توسمت بهم الانفتاح الفكري فبالنسبة لهم من لا يريد «الاندماج» في المجتمع الفرنسي فعليه أن يرحل، وارتداء الحجاب دليل قاطع على عدم الاندماج بالنسبة لهم. ولم ينس أي منهم ذكر حادثة الدهس التي حدثت هذا الصيف في نيس وقتلت أكثر من 80 شخصا، بالإضافة إلى طعن الإرهابيين لقسيس في شمال فرنسا. للأسف الشديد تصاعدت حالات العنف الشعبي ضد المسلمين بفرنسا بعد هذه الحوادث وأصبح المجتمع يتقبلها، وهذا هو الجديد والمؤسف، وتناقل النت أخيرا فيديوهات لنساء محجبات يطردن من مطعم بفرنسا وغير ذلك من تصرفات عدائية ضد المسلمين. ولدي شخصيا أصدقاء فرنسيون من أصول جزائرية تعرضوا لهجوم شخصي لفظي وجسدي في الميترو مما لم يحدث لهم طوال إقامة بفرنسا امتدت لأجدادهم.
وتحولت قضية البوركيني لقضية أهم وأخطر وهي «الهوية الفرنسية» فاستثمر السياسيون الموجة لصالح انتخاباتهم، فنيكولا ساركوزي مثلا، وهو الشهير بتبنيه لقضية حماية الهوية الفرنسية، قد وعد ناخبيه بأنه شخصيا سوف يغير الدستور ويمنع البوركيني إن تم انتخابه كرئيس مقبل لفرنسا وهو رد على تصريح وزير الداخلية برنار كازينوف الذي قال بأن منع البوركيني ضد الدستور.
وبين محاولات «السي سي آي اف» CCIF وهي لجنة ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا لتخفيف التوتر وضمان التعايش السلمي، ومؤيدي حقوق الإنسان من الأفراد والمؤسسات مثل آمنيستي انترناشونال، نقف نحن المسلمين قلقين؛ فمن ناحية نتمنى أن نصرخ بوجوههم «لماذا نحن؟ فالراهبات المسيحيات، والمتشددات اليهوديات يغطين شعورهن وأجسادهن، فهل ستجرؤون على نزع ملابسهن؟»
ولكنهم سيقولون لنا أنتم إرهابيون! ننفعل ونقول «نحن أبرياء ولم نفعل شيئا وهذه أقلية فاسدة» ولكن ما نرى ونقرأ يوميا من أفعال الجماعات المدعية الإسلام تجعل كل شخص منا لاشعوريا يشعر بالغبن والعار لشيء لم يفعله، وصوت بداخلنا خافت يهمس بأنهم ربما يكونون محقين في خوفهم بعد كل ما يحدث في العالم، فالإعلام يشهر جيدا النماذج الفاسدة من «المتأسلمين» بينما ينحصر الضوء عن الكثير من النماذج المضيئة. فما أكبر هذه الورطة التي نحن فيها اليوم كمسلمين!
نقول يا جماعة لا تخلطوا الإسلام «ببعض» المسلمين فلديكم من المسيحيين أيضا إرهابيون وقتلة ومجرمون بل ويوجد تاريخ معروف لقساوسة مغتصبي أطفال وسارقي صدقات وفاسدين ومرتشين. ولكن هل سيسمعنا أحد؟ أنا شخصيا في نقاشاتي الكثيرة طوال سنوات وجدت تعنتا كبيرا لدى البعض. ولكنني استطعت تغيير آراء الكثير ممن عرفوني شخصيا عن المسلمين، ويقولون لي ذلك. فهم يكتشفون بالنهاية أننا جميعا بشر ولدينا صفات كثيرة مشتركة ويمكننا أن نصبح أصدقاء حتى وإن كنا مختلفين.
الحل إذن هو التواصل والتعريف. إن تقوقعنا على أنفسنا فلن يعرفنا أحد ولن يتقبلنا الآخرون. ولكننا إن تقبلنا نحن الآخرين ومددنا جسور التواصل فسنجد حتما من يسمعنا ومن يعرفنا ومن يدافع عنا ليس فقط؛ لأننا بشر لنا حقوق إنسانية، بل ولأننا فعلا نؤمن بدين كجميع الأديان السماوية يدعو إلى السلام إن طبق بصدق. أتمنى من مؤسساتنا الرائدة وجامعاتنا وضع هذه النقطة كأولوية في أجنداتها: لم لا نعرف عالميا بالمميزين والمميزات من أبنائنا وبناتنا والنماذج المضيئة الكثيرة موجودة بيننا؟. لم لا نجعلهم سفراء لنا في المحافل والمؤتمرات؟ أليست هذه النماذج أولى أن تشتهر بدلا من إرهابيي النت وقاطعي الرؤوس؟ والمحزن أن بعض أبطال الانستجرام والسناب شات الذين يشتهرون لدينا، يتابعهم العالم لأنهم يؤيدون صورة العربي المسلم المنفق ببذخ أو الشهواني المتبع للحسناوات اللواتي بالطبع لا يرتدين البوركيني.
للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 738303زين تبدأ بالرمز 100 مسافة ثم الرسالة
«البوركيني» بشواطئ فرنسا
8 سبتمبر 2016 - 21:59
|
آخر تحديث 8 سبتمبر 2016 - 21:59
تابع قناة عكاظ على الواتساب