لو ذهبت إلى أحد السوبرماركتات في دول مثل بريطانيا، فسترى بعض المتسوقين يدفعون لمشترياتهم عن طريق مكائن الدفع الذاتي؛ وهي مكائن يقف أمامها الزبون ويقوم بنفسه بتمرير كل سلعة أخذها على (السكانر) لطباعة سعرها، ثم يدفع بالكارد غالبا ويأخذ أغراضه ويخرج. ويختار الكثيرون وسيلة الدفع الذاتية عوضا عن انتظار كاشير لتوفير الوقت.
ولكن بحسب دراسة قامت بها جامعة ليستر البريطانية، بالتعاون مع علماء نفس واجتماع وبروفيسورات في علم الجريمة وفي التسويق وغيرهم، فإن ماكينات الدفع الذاتي قد قامت بخلق جيل جديد من المتسوقين (اللصوص).
وترجح الدراسة بأن الناس الذين يتصفون عادة بالأمانة يمكن أن يصبحوا فجأة لصوصا حينما يظنون بأنهم يمكن أن يفلتوا من عقاب السرقة، ويمكنهم هنا تقديم أعذار سريعة؛ مثل أن الخطأ من الماكينة التي لم تحسب السلعة وأنهم «عملوا اللي عليهم» ومرروها على (السكانر). والمحصلة النهائية من الدراسة التي أجرتها جامعة ليستر استنتجت بأن خسائر السوبرماركتات تصل الى «أكثر من الضعف» وبالضبط تصل إلى 122% أكثر من العادة وذلك عند استخدام تكنولوجية الدفع الذاتي!.
والمثير في الموضوع هو أنني حينما قرأت الخبر على النت، قرأت تحته في مساحة نقاش القراء تعليقات مثيرة، فكتب أحدهم قائلا: «السوبرماركتات الكبيرة تستنزف أموال الناس باستمرار ولن يضرها فقد عائد سلعتين أو ثلاث، ولذا أقوم كل أسبوع (بتمثيل) أنني أمرر سلعة على (السكانر) وآخذها مجانا لمكافأة نفسي وأعود للبيت مهنئا نفسي على ذكائي وانتصاري على جشع التجار». بينما يقول تعليق آخر: «أتناسى -قصدا- تمرير بعض السلع، وحينما نجحت معي المحاولة، صارت عادة ولا يؤنبني ضميري عليها، فقد عشنا سنوات طويلة ندفع في سلع السوبرماركت أكثر مما تستحق، فأنا أستعيد بعض حقي منهم». وبحسب دراسة جامعة ليستر «ينسى» بعض المتسوقين تمرير ما يقارب 10% من مشترياتهم.
والمخيف في الموضوع هو أن الكثير ممن اعترفوا بالسرقات -عند تجميع الداتا للقيام بالدراسة- هم ممن لم يسبق لهم سرقة أي شيء قبلها. وتكمن العقدة في صعوبة معرفة دوافع المشتري، فبعض الناس فعلا لا يقصد السرقة ولكنه لا يملك المعرفة الكافية في التكنولوجيا، خاصة في حالات استخدام التكنولوجيا المتقدمة في بعض المحلات التي يستخدم فيها المشتري (السمارت فون) خاصته لتمريره على السلع كسكانر والدفع بنفس الوقت. وبعض الناس فعلا يكون مشغول البال فلا يمرر كل سلعة يضعها في سلته على (السمارت فون) أو في ماكينة الدفع الذاتي لدفع ثمنها. وهؤلاء الأبرياء ينحرجون جدا حينما تصدح مكبرات الصوت في ماكينة الدفع الذاتي قائلة: «لديك سلعة غير متوقعة» إشارة لمرور سلعة دون دفع.
ويصرخ آخرون قائلون بشماتة: «هذا درس ممتاز للسوبرماركتات الجشعة التي سرحت آلاف الموظفين ونكبت آلاف الأسر بغرض التوفير».
بينما قرأت أحد الأصوات اليمينية المتطرفة تعلق: «تستقبل بريطانيا آلاف اللاجئين من اللصوص ومحترفي الجرائم، فهل تتوقع من هؤلاء الدفع لسلعهم؟»، ويهاجم أحدهم أنجيلا ميركل بسبب سياسة فتح الأبواب للاجئين وانتشارهم بأوروبا ويؤيد فرحا قرار البريكزيت الذكي بالنسبة له قبل أن تفسد بريطانيا للأبد.
ما الذي حدث في العالم؟ أتذكر جيدا في بعض دول أوروبا كنا نمر على بعض المزارع فنرى طاولة مليئة بالفواكه في سلال صغيرة وعليها أسعارها، ولم يحرسها أحد أبدا، وكان الناس يمرون ويدفعون لسلعهم ولا يسرق أحد لا الفواكه ولا الأموال الموضوعة بوضوح في سلة أخرى. ونحن في العالم العربي نضرب الأمثلة ونروي القصص التاريخية في الأمانة والضمير وغيره، لكننا اليوم نرى من يأكلون ويشربون في السوبرماركت ولايدفعون لذلك. يظهر أن انعدام الأمانة ظاهرة من ظواهر العولمة. وصدق إحسان عبد القدوس الذي كتب: «يا عزيزي كلنا لصوص».
حرامي السوبرماركت
11 أغسطس 2016 - 20:49
|
آخر تحديث 11 أغسطس 2016 - 20:49
تابع قناة عكاظ على الواتساب