انتقل زوج إحدى صديقاتي العربيات للعمل ببلد خليجي ملاصق. وترك زوجته وأطفاله ببلدهم إلى أن ينهي أوراق إقاماتهم. وعندما تقدم لطلب إقامات لأطفاله بالبلد الخليجي الملاصق، سألوه: «أين الأم؟» فقال لهم إنها مع الأطفال خارج البلد. فكانت الإجابة: «يجب أن تحضر الأم بنفسها وتوافق على منحك حق إصدار إقامات لأبنائك باسمك، فهي شريكة لك في الولاية الشرعية على هؤلاء الأطفال. والآن وهم صغار، هي في الحقيقة أولى منك بالوصاية عليهم».
حاول الأب أن يشرح لهم الموقف ولكن لم تختلف الإجابة. قالوا له بحزم: «لا يمكن قانونيا أن نمنحك حق نقل أبنائك من بلدك إلى بلدنا دون موافقة أمهم؟ فكيف نضمن أنك لم تهربهم أو تخطفهم؟ ولو وافقنا أن نعطي هذه الحالات إقامة لأبنائهم لسهلنا عملية تهريب الأطفال في ظروف أسرية معينة عند اختلاف الأب والأم - والاستثناء الوحيد الذي نقبله هو أن يكون لك صك ولاية شرعية صادر من المحكمة ينص على أنك الولي الشرعي الوحيد عليهم بموجب قرار من القاضي».
حاول هذا الأب مرارا وتكرارا وكانت الإجابة واحدة وحاسمة. مما اضطر الأم لمغادرة بلدها للحضور شخصيا للبدء في إجراءات إقامات أبنائها مع الأب فموافقتهما هما الاثنان ضرورية وبدون ذلك لا تتم المعاملة.
انتهت القصة.
وأخذت أقلبها في دماغي ببطء شديد وحسرة كبيرة وأنا أتذكر عشرات القصص المؤلمة لأمهات حولنا. تحمل وتلد وتربي وحينما «يغضب» عليها زوجها لا يرميها فقط بإهمال كما ترمى فرشاة الأسنان القديمة بل وأهم ما يحرص عليه هو «حرق قلبها» وكلنا نعرف كيف؟ كيف يا ترى؟ طبعا باستخدام الورقة الرابحة: الأطفال! فيأخذهم منها أحيانا ليس حبا وطربا بل لؤما وجكرا. والجميل أن الموضوع يمكن أن يمر بكل سلام ولا يعترض طريق الأب أحد. وأعرف حالات انتزع الأب فيها أبناءه بالقوة من الأم فقط ليحرق قلبها - وترك الأبناء يعيشون في شقة وحدهم مع الخادمات لأن زوجته الجديدة لا تريدهم. فهل من معترض؟ ترى هذه الأعاجيب ولو أنك شاطر اتكلم. من سيرد عليك؟ الرعاية الاجتماعية التي تضمن حق الأطفال ؟ أو القانون الذي يصف مع الأم؟
أعرف شخصيا أما حرمها زوجها من رؤية أبنائها فأصبحت تضطر أن تقف بالشارع لترى أبناءها الأولاد عند خروجهم من المدرسة. وأما ابنتها فلكي تراها كانت تضطر أن تذهب إلى المدرسة لتراها. وبعد جهد جهيد وافقت المديرة بضغط من المشرفة الاجتماعية على السماح للأم بزيارة ابنتها خلال الفسحة المدرسية. وحينما رأت «قريبة الأب» الأم تزور ابنتها بالمدرسة قامت «بعمل الواجب» وتبليغ الأب الذي هدد المديرة وتوعدها فخافت تلك الأخرى ومنعت الأم من الزيارة!
وهكذا أصدقائي، نفهم درس اليوم: حينما لا يكون الزوج أو المطلِّق ذا إحسان وشرف وأخلاق، وحينما يقرر أن يهين المرأة ويعذبها ويحرمها من حق رؤية أبنائها - تتكالب الظروف كلها ضدها وتجتمع كل الأطراف لسحقها حتى المؤسسات الأكاديمية التي في صميم عملها التعليم والتربية والرعاية النفسية والاجتماعية للطلاب - فرضا.
منذ صغرنا ونحن نردد في المدارس المقطع المعروف من الحديث الذي يؤكد تعظيم حق الأم: «أمك ثم أمك ثم أمك» ولكن واقع الحال المخزي والمحزن جعلنا في الحقيقة لا نرى للأم أحيانا لا تقديرا ولا احتراما ولا قيمة.