يتغير الإنسان عبر مراحل عمره حيث يكون لكل مرحلة صفات وأحاسيس مغايرة عن المراحل التي قبلها ولكنه بدل أن يعترف بأنه تغير، يتهم الأشياء من حوله بأنها هي التي تغيرت فالعيد قديما كان أحلى والحياة أجمل والطعام ألذ والناس في الزمن الماضي أطيب مع أنه كان طفلا فغدا فتى ليصبح شابا ثم كهلا وشيبة، فالتغير الحقيقي حصل في حياته وفي تكوينه الجسماني وفي عقله وتفكيره ونظرته ومشاعره وأحاسيسه وربما في قيمه العامة، ولكنه يظل يغالط نفسه بالادعاء أن الأشياء والأزمنة هي التي تغيرت ليبدأ التشكي من ذلك التغير الذي جعله يفقد لذة الشعور بالحياة ولا ينعم بمصاحبة الأحياء!
وأذكر في هذا المجال قصيدة معبرة نظمها قبل عدة عقود الشاعر العربي عمر أبو ريشة -رحمه الله- جسد فيها موقف الإنسان مما طرأ عليه من تغير وإنكاره لهذه الحقيقة ونسبة التغير إلى ما يحيط به من أشياء مادية أو معنوية.. حيث قال في أبيات من قصيدته:
هذي الربى كم ضاق في فضاؤها
مالي على جنباتها أتعثر؟
شب الحصى فيها ودون زحامه
درب يغيب وآخر يتكسر
وملاعبي ومجر أذيالي بها
بعدت فما ترقى إليها الأنسر
ما كنت أحسب أنها تتغير!
وأتيت مرآتي وعطري في يدي
فبصرت ما لا كنت فيها أبصر
فخفضت طرفي ذاهلا متوجعا
ونفرت منها غاضبا أستنكر!
خانت عهود مودتي وتغيرت
ما كنت أحسب أنها تتغير
لقد رفض الشاعر الاعتراف بأن العمر قد تقدم به وأن خطاه أصبحت أضعف من أن ترقى به إلى القمم العالية فنسب التغير إلى تلك القمم وإلى ما حولها من الروابي، ولما لجأ إلى مرآته وعطره في يده وجم لما رأى حقيقة ما وصل إليه فلا شباب ولا نضارة فذهل وغضب واستنكر وأصر على أنه لم يتغير ولكن المرآة خانت العهد وتغيرت «ما كنت أحسب أنها تتغير»!
وما جسده الشاعر أبو ريشة أجده في أحاديث من حولي من المتصابين.. وغيرهم!!
«خانت عهود مودتي وتغيرت!»
19 ديسمبر 2015 - 23:07
|
آخر تحديث 19 ديسمبر 2015 - 23:07
تابع قناة عكاظ على الواتساب