-A +A
محمود المدني
لقد انفردت إمارة منطقة مكة المكرمة بإنشاء لجنة عقارية بالمحافظات (مكة وجدة) منذ عام 1429 هـ. معنية بحل القضايا الناتجة عن علاقة مالك العقار والمستأجرين. ولقد تم إنشاء هذه اللجنة بعد أن لمست الإمارة الاحتياج الملح لوضع آلية تجبر الطرفين على الالتزام بعقد الإيجار، وتمكن المالك من الحصول على مبلغ الإيجار، وتجبر المستأجر على الإخلاء.
لقد كان السبب الرئيسي لإنشاء هذه اللجنة هو التخفيف على الملاك والمستأجرين من المعاناة التي كانوا يمرون بها في المحاكم العامة بسبب كثرة هذا النوع من القضايا مما جعلها تأخذ وقتا طويلا لإصدار حكم نهائي فيها. وقد حققت اللجنة نجاحات ملموسة في تلك القضايا ، فقد بلغ عدد المعاملات التي تم معالجتها بهذا الشأن في محافظة جدة في عام 1433هـ (6217) معاملة عقارية، وهذا يعتبر بزيادة قدرها 10 % عن عام 1432 كما صرحت بذلك المحافظة في بيانها الإعلامي.

عمليا، نستطيع القول إن هذه اللجنة لها بصمات إيجابية جدا في حل هذه القضايا بسرعة فائقة وبفاعلية واضحة، مما جعل الكثير من المستأجرين والملاك يلتزمون بالعقود لأنهم يعلمون أن اللجنة حازمة وحاسمة في تطبيق الأنظمة وحفظ الحقوق.
ولكن ، وللأسف الشديد، تم إلغاء هذه اللجنة مؤخرا في المحافظة وعادت جهة الاختصاص للمحاكم العامة. والحقيقة إن إرجاع هذه القضايا إلى المحاكم ربما يسبب تكدسا شديدا فيها، وفقدان عنصر السرعة لحلها، ومماطلة وتسويفا في تسديد قيمة الإيجار، وخسائر كبيرة، والأهم من ذلك سيؤدي إلى عزوف البعض عن الاستثمار في هذا المجال.
صحيح بأن هناك معارضين لوجود اللجنة العقارية في المحافظة بحجة أن هذه اللجنة لا تحمل مرجعية قانونية تستمد منها وجودها، فكيف تفصل بين قضايا الناس في حين أنها من اختصاص المحاكم ؟؟، وللرد على هذا الرأي أقول إن اللجنة كانت تستمد مرجعيتها من عقد الإيجار الذي أبرمه الطرفان. كما أن قرارات اللجنة خاضعة لرقابة ديوان المظالم ويمكن الاعتراض على قراراتها هناك.
لقد كانت المخرجات الإيجابية من هذه اللجنة ملموسة، وبالتالي فإن إلغاءها سيؤثر سلبا على علاقات المستأجرين بالملاك. إن الحل الأمثل هو أن ترجع هذه اللجنة للعمل مع إعطائها صبغة نظامية وإشراك وزارة الإسكان معها بطريقة أو بأخرى، فهي المعنية أولا بتنظيم هذه العلاقة. ولكن لا يمكن أن تترك الأمور بدون حل جذري فالضرر كبير وجسيم، وتكاليف رفع الدعوى أصبحت باهظة، فليس الكل يعرف الإجراءات القانونية.. ويبقى السؤال المهم: لماذا لا يكون من حق اللجنة أن تنفذ ما جاء في العقد الذي ارتضاه الطرفان عند التوقيع دون الاضطرار للتقاضي في المحاكم ؟؟.. ينفع كده ؟؟.