-A +A
إبراهيم عقيلي (جدة) iageely@ (تصوير: عمرو سلام)
بعد سنوات طويلة مرت على الدراما السعودية، يظهر اسم عميدها الفنان محمد حمزة منقوشا على صخر الفن السعودي وذاكرة التاريخ، لنعرف اليوم السبب الذي كان يدفعه لأن يكتب اسمه في آخر «التتر» بدلا من أن يضعه في أوله في جميع أعماله، ولعلها الثقة التي كانت تسكنه وإحساسه الكبير بالنصوص التي يكتبها وأعماله الهادفة التي وقفت لتسجل بداية حكاية اسمها «الدراما في السعودية».

ويستمر العطاء من بداية الثمانينات إلى 2013 حينما طوى مسيرته بالمشاركة الأخيرة في مسلسل «أهل البلد» ويتوارى عن الأنظار، ليستقبلنا بعد أن طلبت «عكاظ» من ابنيه وائل ولؤي زيارته في منزله وتكريمه، ليظهر لنا كبيرا ووحيدا بلا أضواء الكاميرات ولا سيناريو معدا ولا أصوات مخرجين، عاد متعبا لينبش الذاكرة ويعيد للأذهان «أصابع الزمن» و«ليلة هروب».


تحدث إلينا كبيرا وعاجزا عن السرد.. وصامتا.. وإليكم الحوار السريع الذي أجري معه:

• طمنا عنك

•• طيب والحمدلله، جزاك الله خيرا، الله يبارك فيك.

• الناس بتسأل عنك فينك؟

•• في البيت «بس» ما بقدر أمشي، أيش نسوي.

• تتابع تلفزيون ودراما؟

•• يعني.. بس نادرا.. جزاكم الله خيرا، الله يبارك فيك ويسلمك.

لم يحكِ معنا الفنان محمد حمزة، واكتفينا بإنجازاته التي بقيت تروى كثيرا لجيل الثمانينات والتسعينات، فقد ملأ الساحة ضجيجا رغم العوائق التي كانت تعترضه يوما بعد يوم.

صرح مرة وقال: «نادم على دخولي الفن بسبب الخلافات في هذا المجال من غير أي سبب أو وجه حق». وقال في لقاء إعلامي آخر إنه محبط بسبب إهماله وعدم تقديره ونسيان مسيرته الفنية.

فمن اعترض مسيرة عميد الدراما السعودية، ومن تجاهل تكريمه؟

أكد ابنه لؤي لـ«عكاظ» أن آخر تكريم له كان قبل أكثر من 20 عاما، فكرم في عام 1422 في مهرجان القاهرة، وكرم في مهرجان البحرين عام 1420 تقريبا، وهذان هما آخر تكريمين له وللأسف كانا خارجيين وليسا داخل المملكة، إذ اقتصر التكريم الداخلي على بعض الاجتهادات الشخصية وتكريم من بعض رجال الأعمال، وما زلنا نتنمى أن تُفرح قلبه إحدى الجهات المعنية بتكريم يليق به.

وأضاف أن تكريم البحرين جاء كأفضل أداء في أحد الأعمال التي شارك فيها، فيما نال جائزة مهرجان القاهرة عن عمله «دموع الرجال»، وهو آخر أعماله التي كتبها في عام 1420 جامعا نخبة من النجوم العرب.

وعن مرضه، أشار إلى أنه مر بفترة حرجة بعد خطأ طبي في عملية جراحية اعتزل بعدها الناس إلى أن تحسن وضعه.

ويتحدث عن تاريخه الفني فيقول: الوالد بدأ المجال الفني قبل الألوان، لكن البداية التي لا يعرفها الكثير من الناس هو أنه كان لاعب كرة، ولعب مهاجما في ناديي الوحدة والأهلي والتحق فيما بعد بالمجال الفني عن طريق الإذاعة، وشارك في أعمال دينية خارجية، وفي الثمانينات بدأ يكتب في الدراما وينتجها من جيبه الخاص، وبها حقق نجاحات كبيرة جدا؛ لأن هدفه أن يقدم للفن ومن أجل الفن، فالفن لا تجارة فيه.

وحرص أن تكون أعماله مفيدة للوطن وللمجتمع وللدين، لذلك حققت نتائج كبيرة لا يزال يفتخر بها، خصوصا أن الجماهير تذكرها رغم انقضاء وقت طويل عليها.

وعن بداياته مع والده، قال: «في الثمانينات كان الفن يحبو ولم تكن لدينا أية فكرة عن الدراما وكنت منكبا حينها على هوايتي وهي لعب كرة القدم، ليكتشفني المخرج محمد شاكر، وطلب من الوالد ضمي لأحد الأعمال، لكن الوالد كان يرى أني خجول ولا أتناسب مع الفن، لتتم تجربتي بنصف قناعة مع تشجيع كبير من الوالد لأنجح في المهمة الأولى، والفضل لله أولا ثم لوالدي وأخي وائل اللذين شجعاني كثيرا، لأشارك فيما بعد في عملين آخرين أحدهما دموع الرجال، وعرضت علي أدوار عددية بعدها ولم أفضل ذلك لتشابهها مع الأدوار السابقة.

وأشار إلى أن أبناءهم غير راغبين في المشاركة في الدراما، وولده عبدالله قد يكون الوحيد الذي خاض تجربة بسيطة حينما اشترك مع جده في عمل رمضاني اقتصر على حلقتين أو 3 فقط.

وكشف وائل محمد حمزة بعض البدايات لوالده الفنان محمد حمزة كونه كان لصيقا به في تلك الفترة، إذ يقول إن البداية الأولى كانت من سهرة تلفزيونية اسمها «وفاء الحب» وطلب المخرج عاطف الجعار من الوالد تجربتي، وطلعت مع الوالد في مشواره الأول في وفاء الحب المشهورة بـ«عمي يا جمال».

لكن التجربة الحقيقية بدأت في «أصابع الزمن»، وهي القصة التي كتبها الوالد وأخرجها محمد شاكر ولحن شارة البداية محمد شفيق وغناها الفنان عبادي الجوهر.

لتبدأ رحلة الفنان محمد حمزة الطويلة مع «ليلة هروب» مشركا الكثير من الفنانين العرب، وأذكر اتصال الملك سلمان بالوالد بعد «ليلة هروب» حينما كان أميرا على الرياض، شكره فيه على العمل المميز.

طقوس الكتابة

لم تكن للفنان محمد حمزة طقوس في الكتابة كما قال ابنه وائل، فقد كان يكتب وسط تجمع عائلي وفي كل مكان يجلس فيه في المنزل، لكنه كان يتعب في كتابة النصوص لأنه يأخذ التفاصيل من الجهات ذات العلاقة، فقد زار مكافحة المخدرات عند كتابة «ليلة هروب»، ويزور وزارة الداخلية التي تعاونت معه كثيرا، إلا أنه كانت تعترضه بعض الصعاب من المسؤولين حينها في وزارة الإعلام الذين عطلوا بعض أعماله، لكنه شق طريقه رغم المصاعب التي واجهته، وأذكر أنه كان يشكو كثيرا من بعض العراقيل وتهميش البعض لإنجازته.

ويضيف وائل أن والده كان متلهفا لتكريم داخلي يعوضه عن سنين صبره وينصفه، ونتمنى أن تتبنى جهة ذلك وتنجز توثيقا لمسيرته.

فالمشكلة التي تواجهه أنه يجد التكريم من الخارج في ظل تجاهل الداخل.

وما زلت أتذكر (عنوانا) في مجلة النهضة الكويتية نشر على غلافها «شوارع الكويت تقف عند عرض أصابع الزمن»، في دولة كانت تضم كبار فناني الدراما العربية، وزاحم دراما الكويت واعترفت به.

حفر في الصخر

رفيق دربه الفنان محمد بخش يرى أن الفنان محمد حمزة تعب كثيرا لإرضاء الجماهير وحفر في الصخر، لكنه هُمش في الفترات الأخيرة. وفقال: زيارتي لصديقي وأستاذي ورفيق دربي وشقيق الشقاء في الفن كانت واجبة، ومهما قلت عنه قليل في حقه، فهو من الفنانين الذين ساهموا في دعمي وعرفني على الجمهور وكان له فضل علي، كما أنه تعب كثيرا ليقدم ما يرضي الجمهور، كافح وتعب لكن المشكلة أنه هُمش في الفترات الأخيرة وقبل مرضه. طرق أبوابا كثيرة وقفلت في وجهه ولم نعرف ما هي الأسباب، وتهميشه كان مع سبق الإصرار والترصد، وكثير مثله من الزملاء.

أما عن التكريم، فيتأسف بخش بأن التكريم الدائم للفنانين يأتي من الخارج وبتجاهل من الداخل، وإذا كُرم في الداخل فذلك يكون من خلال مؤسسات فردية وتكريم شخصي فقط، ما يؤثر على الفنان وتصيبه صدمة وتعب نفسي كبير.

الأعمال العربية المشتركة

ويصف الناقد الفني علي فقندش، محمد حمزة بفيلم فني كبير في صناعة الفن السعودي المرتبط بالمجتمع «أعمالنا الأولى كانت اجتهادات لحسن دردير ولطفي زيني، لكن انطلاقة الأعمال المحلية العربية المشتركة نسجها الفنان محمد حمزة، وساهمت في صناعة دراما محلية بفكر متجه إلى صنع اللبنات الأولى للدراما المحلية».

ويضيف بأن مشاركات محمد حمزة كان فيها كثير من الرهان على أن تكون لدينا أعمال كبيرة ولافتة، وأدخلت المملكة دائرة الإنتاج الفني العربي من خلال القاهرة وبيروت وتونس.

وجاء دعم الحكومة في ذلك الوقت بإدخال نجم سعودي في الأعمال المنتجة عربيا ليرفع سعرها وهو دعم حقيقي للفنانين السعوديين.

وفيما يتعلق بالتكريم، قال إن آخر تكريم محلي للفنان محمد حمزة كان قبل 15 سنة في جدة، لكن الفنان الذي يريد أن يعمل ويراهن عن العمل لا ينتظر تكريما، وتكريمه كل يوم من خلال أعماله.