-A +A
إبراهيم علوي (جدة)i_waleeed22@
عند صدور كل بيان جديد من نزاهة يكشف الفساد ويتوعد الفاسدين، ترتعد فرائص المشبوهين وجلاً، إذ يكاد المريب أن يقول خذوني، فالضربات المتتالية للمتورطين في ملفات فساد أو اختلاس أو استغلال نفوذ تؤكد بلا شك أن يد العدالة ستصل إلى كل مفسد حتى لو توارى.

حرب ضروس تشنها السعودية على الفساد بخارطة طريق حازمة، وضع عنوانها ولي العهد: «لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد أيّاً من كان.. لن ينجو.. سواءً كان وزيراً، أو أميراً، أو أيّاً من كان.. أي أحد تتوفر عليه الأدلة الكافية سوف يُحاسب».


ولا تزال أجهزة الدولة -ممثلة في هيئة الرقابة ومكافحة الفساد- تُحقق في قضايا فساد وتلاحق كل المتهمين بقضايا الفساد المالي والإداري، فأصدرت أخيرا بيانها الذي استعرض مباشرة 16 قضية رشوة واختلاس، احترافية ومهنية عالية في الوصول للفاسدين وكشف أوكارهم وأساليبهم الاحتيالية واقتيادهم للعدالة لينالوا جزاءهم الرادع، متسلحة بثقة القيادة والمواطنين بأجهزة الدولة التي لا يزعزعها تقصير موظف أو فساده.

وأكدت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد أنه لا حصانة لفاسد مهما كان المنصب أو المكانة، وأن الفساد لا يسقط بالتقادم حتى بعد انتهاء العلاقة بالوظيفة، وأنها ماضية في تطبيق ما يقضي به النظام بحق المتجاوزين دون تهاون. وتعمل الهيئة على حماية المال العام ومحاسبة كل من يستغل وظيفته لتعطيل مشاريع التنمية أو الأنشطة الاستثمارية، أو الإضرار بالمصلحة العامة بأي صورة كانت. وأكدت الهيئة أنها ماضية في تنفيذ اختصاصاتها المقررة نظاماً بكل حزم.

إخفاء مصادر أموال

أكدت «نزاهة» مباشرة عدد من القضايا الجنائية والإدارية خلال ربيع الآخر 1443هـ، وأنها تحقق مع 657 شخصاً، وبلغ عدد الموقوفين 250، فيما أجرت الهيئة 6459 جولة رقابية خلال ربيع الآخر 1443. وأضافت أن ذلك شمل وزارات الدفاع والداخلية والصحة والعدل والتعليم والشؤون البلدية والقروية والإسكان.

وتمثلت أبرز جرائم الفساد المالي والإداري في الرشوة واستغلال النفوذ الوظيفي وإساءة استخدام السلطة، بالإضافة إلى التزوير.

وبينت «نزاهة» مباشرة عدد من القضايا الجنائية خلال الفترة الماضية، جارٍ استكمال الإجراءات النظامية بحقهم، من أبرزها تورط 3 مواطنين من منتسبي رابطة العالم الإسلامي لحصولهم على مبلغ 5767500 ريال، على دفعات من مدير تنفيذي لأحد الكيانات التجارية المتعاقدة مع الرابطة، مقابل موافقتهم على زيادة مبلغ 27000000 ريال على قيمة أحد المشاريع التابعة للرابطة والمنفذ من الكيان التجاري، واستخدام الموظفين حسابات بنكية لكيانات تجارية عائدة لأقاربهم في استلام تلك الأموال بهدف إخفاء مصدرها.

فيما جاءت القضية الثانية إيقاف مدير مشاريع بشركة مقاولات كبرى لحصوله على مبلغ 1900000 ريال على دفعات من أحد الكيانات التجارية، مقابل تمكين الكيان من الحصول على عقود بالباطن مع الشركة ضمن مشاريعها القائمة بالحرم المكي، واختلاسه مبلغ 50 مليون ريال من الشركة ذاتها بمشاركة أحد محاسبي الشركة «مقيم» نصيبه من المبلغ 25 مليون ريال.

إيقاف كاتب عدل

في القضية الثالثة باشرت «نزاهة» بالتعاون مع البنك المركزي السعودي قضايا عدة وتم إيقاف 3 موظفين بأحد البنوك لقيامهم بتأسيس كيانات تجارية، وفتح حسابات بنكية لاستخدامها في إيداع مبالغ نقدية مقابل حصولهم على مبلغ 400 ريال من كل 100 ألف ريال يتم إيداعها بتلك الحسابات، وإيقاف 4 مواطنين لقيامهم بتأسيس كيانات تجارية وفتح حسابات بنكية لاستخدامها في إيداع مبالغ نقدية مقابل حصولهم على نسبة من تلك المبالغ، وإيقاف 4 مقيمين لقيامهم بجمع المبالغ النقدية وإيداعها بتلك الحسابات، إذ بلغ إجمالي المبالغ التي تم إيداعها 150 مليون ريال تقريباً تم تحويلها لخارج المملكة.

جهود «نزاهة» خلال الفترة الماضية أسفرت عن إيقاف كاتب عدل بإحدى المناطق لحصوله على مبلغ 2600000 ريال من رجل أعمال (تم إيقافه) مقابل إفراغ 4 صكوك بمساحة إجمالية تفوق (40.000) متر مربع بطريقة غير نظامية.

وتم إيقاف 4 من منتسبي إحدى الجامعات ومواطن ومقيم سبق لهم العمل بذات الجامعة؛ لتورطهم في تأسيس كيانات تجارية، والحصول على مشاريع من الجامعة، بمبلغ 10 ملايين ريال، وتوقيع شهادات إنجاز أعمال غير صحيحة.

وفي قضية أخرى، نجحت «نزاهة» بالتعاون مع وزارة الداخلية ووزارة الصحة، في رصد عدد من الإعلانات بوسائل التواصل الاجتماعي تتضمن ادعاء المعلنين فيها بتعديل الحالة الصحية إلى محصن بمقابل مالي، وبعد إجراءات البحث والتحقق ثبت تورط 20 مواطناً ومقيماً بتعديل حالتهم الصحية بطريقة غير نظامية، كما تم رصد عدد من الإعلانات تبين من خلال إجراءات البحث والتحقق أنها نصب واحتيال، وتم إحالة المتهمين للجهات المختصة.

وفي قضية أخرى، تم إيقاف متعاقدتين تعملان بالمركز الوطني للقياس بهيئة تقويم التعليم والتدريب لقيامهن بتسريب أسئلة اختبار القدرات والتحصيلي لعدد من أقاربهن، كما تم إيقاف موظف يعمل مراقباً ميدانياً ببلدية فرعية في إحدى المناطق لحصوله على مبلغ 264050 ريالاً على دفعات لفترات متفاوتة، من عدد من الكيانات التجارية مقابل التغاضي عن المخالفات المرصودة على تلك الكيانات، وتورط 6 مقيمين تم إيقافهم قاموا بدفع تلك المبالغ.

قانوني: عقوبات مشددة وردع عاجل

أكد المحامي والمستشار القانوني عبيد العيافي أن العقوبات التي تطال الفاسدين تختلف من متهم إلى آخر حسب الوقائع التي ارتكبها والوصف الجرمي للواقعة وجسامة الجريمة ودور كل متهم فيها، وهو ما تقرره المحكمة المختصة، وتراوح ما بين السجن الذي تصل مدته إلى 15 عاما، والغرامة المالية، وإعادة الأموال التي تم الحصول عليها خلال الجريمة المرتكبة.

وبين العيافي أن نظام مكافحة الرشوة نص على عقوبات مشددة ونصت المادة الأولى على: «كل موظف عام طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته أو يزعم أنه من أعمال وظيفته ولو كان هذا العمل مشروعاً، يعد مرتشياً ويعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز 10 سنوات وبغرامة لا تزيد على مليون ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين، ولا يؤثر في قيام الجريمة تجاه قصد الموظف إلى عدم القيام بالعمل الذي وعد به».

والمادة التاسعة تنص على: «من عرض رشوة ولم تقبل منه يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز 10 سنوات وبغرامة لا تزيد على مليون ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين. كما يعاقب الراشي والوسيط وكل من اشترك في إحدى الجرائم الواردة في هذا النظام بالعقوبة المنصوص عليها في المادة التي تجرمها، ويعتبر شريكاً في الجريمة كل من اتفق أو حرض أو ساعد في ارتكابها مع علمه بذلك متى تمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق أو التحريض أو المساعدة».

وشدد العيافي على أنه عندما ترتبط قضايا الفساد بجرائم غسل الأموال، فعقوبتها السجن لمدة لا تزيد على 10 سنوات والغرامة بما لا يزيد على 5 ملايين ريال، ويمكن تشديد تلك العقوبة حال كان الجاني يشغل وظيفة عامة وارتبطت الجريمة بالوظيفة العامة فتشدد عقوبة السجن لمدة لا تزيد على 15 سنة وغرامة لا تزيد على 7 ملايين، وحال اتضاح أن هنالك أموالاً مصدرها الجريمة فيتم مصادرتها حتى لو كانت بأيدي الغير.