-A +A
حسين هزازي (جدة)
العرب يستخدمون عبارة «مات من الضحك» مجازاً للتعبير عن الحالة القصوى من السعادة والسرور التي تجتاح أحداً شهد موقفاً طريفاً، لكن العبارة تحولت إلى حقيقة وواقع مرير في غينيا الجديدة، إذ توفي الآلاف من قبيلة «فور» بسبب مرض غريب يعرف بـ «الضحك المميت» أو ما يطلق عليه علمياً «كورو»، وهو عبارة عن فيروس يصيب الجهاز العصبي المركزي، ويدخل المريض في نوبة مفاجئة من الضحك الهستيري، ويتطور إلى رعشة مستمرة في جسد المريض مع ألم في الرأس والعظام والمفاصل، وبمرور الوقت يصبح المريض عاجزاً عن الحركة حتى البلع والتنفس وتنتهي الحالة بالموت خلال سنة تقريباً من ظهور الأعراض الأولى. ويعد مرض الضحك المميت أحد الاضطرابات الدماغية النادرة، وظهرت لأول مرة على شكل وباء خلال الخمسينات من القرن الماضي، وينتمي إلى أمراض اعتلالات الدماغ الإسفنجية المعدية؛ لذلك فإن انتقاله سريع ويمكن أن ينتقل عن طرق الأكل أو ملامسة الجروح المفتوحة، ومن المهم معرفة أن المرض يمتلك فترة حضانة طويلة تصل إلى سنوات عدة لا يظهر فيها أي أعراض، ثم تبدأ الأعراض بعدها بالظهور تدريجياً.

العلاج صعب.. التخفيف ممكن


أوضحت الدكتورة فاطمة الشيخ، أن مراحل تطور أعراض مرض الضحك المميت، يحدث على ثلاث مراحل في جانب تطور الأعراض، وتسبق هذه المراحل المعاناة من الصداع إضافة إلى آلام في المفاصل يتم تجاهلها في كثير من الأحيان، بعد ذلك تبدأ المراحل بالظهور، إذ يواجه المريض في المرحلة الأولى صعوبة في التحكم في ردود الفعل الجسدية، ما يؤدي إلى فقدان القدرة على التوازن في الحركة، وفي المرحلة الثاني يفتقد الشخص القدرة على المشي، وتبدأ بعض الحركات اللا إرادية بالظهور، مثل الرعشات والهزات اللا إرادية، وفي المرحلة الثالثة يصبح المريض طريح الفراش ويفتقد القدرة على الكلام، ويحدث تغير في السلوك وقد يعاني في بعض الحالات من الخرف، إضافة لذلك قد يعاني المريض من الجوع وسوء التغذية بسبب عدم القدرة على البلع، وفي معظم الأحيان تحدث الوفاة خلال 24 شهراً من بدء ظهور الأعراض، وعادة ما تكون نتيجة لحدوث التهاب رئوي أو عدوى بسبب تقرحات الفراش. ويتم تشخيص مرض الضحك المميت، بإجراء فحص عصبي كامل، إذ يقوم بإجراء مجموعة من اختبارات الدم، مثل فحوصات الغدة الدرقية، وحمض الفوليك، واختبارات وظائف الكلى والكبد، وعمل مخطط كهرباء الدماغ، وتصوير الدماغ بالرنين المغناطيسي.

أما علاج مرض الضحك المميت، في الواقع لا يوجد علاج معروف حتى الآن، ويرجع ذلك إلى صعوبة التخلص من البروتينات المسببة للمرض، إنما يكون الهدف الأساسي من العلاج في معظم الحالات التخفيف من الأعراض الظاهرة قدر الإمكان.

إنهم يأكلون أدمغة الموتى!

استشارية المخ والأعصاب الدكتورة فاطمة الشيخ تقول إن المرض ينتمي إلى مجموعة الأمراض التي تصيب الإنسان والحيوان، وتتعلق ببروتين بريون، وهي جزيئات بروتينية تسبب العدوى، والبروتين عبارة عن مكون مهم في جميع الخلايا في الجسم، خصوصاً في الدماغ والجهاز المناعي، ويوجد في حالتين مختلفتين، في الحالة الطبيعية يذوب البروتين بشكل جيد في الماء، كما يمكن تحليله وتفكيكه بسهولة ليؤدي الدماغ وظيفته على أكمل وجه. وكان يعتقد في السابق أن سبب المرض فيروس بطيء التأثير، ووجد فيما بعد أنه بسبب بروتين صغير يسمى (بريون) يعمل بطريقة مشابهة لمرض جنون البقر، إذ يسبب المرض تشوهات في بعض بروتينات الدماغ ما يؤدي إلى تجمعها وتراكمها في أنسجة الدماغ، كما أنها قد تسبب تشوهاً في بروتينات أخرى في الدماغ.

والسبب الرئيسي في ظهور المرض هو تناول أدمغة الموتى في كينيا كنوع من طقوس الجنازة؛ الأمر الذي أدى إلى تفشي المرض، وعلى الرغم من التوقف عن هذه العادة إلا أن المرض استمر بعد ذلك لفترة طويلة، وأدى إلى وفاة الكثير من الأشخاص في تلك الفترة.

وأضافت الدكتورة الشيخ أن من أعراض مرض الضحك المميت التي قد تشبه الأعراض التي تنتج عن مرض باركنسون أو السكتة الدماغية، ألماً في الذراعين والساقين ومشكلات في التنسيق، خصوصاً أثناء الحركة وصعوبة في المشي، وصداعاً في الرأس وهزات وتشنجات لا إرادية، وسوء في التغذية، كذلك الضحك القهري والبكاء بشكل عشوائي، وصعوبة الإمساك بالأشياء، صعوبة في البلع، الغيبوبة والجنون.

شواء بشري على الخيزران

ظهر مرض «كورو» في الفترة الممتدة بين 1968 و1975 وتسبب في وفاة أكثر من 1100 شخص، في بابوا غينيا الجديدة، وهي دولة تحتل الشطر الشرقي من جزيرة غينيا الجديدة، الواقعة في المحيط الهادي إلى الشمال من قارة أستراليا، التي تعد ثاني أكبر جزيرة في العالم، وتميزت هذه الدولة بمئات القبائل البدائية التي عاشت في أدغال وأحراش غاباتها المطرية الكثيفة بمعزل عن العالم لآلاف السنين، وتميزت كل قبيلة بلغتها وعاداتها الخاصة بها، فكان هناك أكثر من 850 لغة مختلفة في هذه الرقعة الصغيرة من الأرض، وتشتهر بعض القبائل من بينها قبيلة «فور» بأكل لحوم البشر، إذ كان أفرادها يمارسون طقوساً جنائزية فريدة من نوعها، تتضمن أكل لحم الموتى، فبمجرد وفاة شخص تجتمع النساء من أقاربه، ويقمن بفصل يديه ورجليه ورأسه عن جسده، ثم يقمن بشي اللحم في أنابيب مصنوعة من الخيزران، والتهامه والتهام القلب والكبد والأحشاء الداخلية باستثناء الحويصلة المرارية فحتى العظام يتم مصها وطحنها لطبخها مع الخضار. أما المخ فكان له عندهن مكانة خاصة، حيث يقمن بكسر الجمجمة وإخراجه بسرعة ليأكلنه نيئاً وهو لا يزال حاراً وطازجاً، ويتم تقاسمه على حسب قرابة الميت، حيث يسمح فقط للأم والزوجة والأخت بالتهامه، وعادة يتجنب رجال القبيلة أكل اللحم البشري لأنهم يعتقدون أنه سيعرضهم لخطر الأعداء.

فيما توزع بقية أعضاء الجثة على الأطفال وكبار السن، لذلك كان ينتشر مرض «كورو» بين أوساط هذه الفئات فقط، وأدى إلى وفاة نسبة كبيرة من نساء القبيلة.