جدتي مجمدة
جدتي مجمدة
-A +A
إبراهيم العلوي (جدة) i_waleeed22@
جرائم يندى لها الجبين، ولا يصدقها عاقل، تزهق فيها أرواح، غاب العقل وحضرت المخدرات، ضحاياها من الأهل والأحباب لا حول لهم ولا قوة، ذهبوا في غمضة عين، ليحل الندم حيث لا ينفع فيه الندم. قصص ومآسٍ يخلفها إدمان المخدرات، هذا يقتل والديه وأخاه ويحاول إخفاء الجريمة بافتعال حريق في الاستراحة التي وقعت فيها الجريمة طمعاً في الهرب من جريمته النكراء، غير أن الشرطة تمكنت من كشف غموض الجريمة واعترف المجرم بارتكابها، مبرراً أنها وقعت تحت تأثير المخدرات وإدمان الشبو. وهذه جريمة تقشعر لها الأبدان بعد أن قام مدمن بقتل والده ووالدته وفصل رأس والده عن جسده. القاتل يبلغ من العمر 29 عاماً وتبين بعد جمع الاستدلالات الأولية أنه من أرباب السوابق في تعاطي المخدرات والمسكرات. وفي واقعة مماثلة اعترف مدمن شاب أنه قتل جدته، التي احتوته وأنكرت قيام والدته برفض أن يسكن معها بسبب إدمانه على المخدرات، فلم يجد جزاء لها سوى الغدر بها ليقتلها في أبشع جريمة تلفظها الإنسانية.

التهديد بإحراق المنزل


جريمة قتل الجدة لم يكن مخطط لها وفق اعترافاته، إذ حدثت تحت تأثير الشبو المخدر، معترفًا أنه شاهد جدته تتوسط صالة مسكنها ليقوم بخنقها حتى فقدت وعيها، ومن ثم قام بإفراغ محتويات ثلاجتها الفريزر من كافة محتوياتها، ونقل جسد جدته إليها ويعيد كل المحتويات مغطياً الجسد الذي قضى تحت تأثير البرودة والخنق.

الجاني جلس وحيداً في منزل جدته، وكان يتعمد تضليل عمته ابنة الضحية بأنها خرجت لزيارة جيرانها وهو ما جعل الشك يساورها، خصوصاً أنها انتقلت حديثًا للسكن في مدينة أخرى، ولا تعرف جيرانها بعد، ليقوم زوجها بالسؤال عن والدتها.. وهناك وجد الجاني يهدد بإحراق المنزل في حال طرده من البيت.

عصبية الجاني وغياب الجدة عززا الشكوك حول وجود أمر ما يخفيه ليتم إبلاغ الجهات الأمنية التي انتقلت للمنزل الذي يتحصن فيه الجاني بواسطة أنابيب غاز مهددًا بتفجيرها حال اقتراب أي شخص منه، ونجح رجال الأمن في السيطرة على الجاني وضبطه. وبتفتيش المنزل وجدوا الجدة داخل الفريزر!

التحقيقات تواصلت بعد إخراج جثة الجدة متوفاة وقد تيبس جسدها، وأقر الجاني بجريمته التي وقعت تحت تأثير مادة الشبو المخدر؛ الذي أدمنه بفعل أصدقاء السوء وأبدى ندمه على جريمته ليدخل في حال نفسية ومرضية استدعت إدخاله المستشفى أياماً لعلاجه.

قتل الأصدقاء والأهل

مآسي إدمان المخدرات لا تتوقف، إذ أقدم شخص على قتل أعز أصدقائه في جريمة مروعة اهتزت لها كل المشاعر الإنساينة بعد أن اتصل على ضحيته طالبًا مساعدته بعد أن زعم تعطّل سيارته، وجعل ضحيته يترك طعامه ويبادر إلى مساعدته، وهو لا يعلم أنه قد عزم قتله حرقاً داخل سيارته.

ولا تغيب عن الأذهان حادثة القتل الجماعية التي أقدم عليها مدمن ارتكب جريمة مروعة راح ضحيتها 4 من أفراد أسرته بعد أن قام بسكب البنزين داخل منزله وإشعال النار بفعل تعاطي مادة «الشبو». وقال شهود العيان حينها إن العائلة تمت محاصرتها داخل إحدى غرف المنزل عندما اشتعلت النيران ما حال دون قدرتهم على النجاة وذلك في نهار رمضان بعد محاصرتهم.

المدمن تحول إلى عاق

يروي «عبدالله»، قصته مع الإدمان الذي دمر حياته كما يقول: «كانت حياتي أكثر من جحيم، سرقت وتعديت على والدي وأشقائي الذين كرهوني فقد تضرروا مني، سرقت أموالهم، دائم التهديد لهم بالقتل في حال قاموا بنصحي أو عدم منحي الأموال. كانت والدتي الأقرب لي، كنت أرفع صوتي عليها. وذات يوم دفعتها وأنا في قمة إدماني فأصيبت بكسر في الحوض، عانت بسببه كثيراً وخضعت لعمليات عدة، وظلت في المستشفى أياما طويلة، لم أزرها أبداً ولم أتصل بها هاتفياً، وذات يوم أقدمت مع رفاق السوء على محاولة سرقة سيارة ليتم القبض علينا وأقضي محكوميتي في السجن، وهناك شعرت بالندم والخجل مما فعلت فقد أجرمت في حق أسرتي وأقاربي وجيراني ونفسي».

ويشير عبدالله، إلى أنه خضع للعلاج وعاد للدراسة «بعد أن انتهت محكوميتي، خرجت وكنت خائفًا من رد فعل أسرتي التي لم تزرني طوال سجني ما عدا والدي، وهم في شك كبير بأنني ساعود إلى درب الإدمان».

العودة مجدداً للحياة

إدمان السموم دمرت حياة «سالم»، شوهت سمعته وتضرر الكثيرون من أفعاله، فقد سرق الكثير واعتدى على أهالي الحي الذي يسكنه، كان يترصد لهم بالسكين في الطرق المظلمة؛ إما أن يحصل على أموالهم أو هواتفهم أو القتل.

يقول سالم: «لجأت لترويج المخدرات واستهدفت أبناء الحي ولم يسلم ذووهم مني، في سرقتهم ولم أدع أبنائهم في حالهم، وتورطت في كثير من المشكلات والجرائم التي قادتني إلى السجن، ولم أستطع أن أحصل على ما أريد بين جدران السجن وتعرضت لأعراض خطيرة بفعل إدماني، وانتهى بي الحال في مستشفى لعلاج الإدمان تحت حراسة مشددة، وكان السجن الأفضل لي حتى أكون بعيداً عن المواد المخدرة، وبعد أشهر وبفضل الله ثم بإدارة السجن تجاوزت إدماني واطمع في تعويض أسرتي عما لحق بها من ضرر خصوصاً زوجتي وطفلي».

ضلالات وتدمير للخلايا

وصف المحامي ماجد الأحمري، إدمان الشبو بأنه من أخطر المخدرات التي أصبحت الأكثر شيوعاً بين الشباب، فهي مدمرة للعقل وتعمل على إيهام الشخص بالشعور والطاقة الزائدة والسعادة والنشوة الزائفة، كما تتسبب في تدمير خلايا المخ إلى جانب الضلالات الدائمة للمدمن بوجود من يرغب في قتله، لذا تنتهي أكثر حالات إدمان الشبو بالقتل.

وأضاف، أن عقوبات جرائم المخدرات تُقدر على حسب جسامتها، وتُقسم إلى عقوبات أصلية وعقوبات تكميلية حسب نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية وقضى نظام مكافحة المخدرات في المادة السابعة والثلاثين بالقتل تعزيراً لمن قام بتهريب المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية، وتلقي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية من المهرب، وجلب أو استيراد أو تصدير أو صنع أو إنتاج أو تحويل أو استخراج أو زراعة أو تلقي مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية بقصد الترويج في غير الأحوال المرخص بها في نظام مكافحة المخدرات، وترويج مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية للمرة الثانية بالبيع أو الإهداء أو التوزيع أو التسليم أو التسلم أو النقل بشرط صدور حكم سابق مثبت لإدانته بالترويج في المرة الأولى، وللمحكمة السلطة التقديرية؛ وفقاً للبند الثاني من نفس المادة بأن تنزل عن عقوبة القتل إلى عقوبة السجن التي لا تقل عن 15 سنة، وبالجلد الذي لا يزيد على 50 جلدة في كل دفعة، وبالغرامة التي لا تقل عن 100 ألف ريال.

وأكد الأحمري أن نظام مكافحة المخدرات أوضح في نص المادة (٤٢) الفقرة (١) بأنه لا تقام الدعوى بسبب تعاطي أو استعمال المخدرات أو المؤثرات العقلية بحق مرتكب أحد هذه الأفعال إذا تقدم بنفسه أو أحد أصوله أو فروعه أو أحد أقاربه طالباً علاجه.

نبراس لاستشارات الإدمان

أطلق نبراس مركز استشارات الإدمان في جميع مناطق المملكة على الرقم (1955)، وعلى واتساب 0552001955، ويعمل على خدمة الأسر التي يوجد لديها شخص مدمن، إلى جانب اتصالات متنوعة ما بين طلب حالات علاجية ونقل قسري.

ويحظى مركز استشارات الإدمان ضمن برامج المشروع الوطني للوقاية من المخدرات (نبراس)، بمتابعة مباشرة من وزير الداخلية رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات.

قاتلة ومخيفة وبشعة

أكد مدير إدارة الدراسات والمعلومات للجنة الوطنية لمكافحة المخدرات الدكتور سليمان اللحيدان، أن مادة الشبو قاتلة وقنبلة موقوتة وتسبب الأذى لمتعاطيها والآخرين.

وأضاف أن مادة الشبو أو ما تعرف باسم «الكريستال أو الآيس أو الثلج» قنبلة موقوتة ومؤذية للنفس والغير والحوادث التي تنتج عنها كثيرة ومخيفة وبشعة، وهو نوع من أنواع المخدرات الصناعية الجديدة، وهو مادة شبيهة بالزجاج المكسور أو ثلج مكسّر إلى قطع صغيرة وتأخذ عن طريق الحقن والبلع والتدخين واستنشاق الأبخرة.

متى تحدث النكسة؟

تتابع أخصائية علاج الإدمان الدكتورة سمية الناصري، أنه في فترة الحياة الجديدة في أول ستة أشهر، يكون هناك الكثير من التقلبات في العواطف والمشاعر، وبعدها يبدأ بتشكل نمط جديد للحياة عند الشخص، كسب أصدقاء جدد، الاستمتاع بوسائل ترفيه جديدة يصبح أكثر سهولة وهنا نحذر من الانتكاس ونقصد العودة للإدمان عقب الشفاء منه ويحتاج الشخص المتعافي من الإدمان إلى متابعة مستمرة ورعاية خاصة ودعم المحيطين به لحمايته من خطر الانتكاس والعودة للإدمان.

وأشارت الناصري، إلى الانتكاس للشخص المتعافي من الإدمان تمر بالانتكاس العاطفي وأولى مراحل انهيار المتعافي من الإدمان وتتولد لديه خلالها رغبة شديدة ومُلحة في تعاطي المواد المخدرة مجدداً، ومن الأعراض التي تصاحب هذه المرحلة اضطرابات النوم ونوبات الأرق واضطرابات التغذية والتحولات الحادة بالحالة المزاجية، يعقبه الانتكاس النفسي.. وتكمن خطورة هذه المرحلة في بدء انهيار الحاجز النفسي الحائل دون الانتكاس بعد التعافي من الإدمان نتيجة تصاعد وتيرة الصراع الداخلي بين الاستمساك بمسار التعافي وبين نشوة الماضي التي كان يحصل عليها عند تعاطي المخدرات، ومن أبرز دلالات هذه المرحلة تنامي مشاعر القلق والتوتر، واختلاف ملحوظ في الوزن بالزيادة أو النقصان، وعدم الانتظام في تناول الأدوية الموصى بها، ويُظهر المريض سلوكاً عنيفاً أو عدوانياً مع الميل إلى العزلة عن الآخرين ومن ثم الانتكاس الفعلي برفض كل محاولات النصح والإرشاد والعلاج والتواصل مع رفقاء السوء ومروجي المخدرات للحصول على المخدر بأي وسيلة.

وتشدد الدكتورة الناصري، على ضرورة مساعدة المتعافي من الإدمان في مواجهة التحديات التي يواجهها واحتوائه وعدم إشعاره بأنه شخص منبوذ أو توجيه اللوم له على أفعاله بالماضي ومساعدته على تغيير روتينه اليومي وتقديم الدعم النفسي له وتوجيهه نحو العودة للحياة والعمل وحثه على الاهتمام بالجوانب الروحية والصلوات وتفريغ طاقاته الكامنة ببعض الأنشطة المفيدة مثل الالتحاق بالرياضة ومتابعة تناول علاجه.

مراحل التعافي والتحلل من السم

أخصائية علاج الإدمان الدكتورة سمية الناصري، ترى أن المتعافي من الإدمان يرجع شخصاً طبيعياً وقبل ذلك يمر المتوقف عن التعاطي بحالة صعبة في الفترة الأولى كالمشاكل البدنية والنفسية التي يعاني منها المدمن ويعقبها فترة الحماس وتستمر من (1-3 أشهر) وفيها زوال الشعور بالحرمان وانخفاض الرغبة في التعاطي ويدل على تحسن الشخص. ويشعر المدمن أن مشكلة الإدمان قد انتهت، وأن الكثير من الأشياء تغيرت في حياته كعودته إلى حياته العملية، الحياة المنظمة، والعلاقات الدائمة، كل هذا يشعر الشخص بتحسنه.

وحذرت الناصري من فترة الملل التي تستمر من (3-6 أشهر) عقب نهاية الشهر الثالث في فترة العلاج، إذ يظهر على الشخص الملل والتعب وعلامات الاكتئاب، ويمكن أن تؤدي إلى ضياع حماس هذا الشخص، الحياة المنظمة يمكن أن تضغط الشخص وتشعره بالملل، بعدها يبدأ الشخص بالاشتياق إلى حاله في السابق، ولهذا السبب يجب أن يتم مراعاة وفهم الشخص، خصوصاً في هذه الفترة وتقديم الدعم الكافي والمساعدة له.

«إرادة»: اطلبوا العلاج في أسرع وقت

دعا مجمع إرادة والصحة النفسية المدمنين على المواد المخدرة والمؤثرات العقلية الاستفادة من الجهود المبذولة للتصدي للمؤثرات العقلية وتجفيف منابعها والقبض على مهربيها ومروجيها ومن يقوم بحيازتها، إضافة إلى توفير الخدمات العلاجية والتأهيلية.

وحث المجمع كل من ابتلي بالإدمان بهذه الآفة المبادرة وطلب العلاج بأسرع وقت ممكن، مؤكداً بأن المواد المخدرة كلها خطرة على المتعاطي وعلى أسرته وحتى على مجتمعه.

وأكد أن علاج الإدمان والتعافي منه، يتطلب الرغبة الصادقة في التخلص من الإدمان، مع الخضوع للبرامج العلاجية والخدمات التأهيلية الداعمة، إضافة للدعم الأسري والمجتمعي لمساعدة المتعافي في رحلة تعافيه.

وشدد على أن خدمات المجمع تتنوع بين الطوارئ والعيادات الخارجية والتأهيل والرعاية اللاحقة والخدمات الطبية المساعدة والتنويم، مشيراً إلى أن التنويم في الأقسام الداخلية بالمجمع ليس شرطاً أساسياً لنجاح العلاج والتعافي من الإدمان، إذ إن قرار التنويم هو قرار طبي بحت بناءً على حالة المريض الصحية.

وبين «إرادة» أن المجمع سجل نجاحات عديدة لمرضى نجحوا في التعافي من خلال مراجعتهم في العيادات الخارجية، ثم الانخراط في البرامج التأهيلية في منزل منتصف الطريق والرعاية اللاحقة.