-A +A
فاطمة السهيمي
خديجة:

تلك المرأة أضرمت النور في جدائلها.. وقدمتها قربانا للقمر الذي اتكأ في وسط خبائها..


رمت في خفة قطعة ذهبية من ربيعها الفاتن في دلة القهوة.. وراحت تحركها حتى ذابت نجمة..

سترت بخمارها الطويل حفلة من دموع الماضي أحيتها عيناها البدويتان..

وراحت تصفف مذكراتها الجديدة على الرمل والزمان..

رمقها القمر بابتسامة حريرية وهو يحتسي الصباح

فبرأت الدموع.. وانطفأت الجراح

في مكان آخر

كانت الخيام تحترق.. ودلال القهوة

تنحني... وتنثني.. فتندلق

.. وتنكسر

وتحرق وجنة القمر..

كانت الليالي بلا جدائل.. والصحاري بلا نجوم..

فقط مجموعة من الجبال الخرساء تحرس مجموعة من القبور..

والقوم يسيرون في الطرقات كأعجاز النخل..

يقهقهون كلما غفت الأرض الجرداء..

فتحك جلدها القديم.. وتعود للنوم..

السكون المخيف يلف المكان...

والريح تعوي مع الذئاب في الأرواح الهلامية..

خلف الأطواد..

والمكان قفر لا يشبه البلاد..

والسواد يرتوي من السواد

ويجرع من العبيد والعباد

ناداها باسمها..

خديجة.. خديجة..

صمت الكون..

الطيور كفت عن التغريد

والأسرى عن الأنين

والموتى من الحنين

والكلاب عن النباح

أصاخت بسمعها فلم تسمع سوى نبضات قلبها.. تتردد في الخيمة كموجة صغيرة تمسح صفحة البحر..

أو كأنفاس طفل مريض وجد أمه قبل أن يودع الحياة..

وكلما غارت الكواكب تفقدت بطرف عينها القمر.. بين الحجاز والسراة..

والقمر يحتسي الصباح..

ويضغط بأسنانه على الحروف السماوية التي تصطف كاللؤلؤ المنثور في ثغره..

رمت نجمة أخرى في دلة القهوة..

والعالم الكبير يكاد يحطم الجبال ليرتمي في حضنها..

الغرباء يتعلقون بالقوافل المشدودة إلى خيمتها المخملية..

والأشقياء يتهجون الأثر ويلحسون الرمال..

والقمر يحتسي قهوتها العربية ويحتسي الصباح

وفي مكان آخر

كانت الخيام تحترق

ودلال القهوة

تنحني.. وتنثني.. وتندلق.. وتنكسر

وتحرق وجنة القمر..

ناداها قمرها باسمها مرة أخرى..

واتكأ على عمود الخيمة الأوسط..

فأعادت ترتيب الخيمة بين أضلاعها..

وكلما نطق اسمها تحسست قلبها.. وسترت دموعها بخمارها..

وأطفات نجمة جديدة..

أما الحدائق التي نبتت بين أصابعها.. فقد فرشتها للفرسان القادمين من مجاهل الصحراء

وأما الأنهار التي تفجرت تحت قدميها وهي تعمر الخيمة بخطواتها..

فقد غسلت بها السيوف للرجال..

ركعت على قدميها والقمر يتلو عليها رسالة بيضاء

كان خمارها يخط الأرض.. لكن روحها كانت كوكباً درياً يتهادى بين الجنة والسماء...

30/10/1439