طلحة جبريل
طلحة جبريل
طلحة جبريل مع العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني.
طلحة جبريل مع العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني.




.. وفي نقاش ثقافي مع الروائي محمد شكري.
.. وفي نقاش ثقافي مع الروائي محمد شكري.




طلحة جبريل يصافح الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش.
طلحة جبريل يصافح الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش.




..  برفقة الطيب صالح.
.. برفقة الطيب صالح.




.. ومع الشاعر الراحل محمد الفيتوري.
.. ومع الشاعر الراحل محمد الفيتوري.
-A +A
حاوره: علي الرباعي Al_ARobai@
يتمتع الصحافي طلحة جبريل بروح تصالحية مع ذاته ومع الآخرين، قدم إلى الحياة في بيت طيني، بقرية (درب القرونة) في ولاية (مروي) الشمالية، في جمهورية السودان الشقيق، ومن حضن أمه، رضع الصبر، ومن مثابرة أبيه، اكتسب سياسة النَفَس الطويل، ومن العيش بين ١٥ أخاً وأختاً تربى على التسامح وغض الطرف، والإيثار، صادقَ الملوك، وحاور الزعامات، وكتب سيرة أدباء، وأسهم بأعمال صحفية خالدة، والحوار معه ثراء يوصل المُحاور بالجغرافيا والتاريخ والأهل والساسة والبسطاء. وبما أنه كائن معطاء، تجاوب مع أسئلتي دون تذمر ولا تحوير ولا اشتراطات، فهو زميل مهنة، ويعي جيداً معنى الفوز بلقاء صحفي مع ضيف بقامة صاحب «صحافة تأكل أبناءها»، وهنا نص الحوار:

• للبئر الأولى فضل في غرس نواة الوعي، ما الذي بقي في الذاكرة من مروي وأهلها؟


•• في فترة الطفولة والصبا، كان الفتى، يعتقد أن العالم هو جبل صغير، تناثرت فوقه بيوت طينية في قرية «درب القرونة» في منطقة مروي، وحقول نخيل وبرسيم، وضفة نهر. كانت مفردة «الوعي» منعدمة، لذلك بقيت في الذاكرة فقط الأصوات. صوت الرياح تعبث بأشجار النخيل، صوت هدير أمواج النهر صوت نباح الكلاب، ثغاء الشياه والماعز وأحياناً نهيق الحمير، وصياح الديوك. كان طموحه أن يصبح فلاحاً مثل عمه «الطيب موسى» (رحمه الله)، لكن سيجد نفسه لاحقاً قد ضل طريقه من الفلاحة إلى المدرسة ثم إلى الجامعة، ثم إلى الصحافة، ثم إلى الكتابة، ثم إلى التدريس الجامعي.

كيف حدث كل ذلك؟ الجواب: المهم أنه حدث.

• من أوّل من تنبأ لك بهذه المحطات والدروب والإنجازات؟

•• كان أبي «جبريل موسى» (رحمه الله)، يتوقع أن أكون سائق شاحنة مثله أو نجاراً في أحسن الأحوال، لكن الفتى كان يقول سيأتي يوم يعرف الناس اسمي، لا يهم المهنة أو الحرفة التي سأرتبط بها.

• هل كان خط السير هو الذي تمنيته وحلمت به؟

•• كان طموحي عندما وصلت الجامعة أن أعمل أستاذاً في المدارس الثانوية، ولم يكن في بالي بأنني سألقي محاضراتي ودروسي في أرقى الجامعات.

• لماذا كانت المغرب وجهة أولى؟

•• كانت صدفة، نعم صدفة، حصلت على الشهادة الثانوية (البكالوريا) من منازلهم، أي لم أكن أدرس في مدرسة نظامية، وقيل لي يومها في وزارة التعليم العالي مستوى شهادتك يؤهلك للدراسة في مصر أو العراق أو تركيا أو المغرب، ودون تردد اخترت المغرب لأنه البلد الأبعد، وكنا عرفنا عنه معلومات جغرافيا محدودة جداً، وبضعة أسطر عن تاريخه.

• كيف واءمت بين تقليدية المشرق، وحداثة المغرب على مستوى المعرفة والفكر والفلسفة؟

•• في ظني أن البيئة السودانية بعيدة إلى حد كبير عن بيئة المشرق العربي، لذلك تأثرت كثيراً بالعقلانية والفكر والفلسفة المغربية، والفضل في ذلك يعود إلى أساتذتي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، أذكر منهم على سبيل المثال: عبدالله العروي، ومحمد عابد الجابري، وطه عبدالرحمن، ومبارك ربيع، ومحمد إبراهيم بوعلو، ونبيل الشهابي، ورشدي فكار، وعبدالرزاق الدواي، والطاهر وعزيز.

• ما أجمل ما تحتفظ به من تجربة الشرق الأوسط؟

•• حواراتي مع 29 رئيس دولة، على رأسهم العاهل المغربي الملك الحسن الثاني، ومن بينهم باراك أوباما، ونيلسون مانديلا، وليش فاليسا، وغطيت أهم الحروب والنزاعات في أفريقيا، من أرتريا والصومال شرقاً حتى ليبريا وسيراليون غرباً.

• رغم أن واشنطن عاصمة قرار، إلا أنك لم تتشبث بها وآثرت المغرب، ما السر؟

•• كنت أتمنى أن تطول إقامتي في أمريكا، لكن قرار عودتي إلى الرباط، لم يكن قراري بل كان بسبب اعتبارات وحسابات بئيسة تهم رئيس تحرير الصحيفة آنذاك.

• أين ابتسم لك الحظ وأين عبس؟

•• ابتسم لي الحظ لأنني عشت عزيزاً مكرماً مقدراً في المغرب، ومنه يتحدر أبنائي، وكنت محظوظاً لأنني الصحافي الوحيد الذي أصبح رئيساً لتحرير خمس صحف في بلد ليس بلده، وهي أيضاً تجربة أخرى كانت في هذا المغرب الرائع.

أقول صادقاً لم يعبس لي الحظ، ولكن منذ أن غادرت الخرطوم متوجهاً نحو الرباط للدراسة، كان لسوء حظ أن يعيش وطني ثلاث تجارب شمولية، ومناهضتي للأنظمة الشمولية جعلتني بعيداً عن وطني ودفء الحياة وسط الأهل والعشيرة.

• متى اقتنعت بأن الصحافة مهنة متاعب؟

•• لم يحدث أن قلت قط بهذه المفردة، وأنا دون تزيّد في القول أو الادعاء، أقول إن الصحافة هي مهنة «متعة»، نعم متعة على الرغم من كل متاعبها ومخاطرها، ومن يعتقد أنها مهنة متاعب، لماذا يتمسك بها؟.

• ما سبب نجاحك صحفياً، علماً بأن المثقف في داخلك ثوري، والصحافة تحتاج كائناً مُروّضاً؟

•• في ظني أنني نجحت، وأقول ذلك ليس ادعاء بل تقوله السيرة المهنية، لأنني أحب مهنتي.. وما زلت. أما بشأن مسألة «الدواخل الثورية»، أقول إن لدي مجموعة قيم أؤمن بها، على سبيل المثال، إذا قلت إن التعليم حق، والعلاج حق، والسكن اللائق حق، وتكافؤ الفرص في العمل حق، وحرية التعبير والاختيار حق.. هذه مجموعة قيم إنسانية أؤمن بها، لا يهمني أين تضعني أو تصنفني.

• ماذا أضافت لك العلاقات بالنخب عربياً وغربياً وماذا سلبت منك؟

•• أضافت إلي الكثير، وعلمتني كيف تكون الموضوعية وقبول الآخر واحترام الفكر مدخلاً للتقدير والاحترام، أقول صادقاً لم تسلب مني العلاقة مع النخب شيئاً.

• بماذا خرجت في كتابيك عن الطيب صالح ومحمد شكري، مما لم تذكره في الكتابين؟

•• أعتبر كتاب «على الدرب مع الطيب صالح» تكريماً لي قبل كل شيء، لأن الطيب صالح قال لي ما لم يقله لأي أحد، واختارني ليروي سيرته الذاتية لأنني «صحافي موهوب» -على حد تعبيره- وذلك ما كتبه حرفياً.

في شأن محمد شكري يكفيني أيضاً أنه اختارني ليسرد لي حياة تفاصيل حياة استثنائية. الطيب صالح كان حريصاً ألا يقول كلاماً سلبياً عن أي أحد، لذلك طلب مني حذف بعض الفقرات، وذلك ينسجم مع شخصيته، إذ الطيب إنسان جميل ظل جميلاً حتى غادر دنيا الناس هذه. محمد شكري قال لي كل شيء وكانت كلمته الأخيرة لي «انشر كل شيء.. وما يهمني العالم» هكذا حرفياً.

• هل تؤثر ردود أفعالنا العاطفية على موضوعيتنا؟

•• ظني أن شخصاً دون عواطف هذا ليس بشراً، لكن أن تؤثر العواطف على الموضوعية، يتعذر علي أن أقول رأياً قاطعاً في هذا الصدد.

• يرى البعض أن حظوظ المثقف العربي ضعيفة أمام حظوظ السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ما تعليقك؟

•• في مجتمعاتنا لم تنل النخبة المثقفة حقها من التقدير هذا صحيح، لذلك لم تلعب الدور المنوط بها، ولكن بالمقابل سنلاحظ أن مفكرين ومثقفين في المنطقة كانوا يتقدمون الصفوف في الدعوة للتحولات الاجتماعية، لكن شرائح كثيرة من بينهم انشغلوا عن قضايا التغيير الاجتماعي بقضية الوضع الاجتماعي لكل منهم، بل إن من بينهم الآن لم يعد يفكر بضرورات التغيير، وإنما بتحسين أوضاعه الشخصية.

• كيف تقرأ مستقبل الصحف في الزمن الرقمي؟

•• أقول بكل موضوعية المستقبل للصحيفة الهجين التي تجمع بين الورقي والرقمي. شخصياً أكتب في الصحف الورقية وكذلك الإلكترونية، وحاضر يومياً في عدد من الشبكات الاجتماعية، ولاحظت أن الشباب يقبل على هذه الشبكات حتى أصبحت قوة فاعلة ومؤثرة، لكن عندما أكتب في بعض الأمور، حتى لو كانت مشاهدات أو أخباراً موثقة، يصل عدد القراء إلى مئات الآلاف بل حتى إلى مليون، ومن يشكك في ذلك على استعداد أن أرسل له نسخاً مصورة. إذن الشباب يبحثون عن الجدية بغض النظر عن الحامل سواء كان ورقياً أو إلكترونياً.

• هل أغنت وسائل التواصل والوسائط عن الورق؟

•• أقول جازماً، المشكلة هي ارتفاع تكلفة الصحيفة الورقية، والمثال الذي في ذهني يفند حكاية اندثار الصحافة الورقية نموذج «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز».

• ما دافعك لفتح قناة يوتيوب، أما زال لديك ما لم تقله؟ أم ما تود قوله؟

•• أنا استعملها في مرات متباعدة، وفي ظني هناك من لا يريد أن يقرأ، بل يريد أن يسمع.

• كم نسبة الموضوعية في «صحافة تأكل أبناءها»، وهل كان ردة فعل ذاتية؟

•• هذا الكتاب كان سرداً لوقائع وحقائق، ونفد من السوق في فترة وجيزة، وإلى الآن لم أقرأ أو سمع من قال إنني اختلقت، وفي الواقع تعلمت من هذه المهنة أن الاختلاق والكذب تدمير شامل للصحافي، أياً كان اسمه أو تجربته.

• لمن تقول «سامحك الله»، ولمن تقول «سامحني»؟

•• سامحك الله أقولها لإنسانة، ولن أخوض في التفاصيل، لكن أقول من جانبي كان «الحب» كما شعرت به ومن الجانب الآخر لا أعرف كيف كانت المشاعر.

أقول (سامحك الله) للذين يختلقون عني أشياء لا أساس لها من الصحة، على الرغم أنني لا ألتقيهم وبالتالي لم يسمعوا مني حتى ولو كلمة أو همسة، وشعاري الذي لا يتبدل:

«عاهدت نفسي ألا أرد على أحد مهما كان القول وأياً كان القائل، وشعاري الدائم، إنهم يقولون، ماذا يقولون، دعهم يقولون».

مفردة «سامحني» لا توجد في قاموسي، الكمال لله، لكن الإساءة لأي شخص مسألة خارج أي تغطية من جانبي.