-A +A
خالد بن هزاع الشريف khalid98alshrif@
•• في مراهقتي لم أتخيل يوماً أن الحياة سوف تتجاذبني هنا وهناك.. جبت شوارع الدبلوماسية وميادين العلاقات العامة وحارات التجارة وأزقة الكتابة الصحفية.. كانت بدايات تأصيلي المهني برفقة السفير إبراهيم السعد البراهيم بسفارتنا في القاهرة.. وتلك هي مرحلة ذهبية بدأتها منتصف العشرينات من عُمري.. فترة كانت بالنسبة لي استقاء الخبرة من دبلوماسي وسياسي محنَّك.. علمني كيف أخطط وأصنع معنى مختلفاً للحياة.

•• ذلك السفير الإنسان ذو القيمة الإبداعية أينما حل؛ نزلت عِظاته الحياتية على فكري كما ينزل رذاذ المطر الناعم على الجبين.. أحاديثه المُطْبقة وابتساماته الرتيبة علَّمتني صناعة الوقت الملائم للغناء أو البكاء.. وحين كان يداهمني التوتر يدنو بقلبه يربت على كتفي بحُنُوّ المناصرة.. يتمتم بكلمات رقيقة صادقة علمتها أبنائي من بعدي.. هذا الحنان الوادق كان تذكرة هروب تحميني من قسوة الحياة.


•• هناك رجال اقتحموا مملكة البراعة يفتشون عن الإبداع.. وهناك حالات منفردة من عذوبة العبقرية لا يجاري اشتعالها إلا حضورها الساطع الملتهب.. وهناك عظماء ارتقوا بمشاعر الأجفان والوجدان فعاشوا في المنطقة العميقة للأجيال.. وهناك متفردون أقاموا علاقة مع الإتقان بقافية نغم مؤثرة تدغدغ مشاعر الجيل.. وهناك مثابرون لا يعييهم التعب يوماً من طول مسافات الحياة.. فكرهم لم يكن أرخص مما يرتدون.

•• صناعة الحياة «مجايلة» للعلم والفكر من جيل سلف لآخر خلف.. فمن حفر في الصخر وجاب فيافي العلم وقفار العمل؛ أضحى نموذجاً حياً لجيل شاب من بعده مقبلٌ على مصارع الحياة.. ومن كافح ونافح واجتهد؛ تظل ذكراه خالدة بين الأجيال المتعاقبة.. ومن ترسَّم صورة إيجابية حاضرة؛ تُرفع له قبعات الاحترام والتقدير حياً أو ميتاً.. أولئك الكبار الذين اعتزلوا الضجيج وأتقنوا الجودة.