-A +A
محمد سالم سرور الصبان
يبدو أنَّ سياسة الرئيس الأمريكي ترمب، القائمة على «التلويح بالجزرة بيد، وإمساك العصا باليد الأخرى»، قد نجحت مع بعض الدول، لكنها حتمًا لم ولن تنجح مع المارد الصيني؛ فقد ردَّ بإشعال حربه مع الولايات المتحدة، في خطوته الانتقامية التي اتَّخذها نهاية الأسبوع الماضي، وتبِعتْها خطوة متعجلة من ترمب برسوم أعلى على مختلف السلع الصينية، الأمر الذي أذن بحرب تجارية عالمية لا أحد يعرف متى تنتهي، ولا ماهيّة تأثيراتها بإحداث ركود اقتصادي يخيم على العالم.

وكان يمكن تفادي هذه الحرب التجارية عن طريق المفاوضات التي بدأت بين الدولتين منذ فترة، ولكن تصلب الطرفين، واعتقاد كل منهما بسلامة موقفه، أدى إلى إطالة أمدِها دون نتائج تذكر. وقابلتِ الصين تهديدات الولايات المتحدة بالصمت أقوالًا، إلاّ أنها اتَّخذت خطوات عملية انتقامية، خدشت بها كبرياء الرئيس الأمريكي؛ فانتقم منها من فوره بزيادة سقف الرسوم على السلع الصينية، بل وطلب من الشركات الأمريكية العودة إلى وطنها وتصفية استثماراتها ومصانعها في الصين، وكأن الأمر بهذه السهولة.


وجاءت انعكاسات ما حدث نهاية الأسبوع الماضي، فقدانَ الأسهم الأمريكية لأكثر من ستمائة نقطة لمؤشر «داو جونز»، وخسائر كبيرة في بقية المؤشرات العالمية، أضيفَ إليها انخفاضُ أسعار سلع رئيسية، منها النفط وبعض المعادن، ثمَّ اتجاه المستثمرين إلى الملاذات الآمنة، ومنها الذهب، والسندات الحكومية وغيرها.

وكلُّ هذا لا يخفي واقع الذعر العالمي الذي أخذَ يجتاح مختلف الأسواق من أنَّ القادم سيكون أسوأ مما لحق بالاقتصاد العالمي في أزمة عام 2008.

والرئيس الأمريكي سيعترف وعلى مَضَضٍ بخطورة هذه الحرب التجارية، مع أمله في تراجعٍ سريع، وترك الفرصة للمفاوضات لتأخذ كامل دورتها دون تهديدات. وهو وإن كان قد ذكر غيرَ مرةٍ بأنَّ الاقتصاد الأمريكي ينمو بقوة، مع بُعده تمامًا عن أيِّ ركود قد يصيبه - وذلك شعار انتخابي - إلا أنه لم يستطع أن يخفي تذمره من رئيس الاحتياطي الفيدرالي وسياسته غير التوسعية، بإبقائه الجمعة الماضية على معدل الفائدة دون تغيير. صحيح أن الشركات الأمريكية لا زالت تحقق أرباحًا، وصحيح أن معدل البطالة في الولايات لا زال عند أدنى مستوياته، ومعدلات التضخم أيضًا، إذْ إنَّها لا تتجاوز الـ (2%) وهو المعدل المستهدف، إلَّا أنَّ الرسوم الصينية على السلع الامريكية، وما تبِعَها من رسوم أمريكية سيزيد من الضغوط التضخُّميَّة في الدولتين، ويؤثر حتمًا في معدلات النمو لأكبر اقتصادين في العالم.

وفي الظروف المشابهة، يلجأ المتخاصمون تجارياً إلى منظمة التجارة العالمية بحثًا عن الحل التوافقي، ولم يحدث ذلك هنا لأن الرئيس ترمب قد أقفل هذا الباب باتهامه للمنظمة بتحيُّزها للصين، وإبقائها ضمن قائمة الدول النامية، بل وهدَّد بالانسحاب من المنظمة إذا لم تخضع لإصلاحات هيكلية شاملة.

إذًا الركود الاقتصادي العالمي قادم لا محالة، خاصة وأنَّ العديد من الاقتصادات الرئيسية، ومنها ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والمكسيك والأرجنتين وغيرها، قد سجلت ركودًا خلال النصف الأول من العام الحالي 2019.

تأثير الركود العالمي على الاقتصاد الخليجي:

يمكن تلخيص التأثيرات الرئيسية من خلال النقاط التالية:

أولا: باستمرار الاقتصاد الخليجي في اعتماده على النفط الخام، وتصديره مع بعض السلع الرئيسية، مثل البتروكيماويات، فإنَّ الطلب على هذه السلع مرتبط بشكل رئيسي بنمو الاقتصاد العالمي، وأيُّ تباطؤ في هذا النمو، يؤثر سلبًا في معدلات نمو الطلب على هذه السلع، في الوقت الذي سيتزايد المعروض العالمي منها، وخاصّة النفط؛ وبالتالي سيحدث انخفاضٌ متتابعٌ في أسعارها. وليس أدلَّ على ذلك من الانخفاض الكبير في أسعار النفط، الأسبوع الماضي، فقد تجاوز نسبة الـ (2%) يوم الجمعة الماضي.

ثانيا: صحيح أن الاقتصاد الخليجي قد اتخذ خطوات كبيرة لتصحيح مساره خلال السنوات الأخيرة، ومنها ما قامت به المملكة من إصلاحات اقتصادية وترشيدٍ للإنفاق، وزيادة العوائد غير النفطية، وغيرها من الإجراءات في إطار رؤية (2030)، لكنَّنا ما نزال في المراحل الأولى من هذا التصحيح الاقتصادي، ولا زلنا نعاني من تسجيل معدلات نمو اقتصادي منخفضة - وإنْ كانت قد تحسنت مؤخرًا -، كما أنَّ معدلات البطالة لا زالت مرتفعة، على الرُّغم من السياسات والإجراءات المتبعة لتقليصها.

ثالثا: يمثل العجز في ميزانيات حكومات أغلب الدول الخليجية مشكلة رئيسية، على الرغم من خطط العمل للوصول إلى ميزانيات متوازنة. وعليه، فإنَّ استهداف المملكة تحقيق فائض في الميزانية عام (2023)، يبدو أمرًا صعبًا في ظل الظروف العالمية الحالية، وصعوبة تحقيق أسعار نفط فوق الستين دولارًا للأعوام القادمة وحتى (2030)، خاصة في ظل توسع الإنفاق الحكومي مؤخرًا لتحريك أفضل لعجلة الاقتصاد.

رابعا: تواجه منظمة الأوبك تحديات كبيرة في الفترة القادمة، في ظل قيادة دول الخليج لها، وتحملها للعبء الأكبر في الاتفاق الساري مفعوله، وبالتالي فإنَّ التمديد التلقائي خلال الفترة القادمة لهذا الاتفاق، لن يجدي؛ لسببين:

1 - تجاوز العديد من دول «اتفاق أوبك+» لالتزاماتهم.

2- اضطرار السعودية لتحمل العب الأكبر من تخفيضات الإنتاج النفطي، وقد أعلنت مؤخرًا عدم قبولها لاستمرار تحمُّلها لذلك العبء.

وختاما، فإنَّ دول الخليج ستتأثر من جراء تسيُّد ركود اقتصادي عالمي؛ فعليها من الآن الاستعداد بتبني الإجراءات اللازمة لتحصين اقتصاداتها والتقليل من الآثار السلبية المحتملة، دون التخلي عما تقوم به من تطبيق لمختلف الرؤى الاقتصادية، في إطار مراجعتها المنتظمة لما يعترضها من تحديات، واتخاذ القرارات المناسبة لمواجهتها مبكرًا، لا أنْ ننتظر حتى حدوثها. كما أن مقالات التطمين بأنْ لا شيء سيؤثر علينا، وأن علينا أنْ نتفاءل، ستعرِّض قطار التنمية لدينا إلى اهتزازات اقتصادية خطيرة.

* كاتب سعودي