-A +A
وفاء الرشيد
لم أرد أن أكتب عن الاعتذار (اعتذار القرني) واصطف مع مئات المقالات من شامتين وناكرين... ولم أرد أن أحتفي بالاعتذار ولا أن أرفضه! سواء كان القرني من الصحوة أو متسلقا عليها، لا يهمني بقدر ما همني إحساس تملكني غريب! متناقض خبيث أفقدني القدرة بأن أحكم فيها بين قلبي وعقلي! فالقلب تألم كثيراً، والعقل لملم حاله وتأمل.. وبقدر ما إن هذا الاعتذار فتح الكثير من الجروح التي حاولت على مدار سنين أن أحجمها داخلي لأعيش بحلم وأمل... متفائلة فعالة بأرضي بلا إحساس غبن واضطهاد... بعيشة سلام معها ومع من قال لي إن ذاك كان برضى وطني!! إلا أني أريد أن أحدثكم عن الذي أحدثه ما يمثله القرني من فكر لجيلي، سواء كان صحوة أو لا صحوة، غفوة أو كبوة، أو يقظة سموها... قتلت أرواح الكثير، مات من مات منهم وبعضهم باق بيننا يلملم كيانه بعد انتهاء (المعركة).

كنت متألمة أنا، فقد كنت منهم... ممن عاش تلك الرحلة بكل تفاصيلها وقاوم أن لا يحقد على دينه أو يتمرد على وطنه، كان في شبابي سلطة من شعب على شعب داخل وطن واحد!! وبمعرفة الجميع كنت أهان في وطني من شخص لا أعرفه ولا يشبهني ولا يشبه عائلتي... أهان! كان كالشبح يظهر علينا فجأة بملامح قاسية بجانبه حامينا يهيننا بلا تردد.. وأنا أجهز ورود عرسي، وأنا أشتري ملابس طفلي، وأنا بالمستشفى بصغيرتي تنزف... وأنا أدخل الجنادرية لأريهم ثقافتهم وتراثهم أهانوني ومنعوني من الدخول لأن غطاء وجهي كان شفافا.. عناوين بحياتي مفصلية لن أنساها..


تمرد غيري على الوطن وعاش على هامشه، وألحد وكفر بالدين جمع آخر والكل لا يناقش حاله بل يعيش بصمت وخوف مترددا داخل وطنه... الذي باعتقاده أنه لا يقبله ويلفظه.. كان يعتقد بأن الوطن لم يحمه... وكبر الجيل بكل تناقضاته ومعاركه وسلم من سلم وانقضى ما انقضى..

الكثير اليوم ممكن يكتبون ينسون أو يتناسون بأن ما يطلق عليه الصحوة اليوم كان مشروعا مباركا في وقت من تاريخ وطننا، تماما مثلما كانت المشاركة في الجهاد في أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي هي جهاد مبارك، فالصحوة كانت يقظة من الظلمات إلى النور وكانت لها معطياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية... ولكن الخطر اليوم أن هذه المرحلة التحولية خلقت حالة من التشنج بين الصحوة واللا صحوة، فلن أقول إسلاميين وغير إسلاميين، فنحن بالنهاية كلنا مسلمون، فتجد أهل الصحوة ومن يتلصقون بهم يشعرون بأن الكفة ليست في صالحهم فتحول حالهم في المجالس بين معتذر عنهم وآخر أخذ راية الدفاع عنهم، معتبرا «ما يسود في الساحة اليوم هو فكر سقيم هش يدعي هزيمة الصحوة»، وما يقلقني هنا هو أن التصنيف بحد ذاته يزيد من هوة الفرقة ويقسم الوطن إلى فسطاطين وهذا الانقسام بعينه هو مسؤولية كبيرة تتحملها جهات وظروف متراكمة سواء كانت بخلفيات سياسية أو اجتماعية أو ثانية تنموية وتقصير واضح من جهات مختلفة.

المهم أن يتعلم الجميع من التجربة، الحاكم والمحكوم، وما أفرزته من عواقب تحتاج لأجيال لنتخطاها ونضمد جروح معاركها... والجدل المعبأ بالاتهامات لسبب إخفاقاتنا أصبح جدلا مكارثيا لن يوصلنا لشيء، فدائما هناك عدو نراه وآخر لا نراه سببا فيها... ولا يكون العدو الحقيقي إلا أنفسنا التي أشغلونا فيها... فعبر التاريخ كان للبشر سعي واضح لتدمير كل عقيدة تخالفهم! وكأنها سنة الله في التدافع وخلق بشر يفسدون ولكن المدنية اليوم بقوانينها وحكوماتها هي التي حكمت وقننت الحياة بين الفسطاطين ليعيشوا لبناء مستقبل أوطانهم صفا واحدا لوطن واحد هو الأم..

* كاتبة سعودية

WwaaffaaA@