-A +A
سعيد السريحي
لم يخلُ زمن من الأزمنة كما لم يسلم مجتمع من المجتمعات من وجود أفراد أو جماعات متطرفة في تفكيرها متشددة في ما تأخذ به من أحكام، غير أن ذلك من يذهبون هذا المذهب من التطرف والتشدد لم يكونوا يشكلون خطرا على تلك المجتمعات أو يثيرون حربا وفتنة في تلك الأزمنة بسبب ما يتسمون به من تشدد وما يأخذون به من تطرف، وإنما كان مثار الفتنة هو محاولتهم إلزام غيرهم بما يرونه من رأي متطرف، وسبب الحروب هو استخدامهم العنف والقوة في إلزام سواهم بما يلزمون به أنفسهم، فإن لم ير أحد ما يرون عدّوه فاسقا يتوجب إعادته إلى ما يرون عنوة وإن خرج أحد عما يلزمون به أنفسهم عدّوه مارقا يتوجب عليهم معاقبته وتأديبه.

الفكر في حد ذاته لا يشكل خطرا وإنما الخطر كل الخطر هو تحوله إلى سلطة للاستبداد بمن يخالفونه أو يختلفون عنه، والخطر كل الخطر أن يتحول الفكر إلى وسيلة للوصول إلى سلطة مؤدلجة يتسلق الداعون إليه والمدعون له على أكتاف دعوتهم لكي يحققوا لأنفسهم مكانة أو يحققوا لأنفسهم مكسبا.


وإذا لم يكن هناك بد من استخدام القوة في مواجهة خطر الفكر حين يتحول إلى سلطة غاشمة أو جماعات سرية وعلنية تسعى للوصول إلى السلطة فإن معالجة الفكر المتطرف باعتباره فكرا لا تتحقق إلا بالفكر نفسه، القائم على الحوار ومقابلة الفكرة بالفكرة ومعارضة الدليل بالدليل، وذلك لا يحقق تشذيبا وتهذيبا لتطرف التفكير فحسب بل يمنح الأمة حراكا فكريا يكون مصدر ثرائها وتطورها كذلك.