-A +A
حمود أبو طالب
دخلتُ ألهث كالطريد. /‏/‏ مستعجلٌ، /‏/‏ أرتب الطاولة.

وردةٌ، /‏/‏ شمعةٌ، /‏/‏ رحيقها المفضل، /‏/‏ تساليها التي تحبها،


رشة عطرٍ على موضع القدم.

ألوّن الليل بهجةً، /‏/‏ أختار موسيقاها، /‏/‏ ونبض قلبي يرتعد: /‏/‏ ها هي. ها هي.

ستطرق الباب حتماً. /‏/‏ لكن بابي ما زال موصداً. /‏/‏ يبِس الشوق على الطاولة. /‏/‏ بعثتُ صوت الأرض، قال: في خاطري شيء.

تحفزت لسماعها، وبعد لحظة قررتُ مغادرة الأغنية الفخمة، لأن الذي في خاطره هو نفس الشيء الذي في خاطري، لا دهشة إذاً.

اللي بعده.. وبمحض الصدفة وقعتُ على أغنية لذيذة مدفونة لدى ملحنها، أحبها كثيراً.. «قلت في نفسي غريبة، ليلة من أحلى الليالي». لكني تذكرت أنه نفس الملحن الذي لو استسلمت له الليلة سأهوي في غيابة الألم.

فلأبحث عن تطريب صاخب يسوقني نحو لحظة طاغية، تنتزعني من العقل والقلب والوجدان إلى تعبير أقل تعبا، تعبير لا علاقة له بالروح، علاقته الوحيدة هي النظر إلى أرواح افتراضية تنتشي بتعب وتظن أنها تحرض السعادة كي تنبثق من ركام المواجع.

مضى الليل وأنا أقلّب السمع والنظر، لعل صدفة شاردة من الاعتساف تنتشل هذا الانتظار الأثيم، لكنه مضى ومضى، ومضى.

«رميت الورد طفيت الشمع يا حبيبي»..

الحقيقة غير ذلك، لم أجرؤ على ارتكاب ذنب أن أرمي الورد، ولا أن أكون مثقلاً بخطيئة إطفاء الشمع. الورد والشموع عنوان أبدي للحياة، إنها رِدةٌ فادحة إذا الإنسان راودته نفسه أن يعبث بالورد والشموع.

كل ما أملاه علي ضمير الورد والشمع هو أن أكون بينهما، بين الرائحة والضوء، فعلتها واختصرت نفسي بينهما، وإذا بي أسقط كورقة من وردة، وكدمعة كثيفة حارقة من شمعة كانت تضيء.

بلغني في ثمالة الليل:

أنها امتشقت سيفها المثلوم ومضت في طريقها لخوض موقعة جديدة، لكن لأنها نسيت عطرها هنا، أشفقت عليها من انكسار الهزيمة. سلاحها الوحيد هو العطر، وقد انسكب كله على الطاولة هنا.

تأملت الطاولة بحرص، لا أثر لانسكاب العطر، ولا أثر لها. إنها لم تكن..