-A +A
عبدالرحمن الثابتي
لماذا يجب أن نهتم بحركات التنوير من داخل التيارات الدينية؟ في ظني أن الخطاب الديني المستنير تكمن أهميته في دوره الجوهري لفئة لا بأس بها؛ لأن هنالك فئة لا تقتنع إلا من خلال رجل دين شئنا أم أبينا، والثانية أن تفكيك الخطاب الديني المتشدد من داخله يساهم في تسريع التلقي والاقتناع؛ لأن متلقي هذا الخطاب هو في الغالب ضد الخطاب العقلاني، ولن يسمع ولن يعقل طرح التيار التنويري مهما كان صحيحا أو منطقيا؛ لأنه يظن أن من يقوم به عدو لله ورسوله وللدين، وهنا يبرز دور رجل الدين المستنير الذي قد لا يواجه نفس الحواجز والسدود التي يواجهها المثقف أو المفكر.

ولكن لا يجب أن يعطى هؤلاء فوق حجمهم الفكري، لأنهم قد يصابون بالعجز في تجاوز بعض القضايا المصيرية، ولذلك يمكن اعتبارهم أداة من أدوات التفكيك وليسوا حركة تفكيكية شاملة، لأن الخطاب الديني المتشدد لا يفككه بشكل كامل إلا خطاب عقلاني صرف، حيث تكون الحجة مقابل الحجة والسؤال التنويري في وجه الإجابات الواثقة والمنقولة، ومواجهة التفاسير المتعنتة للنصوص الثابتة والمتحركة بمطرقة النقد والأسئلة الفلسفية.


في ظني أن جزءا من أزمة الخطاب التنويري في الوطن العربي بشكل عام تكمن في غياب الوعي التاريخي بالنص الديني، حيث إن النصوص الجامدة في الموروث مرتبطة بزمانها ومكانها، ولذلك استعصت على المفكرين العرب إلا قليلاً منهم، وهنا يبرز دور رجال الدين التنويريين أو المتفتحين على تفاسير جديدة تغذي التعددية والتسامح والتعايش وتخاطب العاطفة الدينية بما تفهمه، ومن خلال نفس المدخلات بعد تهذيبها وتشذيبها للحصول على تفسيرات تناسب أبعاد الزمان والمكان والإنسان.

في الحالة السعودية كان القرار السياسي سباقا للانفتاح والتنوير وقيادة الشعب وتمكينه لأن يكون جزءا من العالم والحراك الإنساني المعاصر، ولكن هذا لا يعفي المفكرين والمثقفين من ممارسة وتأسيس خطاب تنويري يساعد المجتمع على عدم التقهقر ثقافيا لأي سبب، ولتشرب ثقافة التسامح والتعددية والتعايش والقضاء على منابع التشدد في نصوص الموروث، من خلال تفكيكها ومن خلال تقديم خطاب ثقافي بسيط في طرحه عميق في جذوره وأفكاره.

* كاتب سعودي

A_ALTHABTY@