-A +A
نجيب يماني
ثلاث «مدهشات» فاجأتني في خطاب حسن نصر الله الأخير، في سياق تداعيات استقالة سعد الحريري، وأثرها الواضح في الساحة السياسية اللبنانية وبالذات على سلاح حزب الله، فلابد من هزة مثل هذه حتى تشعر إيران ومخلبها في لبنان أن زمن التدخلات والوصاية وفرض الأمر الواقع لابد أن ينتهي.. وكل واحدة من هذه الثلاث «مدهشات» حشدت خاطري بنوازع متفاوتة بين الغضب، والرغبة في الضحك، كون «نصر الله» في خطابه بدا وكأنه يراهن على «ذواكر مثقوبة»، أو «عقول ساذجة»، أو تاريخ غير موثق.. فكيف لـ«عاقل» أن يستوعب لهجة التحدي الواثقة التي راهن عليها «الشاطر حسن» وهو يطالب بشاهد واحد على تدخل إيران في لبنان.. ومن منطلق قناعتي بأن من يطلق هذا الرهان إما «مغفّل» أو «مُسْتَغفَل» أو «مُسْتَغْفِل»، فسأخوض رهان «حسن» بالدلائل والبراهين والشواهد، على اعتبار أن هذه القناعات الثلاث حاضرة فيه تمام الحضور، وأحيله إلى مقطع مصور بعظمة لسانه مقراً بدور إيران في لبنان، حيث قال: «على رأس السطح وأمام الناس أن كل مصاريف حزب الله وأكله وشربه وصواريخه وسلاحه من الجمهورية الإسلامية في إيران».. إن في مثل هذا الحديث من التبعية المطلقة لإيران ما لا يحتاج إلى «عنزين» لتنتطحا في إدراكه، ناهيك عن تفسيره وتأويله، فهل ثمة أوضح من هذا دلالة وبرهانًا على «ولوغ» إيران في الشأن الداخلي للبنان، إلى غاية تسخير «حزب الله» إلى تنفيذ أجندتها على المستوى العقدي والعسكري، ليس في لبنان وحسب، بل وفي كامل المنطقة بالوكالة..

ثم هل خفي على الشاطر «حسن» ما قاله الرئيس روحاني متبجحًا: «لا يمكن في العراق وسوريا ولبنان ودول الخليج ودول شمال أفريقيا القيام بأي خطوة مصيرية دون موافقة إيران»، في إشارة واضحة إلى الفوز بالقوة والهيمنة والسيطرة على الدول الأخرى.. فالشواهد كثيرة وبإمكانك أن تراهن على خلافها، فهي أوضح من أن يغطيها غربال «الغباء» أو «الاستغباء».. لكن من تربى على يد «عماد مغنية» الفلسطيني الأصل، بكل تاريخه الدموي والتآمري وتبعيته المطلقة لإيران فسيكون عزيزًا عليه أن يفهم الدور الإيراني في المنطقة على اعتباره «تدخلاً» سافرًا، وإنما سيلتف عليه «تقية» ليفسره على هواه، وإنك لتعجب من مساعدات، تصل حد صرف الرواتب، والسلاح، والأيديولوجية للعقول، والكساء، والدواء، وإجمالاً من «الملابس الداخلية» وحتى «العمائم» أبيضها وأسودها، ثم لا يفهم كل ذلك على اعتباره «تدخلاً» بل «حرصًا» على «وحدة» لبنان.. أدهشتنا يا«حسن»!


أما الأمر الآخر، والذي تختلط فيه الدهشة بالرغبة في الضحك ادعاؤه أن الصاروخ الذي دنس أرض الرياض، إنما كان محصلة لتطور الحوثيين في صنع الصواريخ بأنفسهم، ومعها الطائرات المسيرة.. ولم يركب «حسن» هذا المركب المتأرجح بـ«الفكاهة» و«الكوميديا السوداء» إلا رغبة منه في زحزحة اليقين الصمدي بمسؤولية إيران في تزويد جماعة الحوثي بمثل هذه الأسلحة المتطورة، والقادرة على عبور الأجواء، ولو «ركّز» حسن قليلاً لعرف حجم «الحوثي» وجماعته، ومعاناتهم التي يخوضونها بسبب ما اقترفوه بحق اليمن، وأنهم عاجزون عن صنع «قِدر للطبخ»، ناهيك أن يصنعوا مثل هذه الصواريخ التي يدرك «حسن» ما تتطلبه من تقنية حتى تصل إلى هذا المدى البعيد، وما كان لـ«حسن» أن يضع نفسه في موضع السخرية بمثل هذا الزعم إلا اجتهاده الأعمى في «غسل» المواقف الإيرانية بمثل هذه الخطابات الفجة، و«المبالغات» المضحكة، التي تحفزني لاستدعاء المثل الإنجليزي القائل (too good to be true)، فكل مبالغة لا تنتهي بسامعها إلا إلى تكذيب قائلها، طالما انطوت على «غير المعقول» عقلاً ومنطقًا... لذلك أعيد قولي بكل حمولته الساخرة: أدهشتنا يا «حسن»!

والمدهش الثالث أن «الشاطر» لا يرى في الواقع اللبناني، ما يشهده من هيمنة إيرانية، مهددًا لحياة سعد الحريري، وأن ما قاله «سعد» من أن الأجواء شبيهة بالتي سادت لبنان قبل مقتل والده، هي محض كذب وافتراء، وأن استقالته كانت مدبرة، وأن البيان الصادر أُملي عليه بالإكراه، وأنه تحت الإقامة الجبرية، وأن ما حدث إهانة للبنان، جملة من الأكاذيب قالها ودحضتها الوقائع والأحداث، منها تأكيد فرنسا أن الوضع الأمني في لبنان يمنع عودة الحريري، وما قاله الرئيس الحريري نفسه أنه حر طليق سيعود إلى لبنان ليستقيل حسب الدستور ليخرس ألسنة الكذب أمام العالم كله.

شكرًا للشاطر «حسن» على كل هذه المتعة التي هيأها لنا بخطابه «الفكه»، وتبريراته السمجة، ومغالطاته التي تحرج ذاكرة التاريخ وأضابيره الموثقة، فمن حق «حسن» أن يقول ما يشاء، طالما أن ارتضى أن يغطي رأسه وعقله بـ«عمامة الملالي»، فالمرء حيث يضع نفسه، لكن «نرجوه» أن يرفع عن «الحوثيين» الحرج الذي أوقعهم فيه، فلن يبقى لهم بعد تطوير «صاروخ حسن» إلا «نووي الحوثي».. تذكر يا سيد أنك أنت من تفاوضت مع داعش وضمنت لهم حق الخروج الآمن من لبنان. الإرهاب عنوانه إيران ووثائق ابوت أباد تفضح ذلك. لابد لك أن تتوارى خجلاً لم يعد هناك ممانعة أو مقاومة وإنما سلاح تسخره لخدمة أعداء الأمة. وتمرير أجندة الملالي أولياء نعمتك!