-A +A
عبدالرحمن اللاحم
قبل أعوام عدة كان هناك مجموعة من البشر يجهشون بالبكاء بعد أن أصدرت الدولة قرارا بدمج ما كان يسمى بالرئاسة العامة لتعليم البنات بوزارة المعارف (آنذاك)، وبنوا على القرار أوهاما وزعوها بسخاء في المساجد وفي الإنترنت، كانوا يرعبون الناس البسطاء بأن هذا القرار هو أولى خطوات التغريب تلك الفزاعة التاريخية التي ما زالوا يرفعون عقيرتهم بها في وجه أي خطوة تنموية تقوم بها الدولة، ثم خبت نارهم كالعادة وصمت ضجيجهم لينشغلوا في معركة أخرى فهم لا يعيشون بلا تأزم أو تأزيم، فكان خصمهم هذه المرة جوال الكاميرا، ذلك الجهاز الشرير الذي غزا بلاد المسلمين ليفسد نساءها وينشر الفاحشة، وخرجت المطويات والكتيبات والفتاوى، وعلا النحيب من المنابر ذاتها، ثم خبت المعركة من جديد وأصبح النائحون يحملون في جيوبهم أحدث الأجهزة المزودة بكاميرتين وليست كاميرا واحدة، ويتباهون بصورها في رحلات الأنس الدعوية في الشرق والغرب، وأصبحوا يخجلون من معاركهم في السابق، ويودون لو يمسحونها من صفحات الجرائد ومواقع الإنترنت التي ما زالت شاهدة على تلك الحقبة.

هذه مجموعة من الأوهام التي أرعبوا الناس بها طوال عقود من الزمن، ثم لا تلبث إلا أن تتهاوى مع الزمن منذ زمن (الراديو) وتعليم المرأة وتحريم التلفزيون والدش وانتهاء بعمل المرأة وما يسمونه بالاختلاط، وهجومهم على التنظيم الجديد لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وموقفهم المتشنج من الفن وهيئة الترفيه، لكن المشكلة أننا لا نتعلم من الماضي، ولا نتأمل دروسه مع أولئك القوم، وكأننا نصر على أن نضع مستقبلنا ومستقبل أطفالنا بين أيديهم، ونُصرُ وبشكل غريب على أن نصدق أوهامهم وكوابيسهم في كل مرة، فضاعت علينا أوقات أهدرناها في مجادلتهم ونقاشهم الذي تحول إلى حوار بين طرشان والخاسر الأول والأخير هو هذا الوطن الذي يستحق أن يكون في مقدمة دول العالم لو أنه تخلص من أوهام الغلاة وكوابيسهم.