-A +A
علي العميم
أعلم أن لعدنان إبراهيم جمهورا ممتدا من مشرق العالم العربي إلى مغربه، وممتدا من مسلمي أوروبا إلى مسلمي أمريكا. وسبب افتتان هؤلاء به أن قطاعا عريضا من العرب المسلمين ذهنيته هي ذهنية دينية في تصوراتها السياسية والاجتماعية والثقافية، تستمد رؤاها وتصوراتها وتنشئ أحكامها من إطارين مرجعيين محدودين ضيقين، هما: المشايخية التقليدية والمشايخية الصحوية. وهي الحال التي لم تكن كذلك في عقود سلفت من ذلك القرن، حين كان الأدباء والنقاد والمثقفون الكلاسيكيون والمثقفون الأيديولوجيون مرجع تلك التصورات وعمادها وأساسها ومصدرها. وأعلم أن لعدنان جمهورا في صفوف العاديين وفي طائفة الليبراليين وفي طائفة اليساريين في السعودية وغيرها من البلدان العربية. أعلم كل هذا، لكن مع علمي بكل هذا سأتعرض بالشرح لإعجاب جمهور في طائفة بعينها بعدنان إبراهيم، وسأتعرض بالمناقشة لإعجاب نخب في هذه الطائفة به. هذه الطائفة هي طائفة الصحوة الإسلامية في السعودية، بغرض لمِّ الموضوع وحصره.

يشير الكاتب السعودي فهد الشقيران أن عدنان إبراهيم عرف اسمه في السعودية وفي دول الخليج في أواسط عام 2012. ويضيف قائلا: عرف بعد أن وضع خطبه ومحاضراته على اليوتيوب غير أنه كان متحركا جوّابا قبل ذلك في أوروبا، فأسس جمعية لقاء الحضارات في النمسا سنة 2000. وهي جمعية ذات أهداف تربوية وحركية واجتماعية وإشعاعية، كما يقول في حوار معه. (ظاهرة المفكرين الحركيين إرادة المعرفة أم إرادة الساسة؟ قراءة في حالة عدنان إبراهيم. ص3).


ومما يؤكد الفترة الزمنية التي حددها فهد الشقيران لظهور اسم عدنان إبراهيم في السعودية ودول الخليج، أن الكاتب السعودي محمد على المحمود، كتب بتاريخ 7 يونيو، 2012، في جريدة (الرياض) مقالا دعائيا صارخا يزف فيه خبر ظهور إسلامي مستنير، اسمه عدنان إبراهيم.

أرجع محمد علي المحمود تاريخ تعرفه إلى اسم عدنان إبراهيم في ذلك المقال الذي كان عنوانه (نحو خطاب إسلامي مستنير) إلى ما يقرب من العقد قبل كتابته مقاله هذا، تعرف إلى اسمه بعد أن استمع إلى خطبته وأدى صلاة الجمعة خلفه في جامعه، جامع الشورى، بفيينا أثناء زيارته للنمسا في شهر يوليو سنة 2003.

بعد ثلاثة أسابيع ويوم واحد (28 يونيو 2012)، كتب مقالا ثانيا في جريدة (الرياض) عن عدنان إبراهيم هاجم فيه خصومه السلفيين هجوما ناريا.

في الإطار الزمني المشار إليه، من سنة 2000 إلى أواسط سنة 2012، وفي سنوات قليلة قبلها لا تتعدى السنوات الثلاث، كانت قد جرت داخل حركة الصحوة الإسلامية في السعودية تحولات، يتفاوت مقدارها عند بعض الصحويين من صحوي إلى صحوي آخر، ومن شلة وجماعة صحوية إلى شلة وجماعة صحوية أخرى. كما قد جرت تحولات يسيرة عند القاعدة الجماهيرية لتلك الحركة المنقادة والمخدوعة بخطاب مشايخ الصحوة التعبوي التحريضي، والمؤثر، بسبب استناده إلى الدين، وبسبب ادعائه الأخلاقوية الدينية المثالية، وبسبب عاطفيته وسطحيته.

كانت مشكلة مشايخ الصحوة الذين هم في الصف الأول وفي الصف الثاني وفي الصف الثالث.. وقادتها المؤثرين أن تلك التحولات لم تمسسهم، ولم يكن لهم دور في الصدع بها وإبرازها والدفع بها إلى الأمام، ولا كانوا -وهذا أضعف الايمان- مواكبين لها، فهي مست أسماء مغمورة، بعضها من التيار السروري وآخرون من التيار السلفي الحديثي (نسبة إلى علم الحديث) الثوري وواحد من التيار الجامي. وهؤلاء -مع تفاوض في حجم الدور- كان لهم فضل الصدع والإبراز والدفع بعملية التحول خطوة إلى الأمام. وقد انضمت إليهم جماعات بعضها يقول بما يقولون من مراجعة ونقد لفكر الصحوة، وبعضها الآخر اكتفى بتغيير القالب أو الشكل مع المحافظة على جوهر الخطاب ومع الاستمرار في موالاة حركة الصحوة في مرحلة ما قبل تعرض بعض مشايخها وبعض قادتها وبعض الكوادر الناشطة فيها للاعتقال، وموالاتها في مرحلة ما بعد تلك المرحلة، والدفاع عن هاتين المرحلتين بطريقة سياسية وثقافية مخاتلة منزوع عنها أنياب الغلو والتطرف الديني.

لاذ مشايخ الصحوة بعد تجربة الاعتقال بالصمت لفترة من الوقت. وحين ظهروا في وسائل الإعلام الرسمية وقبلها في منابر خاصة بهم، كان جمهورهم العام والخاص ينتظر منهم أن يعيدوها جذعة، فيستأنفوا القول بخطابهم السياسي والفكري التعبوي التحريضي، مرة أخرى، لكنهم خيبوا أملهم، إذ أنهم خالفوا سيرتهم الأولى بل خرجوا عليها، وأصبحوا يقولون كلاما عاما مستأنسا ومروضا، خاليا من دسم الغلو والتطرف. وحتى عملية التحول التي جرت داخل حركتهم، سكتوا عنها، فلم يجهروا بحكمهم عليها: هل هم معها أم هم عليها؟ هل هي خير للحركة أم هي شر عليها؟

وهذا لا يعني أن مقاعد مندوبي الخطاب السياسي والفكري التعبوي التحريضي ظلّ شاغرا، فلقد احتلته أسماء جديدة، لم تكن معروفة من قبل. ومما يلحظ أنه لم يكن لهذه الأسماء الجديدة التأثير والبريق اللذان كانا لمشايخ الصحوة في ثمانينات القرن الماضي ومطلع تسعيناته. ومما يلحظ أن مشايخ الصحوة مع أنهم ما عادوا يتمثلون ذلك الخطاب لم يعترضوا على هؤلاء المشايخ الجدد ولم يظهروا اختلافهم معهم. وكأني بهم تعاملوا مع ما يقولونه وفق مذهب لم آمر بها ولم تسؤني!

وكان من مظاهر التحول عند الصحويين زهدهم بالكتاب الإسلامي، وإقبالهم على الكتاب العلماني الذي كان غالبيتهم يعرفونه من وراء حجاب سميك. وهذا الحجاب السميك كان أقوال الإسلاميين الغليظة فيه.

في تلك الآونة برزت شبيبة وافدة من حركة الصحوة -وهي من هواة القراءة فيها- في منتديات الإنترنت. وكان هؤلاء من بين الذين تركوا الكتاب الإسلامي وراءهم ظِهْرِيا، وطفقوا يقرأون الكتاب العلماني بقلب مشروح وعقل مفتوح وهمة عالية. ونتيجة لذلك صاروا يكتبون بلغة ثقافية -لا لغة دينية مباشرة- تنبئ عن أن أصحابها تقدميون وعقلانيون وتنويريون لكن مع المحافظة على آرائهم المعادية للسلطة وللمثقفين المتحررين، وخصوصا المواليين منهم للسلطة، وتلك الآراء المعادية كانوا قد تلقفوها في ماضيهم الصحوي المغالي المتطرف. وهؤلاء تضيق صدورهم وتربد وجوههم عند قراءتهم لنقد الصحوة المحلية أو نقد الإسلاميين عموما، فيسارع بعضهم في الرد في منتديات الإنترنت بكتابة تعليق يغض من شأن هذا النقد ويغض من شأن أصحابه.

كانت عملية التحول في حركة الصحوة متدرجة وكان نطاقها واسعا، بحيث شمل مستويات ومدارك، وأصنافا وفئات، مختلفة ومتباينة. ومجمل القول عنها أن الذين قادوها في ما قبل وفي ما بعد، هم الذين كانوا بمثابة (رعايا) داخل حركة الصحوة وليسوا (أمراءها) و(شيوخها). أقصد (أمراءها) و(شيوخها) من حيث التوجيه السياسي والاجتماعي والثقافي والأيديولوجي.

ترتب على هذا الأمر كله أن العديد من الجمهور العام والجمهور الخاص لحركة الصحوة ما عاد ينظر إلى مشايخ الصحوة المحلية بأنهم أعلام هذا الزمان وعلماؤه ومثقفوه ومفكروه الكبار كما كان الأمر في السابق. وقيم نفر من هذين الجمهورين نفسه بأنه غدا أعلى كعبا من مشايخ الصحوة في العلم الديني وفي الثقافة المعاصرة وفي الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي.

المشكلة الثانية هي أن مشايخ الصحوة لم يقدموا أعمالا علمية وثقافية وفكرية دينية جديدة عبر أي صيغة كانت (مقالات، دراسات، محاضرات، كتب) وذات قيمة، تتناسب والمرحلة الجديدة، وفي الوقت عينه تجدد شرعيتهم أمام جمهورهم وأمام الناس جميعا، بل هم عاشوا ويعيشون على شرعية سابقة كانت قائمة على الغلو والتطرف والتهييج الاجتماعي والسياسي. ومأزقهم مع هذه الشرعية أنهم ما عادوا يتمثلونها، ولا ينتجون أعمالا من خلالها. ولإدراكهم أن هذه الشرعية هي شرعيتهم الحقيقية التي تحققت بواسطتها مكاسب لهم ومكانة ونفوذ في المجتمع السعودي، حرصوا ألاّ يعرضوها إلى مراجعة واضحة وصريحة، بل هم يلجؤون إلى اللف والمداورة والاحتيال وشتى الأعذار حين تأتي سيرة أفكارهم المغالية والمتطرفة.

بعد مضي سنوات على حالة الربكة والارتباك والركود الذي تعرض له العقل الصحوي بصيغته الأصلية، وبعد مضي سنوات على واقع التخلخل والتشظي والتفكك الذي أصاب الجسم الصحوي في قوامه الأساسي، أنزل عدنان إبراهيم خطبه ومحاضراته على موقع اليوتيوب فعبأ فراغا ثقافيا لدى بعض أصناف طائفة الصحوة وفئاتها، كانوا بأمس الحاجة إلى صحوي يملؤه.

شبيبة الصحوة تحمسوا لعدنان في البداية؛ لأنهم رأوا فيه مثقفا صحويا موسوعيا في علمه الديني وفي معرفته بالتاريخ الإسلامي وفي اطلاعه على الثقافة والفلسفة الغربية، ورأوا فيه الاستنارة والعقلانية وقوة العارضة في الجدل، ورأوا أنه مكافئ وند للمثقفين العلمانيين العرب الذين كانوا قد قرأوا أعمالهم بِأَخَرَه.

ولأنهم كانوا مسيسين وثوريين، راقت لهم إدانة عدنان للحكم الوراثي في محاضراته عن معاوية بن أبي سفيان؛ لأن هذا النمط من الحكم يعتقدون -ومعهم كثيرون في هذا الاعتقاد الخاطئ- مضاد لطبيعة الحكم الإسلامي ومنافٍ له، وخروج عن شريعته. وهذا وهم سنتصدى لنقاشه في الحلقة القادمة.

لكن حين تبين لهم أن الرجل منغمس في الفكر والتفكير الخرافي، أحرجوا فانسلوا من صفوف المعجبين به والداعين له.

ثمة فئة وهي فئة عريضة من الصحوة لم يكونوا من المحترفين في القراءة، أعجبت به؛ لأنه كان ميسرا ومنفتحا، ويبيح سماع الغناء. وهالهم حديثه عن الخلافات والصراعات ما بين الصحابة وتشنيعه على الدولة الأموية، وسبه خلفاءها، وإدانته الشاملة لمجريات التاريخ الإسلامي قاطبة من الناحية السياسية. وكانت هذه المعلومات -بالنسبة لهم- جديدة ومدهشة ومبهرة وصادمة. الفرق بين أفرد هذه الفئة والأفراد القارئين -على نحو متوسط أو جيد- للكتاب الإسلامي، أن الأخيرين يعرفون عن تلك الخلافات والصراعات وذلك التشنيع وتلك الإدانة لكنها كانت معرفة ناقصة؛ لأن مصدرها كتب دفاعية، كتب تحكمت في توجيه مواقفهم من خلال ابتسار وقائع، والتعتيم على بعض الوقائع، وتلطيف رواية وقائع وتصفيتها من الشوائب، وتقديمها في إطار تبريري وتسويغي واعتذاري. هذه الكتب هي فرع من الكتاب الإسلامي، يسمى التفسير الإسلامي للتاريخ.

رغم أن التيارات الدينية السنية، القديمة والمحدثة والناشئة من عقود قريبة بينها تداخل ومشتركات وتثاقف وتأثر واقتراض، وتجتمع كلها على التشدد والغلو، وكذلك هو الأمر في التيارات الدينية الشيعية التي لها تداخل وتشارك وتثاقف مع التيارات الدينية السنية المحدثة، التي هي -أيضا- تنافس القديم والمحدث والمتأخر في التيارات الدينية السنية في التشدد والغلو، أقول مع هذا كله فعدنان إبراهيم يفرد السلفيين العرب والمشايخ السلفيين الوهابيين بالهجوم ويحملهما وحدهما مسؤولية انتشار الغلو والتطرف وانتشار الموقف التحريمي من الفن بكل ضروبه، وتغييب المعلومات المدونة في مصادر التاريخ الإسلامي وفي كتب التراث الديني القديم.

مثل هذه المغالطة المبنية على تحيز فاضح انطلت على المعجبين الأبرياء به من تلك الفئة العريضة، وصدقوها. وجزء منها ناسب السياسة الجديدة التي اتخذتها حركة الصحوة في مرحلة ما بعد الاعتقال، والمخالفة لسياستها في مرحلة ما قبل الاعتقاد.

هذه السياسة الجديدة قائمة على بث وعي مغلوط بين الناس العاديين غير المحصنين بوعي مضاد لثقافة الصحوة وأقاويلها. ولا يخفى أن هؤلاء كثرة في طبقة المتعلمين تعليما جامعيا وعاليا في السعودية وفي خارجها. كذلك بث هذا الوعي المغلوط في الإعلام الخارجي وفي عقول الباحثين الأجانب. وقبل أن أعرج على بعض محتوى هذا الوعي المغلوط، سأروي واقعة حصلت لي مع باحث أجنبي، تتضمن أول مفردة من مفردات هذا المحتوى.

زارني هذا الباحث الأجنبي في مكتبي، وكنت قد التقيت به قبل ذلك في أكثر من مقهى ومن بهو فندق بضع مرات، وكان الذي عرفني إليه أستاذه صاحب الاسم الذائع في دارسة الحركات الإسلامية الحالية، فسألني بعض الأسئلة تضمنت مداخلة اعتراضية على حقيقة كنت ألح عليها منذ أن التقيته أول مرة.

قال في مداخلته الاعتراضية: أنت وغيرك من السعوديين تقدمون حركة الصحوة وانتشار وعيها وثقافتها في المجتمع السعودي على أنه حادث جديد، بينما تاريخ مجتمعكم يشهد بعكس ما ترددون. فالمجتمع والدولة السعوديان كانا هكذا قبل صعود حركة الصحوة في مجتمعكم وفي المجتمعات العربية الإسلامية. وأن الحداثة والانفتاح الثقافي ما هما إلا أمران طارئان على مجتمعكم.

أتيت له بشواهد تعزز وجهة نظري مما عاصرته، ومما يتوفر لدي من معلومات عن الحياة الثقافية والإعلامية والاجتماعية في فترة ماضية. وقلت له: أن ثمة مناحي في تاريخ المجتمع السعودي القريب والبعيد تقدم رواية أخرى مختلفة عن السردية الصحوية التي تبنيتها لكن المشكلة أنها غير محفوظة في كتب ودراسات لهذا فمن ضمن الوسائل، للتعرف على تلك المناحي: الإذاعة والتلفزيون والصحف والمجلات والرجوع إلى المتناثر في كتب رواد الأدب، والاستماع إلى شهادة الأدباء والمثقفين المخضرمين والمتأخرين وليس الاقتصار على ما يقول الصحيون به والذين تستمد معلوماتك وآراءك منهم، رغم أنها متحيزة ومغرضة. مع أنه من المفترض أن تحصر شهادتهم في تجربتهم في الصحوة وفي تاريخها الذي عاشوه. فما عدا هذين الأمرين هم ضعيفو الصلة بالوسائل التي تنبئ بتاريخه.

المفردة الثانية: هي التنصل من قيامهم بنشاط واسع ومحموم لفرض مظاهر الغلو والتطرف في المجتمع السعودي على مختلف فئاته وجنسه وأصنافه، وإلباس تلك التهمة للمشايخ التقليديين والعائلة والمدرسة والوسط الاجتماعي والبيئة المحلية.

المفردة الثالثة: هو الادعاء بمشاركتهم في الحركة المطلبية ذات الطابع التحديثي منذ تاريخها الأول في خمسينات وستينات القرن الماضي.

المفردة الرابعة: تقديم أنفسهم بأنهم لم يكونوا ضد التطور الاجتماعي والتحديث الفكري، وأن الذي كان ضده سواهم.

إن ما يغيب عن وعي الأبرياء في تلك الفئة العريضة أن الذي حجب عنهم المعلومات التي أدهشهم وبهرهم وصدمهم بها عدنان إبراهيم -مع أنها معلومات أولية وابتدائية وبسيطة- هو حركة الصحوة الإسلامية بشقها الإخواني والسروري، وأداتها وهو الكتاب الإسلامي. فالكتاب الاسلامي كان من بين وظائفه أن يكون حارس بوابة على كتب المؤرخين العرب القدامى وكتب الثقافة العربية المعاصرة وكتب الثقافة العربية الحديثة لمنع قرائه من القراءة لتلك الكتب قراءة مباشرة.

والكتاب الإسلامي بمعناه المحدث والمعاصر -كما هو معلوم- لم يسهم المشايخ السعوديون السلفيون فيه بشيء يذكر.

ثمة أجيال متعاقبة في السعودية وفي العالم العربي لم تكن تعر انتباها لفتاوى رجال الدين المتشددة في قضايا عديدة، ولم تكن تكلف نفسها وسعها في البحث عن فتوى أو رأي تيسيري يجيز لها ما تثمنه وما تميل إليه، كالاستماع إلى الغناء وغشيان المسارح وصالات السينما، أو قراءة ولبس ما تشاء. أقول هذا على سبيل التمثيل لا الحصر.

إن الذي دفع بــ (الشيخ) إلى موقع المقدمة في حياة الناس، وسحب (المثقف) من موقعه المتقدم وأقعده في المؤخرة، هو حركة الصحوة الإسلامية، وليس الشيخ التقليدي الذي اتجهوا أخيرا إلى تحميله مع الحكومة آثامهم وخطاياهم. ونظرا إلى أن (الشيخ) بإطاريه المرجعيين المحدودين الضيقين المومأ إليهما أعلاه، هو المهيمن على وعي العرب المسلمين في وقتنا الحاضر، فلا عجب أن يحسب واعظا كعدنان إبراهيم التقط من كل وادٍ عصا، عالما علامة وفيلسوفا موسوعيا.