-A +A
عبدالرحمن اللاحم
على كل الحشد الذي قام به الإخوة الغلاة من الذين يعادون البسمة والسعادة والفرح ضد الفن والموسيقى والغناء؛ إلا أن قاعة مركز الملك فهد الثقافي في الرياض امتلأت قبل بداية (نغمات ثقافية) بساعات وعاد الكثير أدراجه بعد أن أغلق المركز أبوابه لامتلاء القاعة بأناس جاءوا يسمعون طربا وفنا ويمتعون أرواحهم بجمال الكلمة والنغم دون أن يؤذوا أحدا أو يعتدوا على أحد، وسارت الفاعلية بكل انسيابية من حيث التنظيم الحضاري للحدث، وبعد نهاية الاحتفال كل عاد إلى بيته معبأ بذكريات جميلة ولحظات عذبة.

(نغمات ثقافية) أعادت لنا جزءا من ذاكرتنا الاجتماعية قبل أكثر من أربعين سنة حيث كان الفن دارجا في المجتمع والموسيقى والغناء مألوفا لآذان الناس لا ينكره الناس ولا يلاحقون المغنين والفنانين، بل كانت الحفلات الغنائية تقام بتنظيم وإشراف أجهزة الدولة، وكانت تغص بالحضور حتى خنقها أعداء البهجة وسمموا أفكار جيل كامل ضدها، حتى رأينا أناسا يقارنون الموسيقى بالخمر والزنا وتقشعر أبدانهم عند سماع نغمة عابرة معتقدين أنها ستهوي بهم في قعر جهنم، هكذا علمهم وعاظ جهلة أمسكوا بتلابيب المنابر فحشوا أذهان الشباب بقناعات مغلوطة ضد الحياة والزهد فيها وفي ملذاتها ومناحي الجمال فيها، فنشأ جيل من الشباب، يستحقرون الفن ويستعيبون الإبداع فيه، لذا لم نر مبدعين برزوا منذ تلك الحقبة من تاريخنا الوطني، في الوقت الذي رأينا آلاف الوعاظ يتناسلون ويتكاثرون، حتى أصبح لكل مواطن داعية.


أتمنى أن تكون (نغمات ثقافية) بداية لأن نعود إلى زمننا الجميل وأن نعي أن هذا الوطن للجميع ومن حق كل مواطن أن يتمتع فيه دون وصاية من مواطنين آخرين مساوين له بالمواطنة لا سلطة لأحدهم على الاخر، لأنه لا يمكن أن يتصور أن يملي عليك أحدهم ما تسمع وما تشاهد، لا لشيء إلا لأنه ارتدى مشلحا وأسمى نفسه شيخا أو داعية.